التعليم عن بعد مع تعذر إجراء الاختبارات في معظم المستويات الدراسية في ظرف الجائحة
يحسن بالتعليم عن بعد مع تعذر إجراء الاختبارات في معظم المستويات الدراسية في ظرف الجائحة أن ينهي المقررات بالتركيز على المعلوم بالضرورة من المعلومات
بعد العديد من التكهنات بخصوص ما سيكون عليه الموسم الدراسي الحالي الذي أثرت في سيره الطبيعي جائحة كورونا ، أقدمت الوزارة الوصية على قطاع التربية والتعليم على قرارها الذي جاء خلاف التكهنات خصوصا تلك التي كانت تتوقع سنة بيضاء أو تتوقع نجاحا جماعيا دون الرجوع إلى ما حصل عليه المتعلمون من علامات فيما أنجزوه من فروض وواجبات ، ودون اعتماد سلطة المدرسين التقديرية للبث في انتقالهم من مستوى إلى آخر باستثناء مستويات معينة ستخضع لامتحانات كما جرى بذلك العمل في الظروف العادية .
وككل بلاد العالم في الظرف الاستثنائي للجائحة اعتمد ت الوزارة تقنية التعليم عن بعد بما توفر من إمكانيات من خلال استخدام قنوات تلفزية لفائدة المتعلمين في كل أرجاء الوطن سعيا وراء تقليص الفوارق بين من يتوفرون على وسائل التواصل والذين يفتقرون عليها .
ولقد اعتمد المدرسون مشكورين مأجورين إن شاء الله تعالى على إمكانياتهم الخاصة ، وخاضوا تجربة التعليم عن بعد لأول مرة ، وواجهوا صعوبات جمة تتمثل في عدم تعوّد المتعلمين على هذا النوع من الدراسة ، وحتى عدم انضباط البعض منهم، فضلا عن عناصر مشوشة على التجربة منها تدخل بعض الآباء وأولياء الأمور بحسن نية خوفا على مصير أبنائهم وهم معذورون في ذلك، لأن هاجس الامتحانات سبب لهم ولأبنائهم قلقا كبيرا ، ومع ذلك كان من الأفضل والأحسن أن يخلّوا بين أبنائهم ومدرسيهم لتسير الدروس عن بعد سيرها العادي والطبيعي.
وبطبيعة الحال كانت تجربة التعليم عن بعد جديدة ومتفاوتة بين مؤسسات عمومية وأخرى خصوصية ، ومن الطبيعي أيضا أن كل تجربة جديدة تواجه صعوبات ولكنها لا تخلو من نتائج مهما كانت نسبتها . ولقد تعرضت هذه التجربة للنقد خصوصا من طرف جهات عدمية اعتادت على ممارسة النقد المجاني المثبط للعزائم ، وهي في الغالب لا تملك ولا تقدم بدائل عما تنتقده ، وهذا شأنها في كل القضايا و في القطاعات لأنها بطبعها ساخطة ناقمة غير راضية على كل شيء في هذا الوطن ، وهي تبخس جهود من يعملون مع أنها ممن يتكلمون ولا يعملون ولا ينتجون ، وهي عالة على من يعملون وينتجون ويبذلون ما في وسعهم من جهد قدر ما يطيقون وما يتوفرون عليه من إمكانيات .
والغريب أن الجهات المنتقدة لتجربة التعليم عن بعد هي التي تباكت على عدم تكافؤ الفرص بين جميع المتعلمين عبر أرجاء الوطن ، وأظهرت تعاطفا مع المتعلمين في الجهات النائية الذين لم تشملهم هذه التجربة ، فمن ناحية طالبت تلك الجهات بتعميم تجربة التعليم عن بعد ، ومن ناحية أخرى أشبعتها انتقادا .
والحقيقة أنه كان من الأجدر أن تشكر جهود رجال ونساء التعليم من طرف الجميع على خوضهم هذه التجربة بوسائلهم الخاصة وإمكانياتهم المحدودة ، ويشكر كذلك الآباء وأولياء الأمور على مساهمتهم في هذه التجربة بوسائلهم الخاصة أيضا . والجهود التي بذلت من طرف الجميع لا يبخسها إلا جاحد أو منكر أو معاند ، ولا يمكن أن يقدرها إلا من كابدها .
