كَثرَ الساسةُ .. فضاعت الطاسة !
قال - بأسف ومرارة – : ترك الناس واجباتهم ، وانشغلوا بالسياسة ! فسأله أحدهم : أهم مشغولون بالسياسة ، أم بالثرثرة السياسية ؟ فأجاب : كله واحد ! فجاءه الردّ : لا، ليست السياسة كالثرثرة السياسية ، وليست الثرثرة السياسية ، سياسة ؛ فالسياسة عمل جادّ ، قائم على الحساب ، بأنواعه : حساب الربح والخسارة ، لدى الفرقاء ، جميعا: لدى الصديق.. ولدى الحليف.. ولدى الخصم .. ولدى العدوّ..! ايّ : لدى المشاركين، جميعاً، في عمل سياسي واحد، ولكلّ منهم مصلحته ، الكبيرة أو الصغيرة .. ولكلّ منهم قوّته ، التي يوظفها ، في تحصيل مصلحته.. ولكلّ منهم طريقته ، في حساب مصلحته ، وحساب مصالح الآخرين : الخصوم والأعداء والحلفاء ! كما أنّ لكلّ منهم طريقته ، في حساب قوّته ، وقوى الآخرين .. ولكلّ منهم أسلوبه ، في تقدير قدرته على تحصيل مصلحته ، بين القوى المتصارعة المتنافسة ، وقدرته على التكهّن ، فيما يمكن أن يفعله الآخرون ، من توظيف قواهم ، لتحصيل مصالحهم ، بين القوى المتداخلة والمتقاطعة .. وبين المصالح المتداخلة والمتقاطعة ؛ الظاهر من المصالح والقوى.. الموظف من القوى ، والاحتياطي القابل للتوظيف..العاجل من المصالح والآجل.. الهامّ منها ، والأشدّ أهمّية ، والأقلّ أهمّية .. مايمكن أن يتنازل عنه الشخص ، من مصالحه.. وما يُعَدّ أساسياً ، لديه ، غير قابل للتنازل ، عنه ، أو عن جزء منه..!
هذا ، كله ، يدخل في الحساب السياسي ، الذي تقتضيه السياسة ! وقد يشمل هذا الحساب ، مصالح دول ، ومصائر بشر! أمّا الثرثرة ، فهي مجرّد ثرثرة ، لاتحتاج حساباً ، لقوى أو مصالح ! وإن احتاجت ، إلى شيء من ذلك ، فلا يَرى الثرثار، نفسَه ، مكلفاً، بأن يحسب شيئاً منه ؛لأنه مجرّد ثرثار، يتحدّث عن أشياء، قد لاتهمّه، كثيراً ! وإن أهمّه شيء منها ، فهو غير مسؤول عنه ، أو عن نتائحه ، في الحال ، أو المآل ؛ لأنه مجرّد ثرثار، يقول كلاماً عابراً، ثمّ يمضي ، ناسياً ماثرثر به ، هو، والآخرون معه ! فهل اتّضح الفرق ، بين السياسة والثرثرة السياسية ؟ فهزّ الرجل رأسه ، بالإيجاب ، ثمّ قال ، بابتسامة مرّة : صدقت ؛ هذا مايفعله المتحدّثون بالسياسة، الذين أشرت إليهم : إنه مجرّد ثرثرة ، وهم مجرّد ضحايا ، لحسابات الساسة المتمرّسين.. والماهر، من هؤلاء الثرثارين، هو من يحسب سياسته الخاصّة به ، غافلاً عن مصالح الآخرين ، المتشابكة مع مصالحه ، وكأنه وحده ، في العالم ! وأصحّ قول، يمكن أن ينطبق عليهم ، هو : كَثرَ الساسة ، فضاعت الطاسة !
فقال صاحبه : بل الأصحّ منه ، هوالقول : كَثرَ ثرثارو السياسة ، فضاعت الطاسة!
وسوم: العدد 885