أيها السوريون : في يوم العاشر من حزيران.. تذكّروا جيداً عارَ الطاغية الخائن
على امتداد خمسة عقود، وبتاريخ العاشر من حزيران، وقعت واقعتان حملتا معهما تأثيراً بالغ الخطورة على الحياة السورية الحديثة، ما تزال الشام تعاني من وطأتهما حتى هذه اللحظة، وبطلهما هو (حافظ أسد)!..
كان يومها وزيراً للدفاع، في ريعان شبابه، إذ لم يكن يتجاوز السابعة والثلاثين، وقد أطلق أبواقه كلها قبيل حرب الخامس من حزيران عام 1967م: (سنُغرِق اليهودَ في البحر، وسنجعلهم طعاماً لأسماك البحر الأبيض المتوسط)!.. لكنّ دمشقَ وبقيةَ المحافظات السورية، والعربَ، والعالَمَ كله.. استيقظوا بعد خمسة أيامٍ من اندلاع الحرب، في الساعة التاسعة والنصف من صباح اليوم العاشر لشهر حزيران عام 1967م.. استيقظوا على وَقْع البلاغ العسكريّ رقم (66)، بلاغ الانكسار القسريّ الذي دبّره وزير الدفاع الشاب وزمرته، مَن عاهدوا السوريين والعرب قبل إشعال الحرب، على تحرير فلسطين وإغراق الصهاينة في البحر:
[.. إنّ القوات الإسرائيلية استولت على مدينة القنيطرة، بعد قتالٍ عنيفٍ دار منذ الصباح الباكر في منطقة القنيطرة، ضمن ظروفٍ غير متكافئة، وكان العدو يغطي سماء المعركة بإمكاناتٍ لا تملكها غير دولةٍ عظمى.. واستولى على مدينة القنيطرة على الرغم من صمود جنودنا البواسل!.. التوقيع: حافظ الأسد - وزير الدفاع]!.. (سقوط الجولان – لضابط استخبارات الجولان: مصطفى خليل بريّز – ص155).
بينما يقول القيادي البعثي السوري (سامي الجندي): [.. فوجئتُ لما شاهدتُ على شاشة التلفاز مندوبَ سورية في الأمم المتحدة، يُعلن سقوط القنيطرة ووصول قوات إسرائيل إلى مشارف دمشق، فيما المندوب الإسرائيليّ يؤكِّد أنّ شيئاً من ذلك لم يحصل]!.. (كسرة خبز –ص17). أما قائد الجيش السوريّ آنذاك اللواء (أحمد سويداني)، فيقول: [لقد سمعتُ بلاغ سقوط القنيطرة من إذاعة دمشق كغيري من المواطنين السوريين، وإنني لم أُستَشَر في إصدار ذلك البلاغ]!.. (سقوط الجولان لمصطفى خليل-ص177). وأما وزير الصحة في ذلك الوقت الدكتور (عبد الرحمن الأكتع)، فقد قال: [عندما اتصلتُ هاتفياً بوزير الدفاع (حافظ الأسد) مشكِّكاً في صحة بلاغ سقوط القنيطرة، لأنني كنتُ في جولةٍ ميدانيةٍ هناك أثناء إذاعة البلاغ.. شتمني بأقذع الألفاظ، فعرفتُ أنّ في الأمر شيئاً مُريباً]!.. وقد أكّد تلك الحقيقة الضابط (مصطفى خليل)، قائد استخبارات الجولان في عام 1967م، بقوله: [إنّ الذي ثبت لدينا، هو أنّ القوات الإسرائيلية لم تطأ أرضَ القنيطرة، إلا بعد إعلان سقوطها بما لا يقل عن سبع عشرة ساعة]!.. (سقوط الجولان - ص188).
إذن: كان إسقاط القنيطرة من إذاعة دمشق على لسان وزير الدفاع (حافظ أسد).. على الرغم من المقاومة الباسلة التي حمت المدينة.. كان واقعةً بارزةً عميقة الأثر على التاريخ السوريّ كله حتى اليوم، إذ رسم (حافظ) وعصابته في ذلك البلاغ معالِمَ الحقبة السوداء التي تعيشها سورية حتى الآن!..
* * *
في العاشر من حزيران عام 2000م، وقعت الواقعة الثانية، التي خطّط لها حافظ أسد، ودبّر كل معالمها، ورتّب مساراتها، لتكونَ داهيةً ثانيةً تُصيب سورية والسوريين في القلب، فالجمهورية التي رسم معالمها صاحبُ بلاغ السقوط الكاذب للقنيطرة، ليست جمهوريةً كما هي كل جمهوريات الدنيا، بل وراثيةً عجائبيةً من عجائب هذا الزمن!.. إذ خطّط حافظ أسد لمؤامرته، ووزّع الأدوار والرشاوي، وكان الدور الأعظم في ذلك منوطاً بما يُسمى بـ (مجلس الشعب)، المصنَّع في دهاليز الأجهزة الاستخبارية الأسدية، فقد قام ذلك المجلس الرخيص في العاشر من حزيران عام 2000م، بتفصيل الدستور (الدائم) الذي وضعه حافظ أسد نفسه، ليناسبَ مقاس الوريث الغرّ الذي صُنِعَ على عَيْن أبيه، وليصبحَ (بشار بن حافظ أسد) وريثاً (دستورياً) لعرش سورية المغتَصَب:
[تُعَدَّل المادة (83) من دستور الجمهورية العربية السورية، وتصبح كما يلي:
(يُشترَط في مَن يُرشَّح لرئاسة الجمهورية، أن يكونَ عربياً سورياً متمتّعاً بحقوقه المدنية والسياسية، مُتِمَّاً الرابعة والثلاثين عاماً من عمره)]!.. (القانون رقم9 لعام 2000م).
* * *
في يوم العاشر من حزيران، دهت سوريةَ داهيتان عظيمتان، لا يزال تأثيرهما الكاررثيّ مستمراً على الحياة العامة والخاصة للسوريين، وقد دبَّرهما شخص خائن واحد اسمه: (حافظ أسد).. وحافظ أسد هذا، قبضه الله العزيز الجبار المنتقم إليه، في يومٍ جعله عبرةً للجبارين في الأرض، الذين خانوا وطنهم وشعبهم وأمّتهم، ومارسوا الكذبَ والجورَ والباطلَ والفسادَ في الأرض.. حافظ أسد هذا، أزهق الله عز وجل روحَه في يوم العاشر من حزيران أيضاً (عام 2000م).. فهل كان ذلك اليوم كذلك، يومَ القصاص الإلهيّ العادل في الدنيا (بانتظار قصاص الآخرة)، وتذكرةً لمن يتذكَّر؟!..
(وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (البقرة:281).
وسوم: العدد 933