ومع اتخاذ الوزارة الوصية قرار عدم المغامرة بحياة المتعلمين بسبب خطر الجائحة من خلال حضورهم إلى المؤسسات التربوية لاجتياز الاختبارات وكذا قرارها بمواصلة التعليم عن بعد إلى غاية نهاية الموسم الدراسي قد تساءل البعض إن لم نقل الكثير عن جدوى إنهاء المقررات الدراسية دون أن يختبر فيها المتعلمون لأنهم سينصرفون عن ذلك ، ولا يعيرونه اهتماما.
والحقيقة أن قرار إنهاء المقررات قرار صائب وهو لفائدة المتعلمين حتى لا تفوتهم بعض المعلومات التي هي ضرورية بالنسبة إليهم في المستويات التي سينتقلون إليها ، ولهذا يحسن بتجربة التعليم عن بعد أن تركز على ما يمكن تسميته بالمعلوم بالضرورة من المعلومات قياسا على قاعدة المعلوم من الدين بالضرورة بحيث يترك للمدرسين والمدرسات مهمة تحديد طبيعة هذا المعلوم بالضرورة من المعلومات لأن لديهم من الخبرة ما يؤهلهم لذلك . ووفق هذه القاعدة يمكن تجاوز ما ليس ضروريا من المعلومات التي من شأنها أن تستهلك حيزا زمنيا معتبرا من الفترات الباقية من حصص التعليم عن بعد.
ومن نماذج المعلوم بالضرورة من المعلومات على سبيل المثال لا الحصر أن يتم التركيز على قواعد اللغة بالنسبة للغات لأنها ملازمة للمتعلمين في كل المستويات والمراحل الدراسية ، ولا يمكن الاستغناء عنها بينما يكون بالإمكان الاستغناء عن غيرها وتداركها بغيرها خلال مراحل ومستويات قادمة . وما قيل عن المعلوم بالضرورة من القواعد اللغوية يمكن للمدرسين والمدرسات في مختلف التخصصات تحديد ما هو ضروري وملح بالنسبة لجميع المواد ، ولهم في ذلك سلطتهم التقديرية القائمة على خبراتهم، وأهل مكة أدرى بشعابها كما يقال.وبالمعلوم بالضرورة من المعلومات يمكن تدارك ما قد يفوت المتعلمين من المعلومات الضرورية والأساسية .
وفي الأخير لا بد من التنبيه إلى أن الاستنقاص من شأن تجربة التعليم عن بعد بشكل أو بآخر قد يتسبب في وأدها في المهد كتجربة ، ويحول دون استغلالها واستثمارها بعد عودة الدراسة إلى سيرها الطبيعي مستقبلا خصوصا وأنه انبثق عنها تواصل في غاية الأهمية لم يكن من قبل بين الآباء وأولياء الأمور وبين المدرسين والمدرسات خصوصا في مستويات التعليم الابتدائي ، ولا شك أن هذه التجربة ستفيد الآباء وأولياء الأمور في تتبع عملية تحصيل أبنائهم عن بعد عبر استخدام وسائل التواصل عوض الحضور إلى المؤسسات التربوية للسؤال عن تحصيلهم .
وإذا ما التمس العذر للمتعلمين الذين لا يتوفرون هم أو أولياء أمورهم عن وسائل تواصل ، فإنه لا عذر للمتعلمين الذين لم يخوضوا تجربة التعليم عن بعد، ولم ينخرطوا فيها بالرغم من توفرهم على إمكانيات المشاركة فيها . ولا شك أن الذين لم ينخرطوا فيها هم الفئة التي تغيب مشاركتها في الدروس حتى خلال الدراسة الفعلية في الفصول أثناء السير العادي للدراسة ، وعليهم يصدق المثل المغربي العامي " لي ما جا مع العروس ما يجي مع أمها " ويقصد به أن ما لم تجلبه العروس من بيت أمها إلى بيت الزوجية من جهاز لا تأتي به أمها .
ونختم بأحسن الأماني لفلذات الأكباد بالنجاح والتوفيق ،والصحة والعافية ،وبشكر رجال ونساء التربية والتعليم على بلائهم الحسن ، ونسأل الله عز وجل أن يجازيهم خيرا على ما بذلوه من جهد ، وما واجهوه من صعوبات خلال تجربة التعليم عن بعد ،وبشكر الآباء والأمهات وأولياء الأمور على حرصهم وسهرهم على تعلم أبنائهم وبناتهم عن بعد ، والجميع في ظرف استثنائي بسبب الجائحة التي نسأل الله عز وجل أن يعجل برفعها بلا عودة إن شاء الله تعالى ، فهو القادر على ذلك وكفى به وكيلا .
وسوم: العدد 877