دفاعا عن الأستاذ مالك بن نبي
أوّلا: الأستاذ مالك بن نبي يحترم ويوقّر سيّدنا عمر بن الخطاب :
- قرأت بتاريخ: الجمعة4 ربيع الثاني 1442 هـ الموافق لـ 20 نوفمبر 2020، وعبر صفحة كتب صاحبها مقالا بعنوان: "مطاعن مالك بن نبي في أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه من خلال(بعض) كتبه".
- سيتعمّد صاحب الأسطر وعلى غير عادته عدم ذكر اسم صاحب الصفحة.
- جاء في نفس صفحة المعني، قوله: "واليوم أضع بين يدي القارئ الفاضل طعنه (أي مالك بن نبي) في الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه.فإنه اتهم عمر رضي الله عنه بأنه "أســـكرتـــه نــشـــوة الســـلـــطة". قال في كتابه :"القضايا الكبرى[1]" ص 113/112: ومن ناحية أُخرى فإن هذا التطهير النفساني لا يمثل ابتداعاً صينيّاً محضاً، إلا في شكل نشاطه العمومي، ومن حيث غاياته السياسيَّة. فقد سبق أن مارسه المجتمع المسيحيُّ بشكل آخر، ولغايات مغايرة، فيما يُعْرَفُ عنده (بكرسيِّ الاعتراف. ولقد مارسه المجتمع الإسلامي الوليد كذلك، لغايات تطهيريِّة في تلك الضروب الذائعة الصيت من (الإقرار بالذَّنب، أو الإعلان عن الخطيئة) من مثل اليوم الذي اعتقد فيه الخليفة (عمر) أنه قد "أثْمَلَتْهُ نَشْوَةَ السُّلطة"، فما كان منه إلا أن استدعى (الصحابة) وجمعهم حذو المِنْبَر، ليعلن أمامهم ما مُؤدّاه: أنه لم يكن شيئاً مذكوراً، بل هو أقلّ من اللاَّشيء؛ وأنه لا يعدو كونه مجرد راعي ماشية جعل منه الإسلام خليفة. وهكذا كان (عمر) العظيم الذي نعرف مدى حساسيته الأخلاقية المتوفِّرة، أوَّلَ من فتح طريق (النقد الذَّاتي).
- أقول: تحدّث سيّدنا عمر بن الخطاب رحمة الله عليه ورضوان الله عليه قبل هذا المقطع عن الجرائم التي بثّبها الاستدمار الفرنسي في المجتمع الجزائري، ومنها مايسميه بـ "هذيان السهولة" و"هذيان الصعوبة". ويطلب مالك بن نبي من المجتمع الجزائري التحرّر من هذا الهذيان عبر النقد الذاتي ليتمكّن من التحرّر من الاستدمار والقابلية للاستدمار معا. وليعزّز مايدعو إليه من نقد ذاتي راح مالك بن نبي لسيّدنا عمر بن الخطاب ليستخرج منه ماكان يمارسه على نفسه أوّلا من خلال النقد الذاتي.
- يفتخر مالك بن نبي بكون النقد الذاتي وجد في العالم الإسلامي وعبر سيّدنا عمر بن الخطاب، وليس فقط عبر المجتمعات الغربية كما تعتقد هي، أو يعتقد أتباعها.
- ومسألة " أثْمَلَتْهُ نَشْوَةَ السُّلطة" تعني أنّ سيّدنا عمر بن الخطاب انتقد نفسه، ومنعها من أن تغترّ بالسّلطة وهو السيّد في قومه. ومن هنا كانت عظمة سيّدنا عمر بن الخطاب، وعظمة مالك بن نبي حين وقف على المشهد واستخرج منه هذه الجزئية الدقيقة والعظيمة التي تحثّ على النقد عبر سيّدنا عمر بن الخطاب..
