" الإدارة في خدمة المواطن " هل لهذا الشعار ترجمة إجرائية على أرض الواقع
" الإدارة في خدمة المواطن " هل لهذا الشعار ترجمة إجرائية على أرض الواقع أم أنه مجرد قول يقال أوعبارة مكتوبة تعلق على الواجهات ؟؟؟
من المعلوم أن الإدارة عندنا على اختلاف أنواعها عمومية وشبه عمومية وحتى الخاصة منها، لا تتساهل قيد أنملة مع المواطنين بخصوص ما عليهم من واجبات، ذلك أنهم يؤدون ما بذمتهم من ديون ،أو ضرائب مختلفة ، أومقابل للمخالفات في آجالها المحددة ، كما أنهم يؤدون مقابل ما يستهلكون من ماء وكهرباء وهاتف في حينه ... إلى غير ذلك مما هم مطالبون به من واجبات ، ولا يمهلون فوق ما تحدد لهم من مواعيد ، بل قد يؤدون ثمن كل تأخير عن ذلك ، ولكن في المقابل تعطل حقوقهم المختلفة ، ولا تحترم المواعيد التي تضرب لحصولهم عليها . وللإدارة دائما ما تبرر به كل تأخير لتمكين ذوي الحقوق من حقوقهم في مواعيدها المحددة ، لأنها تعاملهم كما يعامل السيد عبيده . وويل لمن تسول له نفسه الاحتجاج عليها ، ذلك أن التهمة عندها جاهزة حيث تعتبر كل احتجاج من أجل نيل حق من الحقوق اعتداء على موظفيها أثناء القيام بواجبهم . وفي أحسن الأحوال تتملص من المسؤولية بطريقة أو خرى متذرعة بشتى الذرائع كقلة إمكانياتها المادية أو البشرية أو وسائلها أو عطل هذه الأخيرة أو قلة أطرها ومستخدميها أو غيابهم في رخص... أما اجتماعات رؤسائها فلا تنقضي ،وهي أعذار جاهزة قد صارت معروفة لدى المواطنين ،لا يصدقها أحد منهم لتكرارها الممل .
وسنضرب أمثلة على ذلك تمثيلا ، وتعميما ،لا تخصيصا ولا شخصنة من خلال ما هو موجود على أرض الواقع و يعرفه المواطنون جيدا ، وهم عليه شهود، ولا سبيل لإنكاره . ويكفي أن يذكر الواحد منهم لغيره ما وقع له من تعطيل حقوقه في إدارة من الإدارات حتى يبادره الآخر بسرد ما يشبه أو يفوق ما عانى منه أيضا .
ومن أنواع الواجبات التي لا يمكّن المواطنون من الحصول عليها في مواعيد التي تضرب لهم على سبيل المثال أوراق الهوية، وجوازات السفر، ورخص السياقة ، ومختلف الوثائق الإدارية ... إلى غير ذلك مما لا تلتزم غالبا مختلف الإدارات بتسليمه في مواعيد محددة تحددها بنفسها إلا أنها لا تلتزم بها . فما معنى أن تضرب تلك الإدارات مواعيد محددة للمواطنين ، وتكون في الغالب جد متأخرة قد تطول مددا طويلة بالنسبة لبعض الوثائق . وويل لمن عبر عن امتعاضه أو غضبه أو رفع صوته مطالبا بوفاء تلك الإدارات بمواعيد هي التي تحددها وتضربها . وإن أخف الضرر الذي قد يلحقه أن يطرد منها مغبونا، هذا إذا ما كان محظوظا، ولم تقد له التهمة الملومة وهي الاعتداء على موظفيها أثناء القيام بواجبهم مع أن سبب احتجاجه في الأصل هو عدم القيام بها في مواعيد لا يتم الوفاء بها . وقد يرغم المواطنون المحتجون من طرف كبار المسؤولين على الاعتذار على احتجاجهم لموظفيهم، ومع ذلك يصرفون دون الحصول على حقوقهم ، وتضرب لهم مواعيد عرقوبية أخرى .
