السلطة الفلسطينية: «يلا فش حرية»… ماذا خلف أسوار طهران… ونصائح للاجئين الأفغان !
في وقفة احتجاجية على دوّار المنارة في رام الله ثار أحد عناصر الأمن عندما هتفت سيدة متظاهرة (زوجة الشيخ خضر عدنان المعتقل لدى أمن السلطة) تصيح: “يا حيف عاللي جرحهم جرحي، وفوق الجرح داسوا/صاروا عساكر للعدو، وإيد العدو باسوا”.
ما كادت السيدة تنهي هتافها حتى باغتها العنصر بشتائم تناقلتها مواقع الكترونية في فيديو: “فشرت عينك ولي، ولا إنتِ ولا مية زيّك بيغبّر ع بسطار عسكري ولي، يوم بدّك تغلطي عالعساكر تحترمي حالك”!
وحين تستأنف السيدة الهتاف، غير آبهة بما ارتكب: “حرية.. حرية”. ينتفض غاضباً: “بلا حرية بلا… يلا روحوا، فش حرية” !
بقدر ما تستفزك الشتيمة، خصوصاً في وجه امرأة في ذلك العمر، تكاد تضحك للطريقة التي راح فيها العنصر يهشّ الناس:” يلا فش حرية”، كما لو أنه يبعد صغاراً عن دكانه. منطق العسكري الضحل يشي بأنه يتصور الحرية هبة تمنحها دكان سلطته للفلسطينيين المشغولين بمقارعة الاحتلال منذ أكثر من سبعين عاماً.
التاريخ لا يعلّم أحداً على ما يبدو، في كل مرة يبدأ الأحرار من الصفر، تماماً مثلما يبدأ العسكر من الصفر، ولا كأنهم رأوا أي مصير ينتظر الفاسدين والمتنفذين ومن يقف أمام إرادة الشعوب.
عنصر الأمن هذا لم يسمع حتى صوت الثوار الفلسطينيين الحقيقيين من أبناء فصيله كي يتعلم درس الحرية، كي يتعلم أن لهذه باباً بكلّ يد مضرجة يدق، أنها تنتزع رغم أنفه، ولا يُنتظر أن تمنحها سلطة هي أقرب إلى احتلال.
ما هتفت به السيدة ليس وليد لحظته، إنه هتاف مشغول، عاتب على الذين “جرحهم جرحي” ، ويبدو أنه قد غدا مستقراً في وعيها أن هؤلاء باتوا “عساكر للعدا” ـ في المقابل، وعلى الرغم من أن ما قاله عسكري السلطة قد يبدو مجرد ردة فعل، إلا أن سهولة ارتكابه تشي أيضاً بأنه قد غدا مستقراً في مخيلة السلطة أن الحرية في جيوب المتسلّطين، وأن عساكرها مقدسون.
خلف أسوار طهران
لولا مخافة أن يحسب الكلام في إطار نظريات المؤامرة، لقلنا إن الفيديوهات “المقرصنة” من داخل سجن إيفين بطهران هي من تسريب السلطات الإيرانية نفسها، لا لإرهاب الإيرانيين، على غرار فيديوهات سرّبت من داخل سجون النظام السوري، بعدسات رجال أمنه أنفسهم، بل للإيحاء بأن هذا أفظع ما يحدث خلف الأسوار . وما الذي يحدث في الصور غير سحل سجين مغمى عليه على الدرج، أو تكالب العسكر على ضرب سجين، أو تخطي رجل دين فوق سجين ملقى على الأرضية من دون اكتراث. كل ذلك على فظاعته ليس شيئاً؛ يعرف من عاش في ظلّ تلك الأنظمة، ومن سمع شهادات شخصية عمّا يحدث في الأقبية، أن المخفي أفظع وأدق رقبة. وهذا معنى أن يعلّق سجناء إيرانيون سابقون بأن ما يحدث في الواقع لا يمكن مقارنته مع الصور المتسربة.
تالياً اعتذر رئيس مصلحة السجون الإيرانية، رأينا صوره في الأخبار مع ضحكة شبرين، كأي كائن طبيعي، قال: “أتحمّل المسؤولية عن هذا السلوك غير المقبول، وأتعهد بمحاولة منع تكرار هذه الأحداث والتعامل بجدية مع المخالفين” .
“سلوك غير مقبول”، “أتعهد بمحاولة” ، ومجرد “مخالفين” ! يعني ولا في الأفلام، كأنك تشاهد فيلماً هوليودياً عن شرطي نزيه أو ناشط حقوقي يثور على نظام سجن فاسد وظالم في أطراف الولايات المتحدة!
لكن الأخبار ما زالت متداولة عن” لجان الموت” التي شارك فيها الرئيس الإيراني الحالي، وعن “السجناء السياسيين الذين تعرضوا للتعذيب والرجم بالحجارة والاغتصاب والرمي من المنحدرات والإعدام الجماعي” ، وهو سلوك لا شيء يوحي بأنه توقف في إيران، فبعد “الثورة الخضراء” سمعنا قصصاً وشهادات مروعة أيضاً، وإذا أردنا طريقة للتعرف على أساليب التعذيب الإيرانية ما علينا إلا أن ننظر في تجربة الربيب، الأخ الأصغر، في سوريا لنعرف ما الذي يجري هناك، وأي أساليب تعذيب وترويع وقنص تعلّمها النظام.
هذه الفيديوهات ليست سوى ذرّ رماد في العيون، محاولة كي لا نرى أبعد مما يجري على درج السجن، أو في مدخله.
نصائح للاجئين الأفغان
فيما يستعد العالم لاستقبال موجات جديدة من اللاجئين الأفغان، تبث “بي بي سي” فيديو بعنوان “نصائح عائلة سورية في ويلز للاجئين الأفغان”، وفيه يظهر أطفال سوريون يتحدثون عن جمال العالم والناس والأصدقاء الجدد هنا، كما يأمل سوري أن يتمكن من “تقديم أي مساعدة أي شخص يسعى لحياة جديدة” ، في المملكة المتحدة.
العائلة السورية شهدت رعباً مضاعفاً؛ رعب الحياة في بلدها سوريا، ومن ثم فظاعة العيش في مخيم للاجئين في لبنان، ولذلك هم أكثر من يستطيع تقدير أحوال اللاجئين الجدد.
لا تنتهي هذه الدوامة أبداً؛ يهجّ السوريون ليتلقوا رسائل مطولة من إخوتهم الفلسطينيين تتحدث من تجربة سبعين عاماً من اللجوء المكرر، عن إقامة مديدة في الأمكنة العابرة. يهجّ أفغان وعراقيون ولبنانيون فيجد الجديد فيهم أخاً سابقاً يتفهّم عذاباته.
ربما ليس هناك أدق من القول إننا، العالم كله، جميعاً لاجئون. هذه هي السمة الأكيدة، الثابتة ما دام الظلم قائماً في الأرض.
وسوم: العدد 944