ثانيا: مالك بن نبي ينتقد المستشرقين وليس تابعا لهم:
- نقل صاحب المنشور مقطعا عن مالك بن نبي، فقال: قالبن نبيفي كتابه "وجهة العالم الإسلامي[2]" (ص17)، "مدخل الدراسة": "كنت قد فرغت من تخطيط هذه الدراسة، عندما جاءني أحد أصدقائي، وقد كان على علم بمشروعي، فأطلعني على المؤلف القيم الذي وضعه الأستاذ (جب) بعنوان (الاتجاهات الحديثة في الفكر الإسلامي) Les tendances modernes de L'Islam. فوجدت أن موقف المؤلف الكبير يشبه في مواطن كثيرة موقفي الذي حاولت مع قصر باعي أن أجلوه.فهل كان عليّ أن أراعي هذا التشابه، فأكتفي بإحالة القارئ إلى آراء أستاذ أكسفورد، وخاصة فيما يتصل بالفصلين الثاني والثالث من هذا الكتاب .. ؟ لقد آثرت أن أواصل طريقي متخذاً منه سنداً يؤيد رأيي، وهو سند له عندي وزن كبير." ويختم صاحب المنشور قوله: " مالك بن نبي ينصح كل مسلم أن يهتم ويستفيد من كتاب إمام المستشرقين ،المستشرق الإنجليزي "هامِلْتُون ألكسندر روسكن جب". كما جاء في كتابه :"وجهة العالم الإسلامي" ص20. وتوصّل صاحب المنشور إلى: "إذن فما قيمة كتاب مالك بن نبي "وجهة العالم الإسلامي" وما وزنه بميزان الشرع الحكيم؟ وما مدى تأثير كتاب المستشرق على مالك بن نبي وكتابه؟؟ وماذا يمكن أن نسمي مالك بن نبي الذي يعتمد على كتب المستشرقين في نظرتهم للإسلام وحال المسلمين؟؟. هذا هو مالك بن نبي وهذه شهادته على نفسه وكتابه إن لم يكن مالك بن نبي "مستشرق" في نظر العلماء فلا شك أنه بهذا الاعتراف تلميذ نجيب عندهم ".
- أقول: يمتاز مالك بن نبي رحمة الله عليه بأنّه يقرأ للجميع، ويقرأ أمهات الكتب، وللعرب، والمسلمين، والفقهاء، والمحدّثين، والتراث الإسلامي، وللغربيين الذين عايشهم والذين لم يعايشهم. وفي نفس الوقت ينتقد الجميع ودون استثناء.
- يأخذ مايفيد وطنه الجزائر وأمّته ممن يرى فيه الفائدة ولو كان مستشرقا. ولا يأخذ ممن يهدم وطنه الجزائر وأمّته ولو كان جزائريا، وعربيا، ومسلما. وكما أخذ مالك بن نبي من الأستاذ الإنجليزي "جب" لامحالة فقد سبق أن انتقده في مواطن أخرى.
- تجلى تواضع مالك بن نبي في كونه ذكر أنّ ماتوصّل إليه في كتابه "وجهة العالم الإسلامي"، وبعد جهد توصّل إليه أيضا الأستاذ الإنجليزي "جب". وهذه الظاهرة تحدث كثيرا لمن يعرف قيمة الجهد، والحرف. وشخصيا عشت هذه الظاهرة أكثر من مرّة حين يرى صاحب الأسطر أنّ ماتوصّل إليه من فكرة بعينها وبعد قراءة، وكتابة، ومقارنة، سبق أنّ كتب حولها العالم الفلاني، والأستاذ الكبير الفلاني وكأنّها من مشكاة واحدة، رغم أنّ قرونا فصلت بين الرجلين.
- يعرف مالك بن نبي قدر الرجال الذين سبقوه في مسألة بعينها، وبغضّ النظر عن كونها من علماء الغرب، أو جزائريين، أو عرب، أو مسلمين.
- استشهد مالك بن نبي بالأستاذ الإنجليزي جب كما يستشهد بعلماء الأزهر، وعلماء المسلمين، وعلماء الجزائر، والمغرب العربي، والمشرق العربي، وعلماء الغرب حين يستدعي المقام ذلك. و ينتقد مالك بن نبي الأستاذ الإنجليزي جب كما ينتقد علماء المسلمين، وعلماء الجزائر، والمغرب العربي، والمشرق العربي، وعلماء الغرب حين يستدعي المقام ذلك.
- ويقسّم مالك بن نبي المستشرقين[3]إلى قسمين عبر كتابه "إنتاج المستشرقين و أثارهم في الفكر الإسلامي". ويحذّر من المستشرقين الذين يتظاهرون بمدح الحضارة الإسلامية وهم في الحقيقة يبثّون سمومهم عبر هذا المدح. ويعتبرهم خطر على المجتمع الإسلامي.
- وامتاز مالك بن نبي بكونه تعلّم في فرنسا ولم يكن تابعا لفرنسا ولا للغرب. ودرس للمستشرقين ولم يكن يوما تابعا للمستشرقين بل ناقدا لهم. وقرأ لعلماء المسلمين وأثنى عليهم وانتقدهم.