ومما يعاني منه المواطنون حرمانهم على سبيل المثال أيضا من استخلاص بعض أموالهم المودعة في البنوك خصوصا خلال عطل نهاية الأسبوع حيث تعطل بعض الوكالات البنكية شبابيكها الأوتوماتيكية عمدا ، فيتعذر بسبب ذلك على زبنائها القيام بالتسوق أو السفر أو التطبيب... وهكذا تعطل حقوقهم مع أنهم يسددون واجبات البطاقات البنكية في موعدها .
ومثل ذلك أيضا عدم توصل المواطنين بفواتير الماء والكهرباء لأن الوكالات المكلفة بذلك لم تعد توفر العدد الكافي من المستخدمين المكلفين بتوزيعها ، الشيء الذي يضطرهم إلى أداء ما بذمتهم من استهلاك عن طريق الإدلاء بفواتير سابقة وهم لا يعلمون ما يجب عليهم أداؤه. ومن غريب ما يحصل أيضا أن تستخلص تلك الوكالات مبالغ أكثر من حجم الاستهلاك ثم تصير بذلك مدينة للمستهلكين بتلك المبالغ ، وتلجأ إلى أسلوب تسديدها المتأخر من خلال احتسابها ضمن فواتير لاحقة ، وهكذا يصير المواطنون مرغمين على أداء مبالغ مسبقة بسبب سوء تدبير تلك الوكالات . وويل لمن سولت له نفسه انتقادها أو طالب باسترجاع ما بذمتها . وقد تتكرر نفس مبالغ الاستهلاك لشهور لأن الوكالات لا تضبط بانتظام الاستهلاك بل تقدر ذلك تقديرا ، ولا يملك للموطنون محاسبتها على ذلك .
ولو شئنا الاسترسال في الحديث عما يعانيه المواطنون من تعطيل الإدارات والوكالات المؤسسات على اختلاف أنواعها لحقوقهم لطال بنا ، لهذا اختزلناه اختزالا .
وقلما يحظى المواطنون من طرف الإدارات بما يجب لهم من حسن استقبال وحسن تعامل إذ غالبا ما يخرجون منها متذمرين ساخطين . وغالبا ما تكون الأحاديث بينهم عبارة عن شكاوى يسردها بعضهم على بعض من سوء معاملتها لهم . وكثيرا ما تكون تلك المعاملات سببا في اندلاع احتجاجات جماعية داخلها بسبب تعطيل مصالحهم وهي حقوقهم المستحقة .
ونأمل من جميع المسؤولين في مختلف القطاعات عمومية وخاصة أن يعيدوا النظر في شعار " الإدارة في خدمة المواطن " الذي يفوهون به أو يرسمونه على لافتات أو شارات ترفع على واجهات إداراتهم أو وكالاتهم أو مؤسساتهم. وتكون إعادة النظر عبارة عن رد اعتبار للمواطنين بحسن معاملتهم وحسن استقبالهم ، وتمكينهم من حقوقهم كاملة في مواعيدها المحددة دون تأخير أو تعطيل أو تسويف أو إهمال أو تهاون .
ومعلوم أن كل هؤلاء المسؤولين على علم تام بما يقع في إداراتهم ووكالاتهم ومؤسساتهم من تعطيل لمصالح المواطنين ومن إهانات يلحقها بهم موظفوهم أو مستخدموهم متعمدين ،ولكنهم مع شديد الأسف يسكتون على ذلك بل قد يدافعون عنهم ملوحين بتهمة الاعتداء عليهم أثناء القيام بواجبهم ،ولا واجب ولا قيام به في واقع الحال .
ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي على نطاق واسع ،كثرت في وقتنا هذا الفيديوهات التي تصور ما يعانيه المواطنون بسبب إهمال الإدارات والوكالات والمؤسسات حقوقهم ، وهو أسلوب أصبح يقلقها حتى أن بعضها صار يمنع ويحاسب بل ويقاضي من يلتقط تلك الفيديوهات الفاضحة لها .وفي حال انتشار بعضها على أوسع نطاق تتم محاولة تدارك الفضائح بالإسراع في تمكين ذوي الحقوق من حقوقهم أو إنصافهم بعد ظلم أو غبن .
إن خدمة الإدارة للمواطن واجب، وهو سلوك حضاري في دولة الحق والقانون .
وسوم: العدد 904