الإشارات والرموز التي ظهرت خلال صلاة الجمعة الأولى في جامع أياصوفيا
كثر التساؤل حول بعض الإشارات والرموز التي ظهرت خلال صلاة الجمعة الأولى في جامع أياصوفيا، والتي استغرب منها بعض المتابعين ولم يفهموا معناها وأسبابها، بل إن بعضها بدأ يُخضِعُها لأسلوب المبالغات، ولذلك أوضح هنا بعض هذه النقاط التي تفيد المسلمين في فهم ما جرى اليوم في صلاة الجمعة في جامع أياصوفيا الكبير الشريف:
1- أول ما يمكن ملاحظته في هذا السياق هو الرايتان باللون الأخضر واللتان تم تعليقهما فوق منبر جامع أياصوفيا، ولم يكونا يظهران سابقاً عندما كان هذا المبنى متحفاً، وهاتان الرايتان هما رمز لفتح القسطنطينية، حيث يعود شكل الرايتين ونقشهما إلى عهد السلطان محمد الفاتح، وكانت رايتا الفتح تعلقان دائماً فوق المنبر بعد بنائه في جامع أياصوفيا رمزاً لفتح السلطان محمد الفاتح، وبقي تقليد تعليقهما في نفس المكان دائماً طوال العهد العثماني احتراماً لمقام السلطان الفاتح، وتمت إزالتهما مع تحويل المسجد إلى متحف بداية عام 1935م حتى أعيدتا اليوم.
حاولت البحث فيما إذا كانت الرايتان المرفوعتان اليوم هما نفس الرايتين الأصليتين ولكن لم أحصل على إجابة حتى هذه اللحظة، وسأظل أبحث بإذن الله رب العالمين.
2- ثاني ما تمت ملاحظته – ولعله الأبرز – هو السيف الذي حمله رئيس شؤون الديانة التركي الأستاذ علي أرباش أثناء الخطبة واتكأ عليه في فوق المنبر، وخاض الكثيرون في هذا السيف وادعى البعض أنه سيف السلطان محمد الفاتح، ولعل هذا الخلط يعود إلى ما ذكره أحد الصحفيين الأتراك بقوله إنه (سيف الفتح)، وهذا يختلف عن (سيف الفاتح).. فالألف تفعل الكثير.
وهذا السيف في الحقيقة هو سيفٌ رمزي (وليس سيف السلطان محمد الفاتح)، وحمله والاتكاء عليه أثناء الخطبة كان تقليداً عثمانياً حنفياً (أي من المذهب الحنفي) متوارثاً مأخوذاً عن فكرة الفتح بالسيف، حيث نقل أحد الأخوة الكرام (وهو الأخ أ. عبدالله الحراسيس) عن د. منير خلوفي قوله: (قال الشرنبلالي الحنفي في متن "نور الإيضاح" وهو يعدِّد سنن خطبة الجمعة: (ثم قيامه والسيف بيساره متكئاً عليه في كلِّ بلدةٍ فُتِحَت عنوة، وبدونه في بلدةٍ فُتِحت صُلحاً) انتهى.) ويكمل د. منير: (وهذا هو أصل هذا التقليد العثماني الذي استمر عندهم قروناً، وهم يستندون فيه للفقه الحنفي، فإذا فتحوا البلد عنوة مثل: "إستانبول" و"بلغراد" يقوم خطيبهم في الجمعة بالسيف، وإذا فتحوه صلحاً يقوم بغيره) انتهى. وأما الشافعية والمالكية والحنابلة فقد استحبوا الاتكاء على أي شيء سواء كان عصا أو سيفاً أو قوساً أو غيره.. وفي هذا تفصيلٌ ليس هنا مقامه.
فالحاصل أن رئيس شؤون الديانة حمل السيف على العادة العثمانية في الخطبة في جامع أياصوفيا، وفي ذلك رمزية لفتح هذه المدينة وإشارةٌ إليه.
3- وثالث ما يمكن أن يكون البعض قد انتبه إليه هو أن وقوف الخطيب كان تقريباً في الثلث الأخير من المنبر وليس في أعلاه، بحيث ترك بينه وبين أعلى المنبر ثلاث درجات، وهذا تقليدٌ إسلاميٌّ عريقٌ جميلٌ كاد ينقرض في أغلب مساجدنا اليوم، وهو يرمز لاحترام مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان منبره الشريف يتكون من ثلاث درجات، وأصله أن الأمويين زادوا منبر مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في عهد معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ست درجات (إضافةً إلى الدرجات الثلاث الأصلية) فصار تسع درجات، وعند زيادة الدرجات الست حملوا منبر النبي صلى الله عليه وسلم الأصلي بدرجاته الثلاث وثبتوه فوق المنبر الأموي، فكان الخطباء يقومون تحت الدرجة الثالثة لمنبر رسول الله صلى الله عليه وسلم احتراماً لمقامه الجليل عليه الصلاة والسلام، وبقي الأمر كذلك حتى احترق منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في حريق المسجد النبوي الشريف الأول عام 654هـ، مع ذلك حافظ المسلمون – في تلك الأيام – على هذه العادة احتراماً لمقام النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ما بقي موجوداً في تركيا حتى اليوم.
هذا توضيح لبعض تلك الإشارات اللطيفة في خطبة الجمعة الأولى في جامع أياصوفيا الكبير الشريف الموافق 3/12/1441هـ، الموافق 24/7/2020م.
وسوم: العدد887