ثالثا: الأستاذ مالك بن نبي يحترم ويوقّر سيّدنا معاوية بن أبي سفيان :
- عنون صاحب الصفحة منشوره: "اتهام معاوية رضي الله عنه بالمكر والحيلة والخداع"، ثم أضاف: قال في كتابه: "بين الرشاد والتيه[4]" ص69: "إننا نقتبسه من تلك الأيام الحالكة حين قام النزاع بين علي كرم الله وجهه ومعاوية رضي الله عنه. فمعاوية قد شعر بأن السيف لا يحقق نصره، فلجأ إلى الحيلة، إذ أمر قومه بأن يحملوا المصاحف على رؤوس رماحهم وينادوا: هذا حكم بيننا. ومن المؤسف أن (الفكر الموضوعي) كان منبثا في الفريقين ليخدع في صف معاوية ولينخدع في صف علي حيث يقول: أجل إن الكتاب حكم بيننا".
- وعليه أقول: هل الذي يطعن في سيّدنا معاوية بن أبي سفيان رحمة الله عليه، ورضوان الله عليه يقوله عنه: رضي الله عنه ؟!.
- سيّدنا معاوية بن أبي سفيان رضوان الله عليه بالإضافة إلى كونه من أسيادنا الذين كتبوا الوحي لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، هو أيضا رجل سياسي، وعسكري يتّصف بصفات السياسي، والعسكري بالإضافة إلى صفات كاتب الوحي.
- نظر الأستاذ مالك بن نبي رحمة الله عليه لأسيادنا علي ومعاوية رحمة الله عليهما ورضوان الله عليهما من خلال حادثة عسكرية، وسياسية وهي معركة صفين. مايعني أنّه تعامل مع سيّدنا علي وسيّدنا معاوية من حيث كونهما قادة، وساسة لأنّ المقام يفرض ذلك.
- رحت أقرأ المقال كلّه الذي كتبه مالك بن نبي، وعنوانه: "السياسة والأخلاق". وانتقد مالك بن نبي السّاسة الذين يستعملون الأخلاق لتحقيق أغراض سياسية، عبر اعتماده على ماجرى بين سيّدنا علي وسيّدنا معاوية رضوان الله عليهما.
- قال مالك بن نبي عن سيّدنا معاوية بن أبي سفيان، وبالحرف: " فمعاوية قد شعر بأن السيف لا يحقق نصره، فلجأ إلى الحيلة". وعليه أقول: لجوء السياسي، والعسكري أثناء الحرب والمفاوضات لـ: "الحيلة" لتحقيق مكاسب لايعتبر أبدا من "المطاعن؟ !". وكلّ الحروب، والمفاوضات تعتمد على الحيلة.
- أبدى مالك بن نبي رأيه في مسألة والتي اتّخذها مثالا وليس صلب الموضوع. وقد يصيب وقد يخطئ. وكلّه أدب، واحترام، وتوقير لأسيادنا الصحابة رحمة الله عليهم ورضوان الله عليهم جميعا.
- لو أعلم أنّ مالك بن نبي "طعن؟ !" في أسيادنا الصحابة، وفي سيّدنا معاوية بن أبي سفيان لانتقدته اليوم قبل الغد. وأنا الذي قرأت له، وأثنيت عليه، وانتقدته، وما زلت.
- طبّقت قاعدة أستاذي وليد عبد الحي Walid Abdulhayالتي تعلّمتها منه، وهي: "كن سيّء النية تكن جيّد التحليل"، فعلمت أنّ المسألة لاعلاقة لها بمالك بن نبي، إنّما لها علاقة بالتنافس السّعودي الإيراني وإقحام هذا التنافس في المجال الفكري. والضحية هذه المرّة مالك بن نبي الذي أمسى لحمه غير مسموم يجوز أكله، ونهشه !.
- رحم الله سيّدنا معاوية بن أبي سفيان ورضي الله عنه وأرضاه، ورحم الله الأستاذ مالك بن نبي.
رابعا: الخاتمة:
- الأستاذ مالك بن نبي يثني عليه صاحب الأسطر حين يصيب، وينتقده حين يخطئ غير نادم ولا آسف. ويردّ عنه التهم التي ألحقت به وأساءت له.
[1] للزيادة راجع من فضلك: مالك بن نبي: "القضايا الكبرى"، دار الفكر اللبنانية والسورية، طبعة معادة، 1991،
[2] للزيادة راجع من فضلك، مالك بن نبي : " وجهة العالم الإسلامي"، ترجمة الأستاذ: عبد الصبور شاهين، دار الفكرية، دمشق، سورية، الطبعة الخامسة، 1406هـ - 1986، من 201 صفحة.
[3] للزيادة حول موقف مالك بن نبي من المستشرقين، راجع من فضلك: مالك بن نبي، "إنتاج المستشرقين و أثارهم في الفكر الإسلامي"، دار الفكر، سورية، الطبعة الأولى، 1412 هـ - 1991، من 198 صفحة.
[4] للزيادة راجع من فضلك: مالك بن نبي "بين الرشاد والتيه"، دار الفكر، دمشق، سورية، طبعة 1987، من 177 صفحة.
وسوم: العدد 909