وعد بلفور في مخيال طفل في السابعة ... الثاني من تشرين الثاني 1917 ..
الحكومة البريطانية وذهب آل روتشيلد
كان التقليد في سورية التي أعرف، أن تخصص الحصة الأولى في اليوم الثاني من تشرين الثاني، لتعريف بقضية فلسطين، وتذكير التلاميذ بذكرى وعد بلفور، الذي ما زلنا نأمل في حركة تنوير الشعوب أن تقدم بريطانيا العظمى اعتذارها عنها. وأن تسحب مفاعيله كمؤسس للسياسات البريطانية في شرقنا العربي والإسلامي.
تعودت ألسنتنا دائما أن تصف وعد بلفور "المشؤوم" ،وتعودنا أن نقول فيه "وعد من لا يملك لمن لا يستحق" .وحقيقة الوعد: تتجسد في الرسالة التي أرسلها وزير الخارجية البريطاني "آرثر جيمس بلفور،" إلى اللورد اليهودي "ليونيل والتر دي روتشيلد" يعد فيها بتعاطف وتعاون الحكومة البريطانية مع مشروع إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين..لا يخفى أن ثراء آل روتشيلد وحاجة الحكومة البريطانية إلى الدعم المالي، كان جزء من هذه الصفقة.
ربما من المفيد أن أذكركم في السياق أيضا، أن الدول العثمانية كانت في أحلك ظروفها الاقتصادية، عندما عرض ذهب آل روتشيلد على السلطان عبد الحميد، 150 مليون جنيه ذهبي قبل عشر سنوات تقريبا .. مقابل غض النظر عن الهجرة وتسهيلات أخرى .. ومع الحاجة وضرورات البطون الخاوية .. أبى . قالت العرب ليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة. هذه ذكري على الطريق..
صبيحة يوم الثاني من تشرين الثاني سنة 1954
دخل علينا الأستاذ عبد القادر كيلارجي رحمه الله تعالى، ونحن تلاميذ في الصف الأول، في مدرسة " المثنى بن حارثة" في حمزة بيك. وحدثنا عن فلسطين، وكانت فلسطين في كل قلب وعلى كل لسان - وما زالت إن شاء الله- كنا ونحن في الخامسة والسادسة في " الكتّاب" يعني عند "الشيخ" نردد
جينلك يا فلسطين جينــــــــــــالك
جينالك لنشيل حمالك جينالك
كان تصورنا عن اليهود منسجما كثيرا مع الصورة المطبوعة في كتابنا المدرسي، في الجزء الثاني منه .. أقراني في العمر يتذكرونها جيدا، وقد كتب تحتها : وسأستعمل النقاط حتى لا يزعل مارك فأنا أروي تاريخا ثقافيا: ".....أشرارٌ مجرمون احتلوا فلسطين وطردوا أهلها منها، ونحن أطفال العرب سندافع عن فلسطين، عاشت بلادي ..عاشت فلسطين، الصورة والعبارة كانت على الصفحة اليسرى من الكتاب لمن نسي.
المهم كانت فلسطين ومأساتها تملأ عقولنا وقلوبنا، ولاسيما وكنا نرى بعض أهلنا الفلسطينيين الذي استضافتهم حلب في "مضافة النيرب" جنوب شرقي حلب.
لاحظوا : في 1948 استقبلنا ضيوفا ، واليوم أصبحنا ضيوفا !! جميلة هي أبيات ابن زيدون :
ما على ظني باسُ ...يجرح الدهر وياسو
وكذا الدهر إذا ما .. عز ناس ذل ناس
طريقة قديمة كنا نسمي بعضنا حين يلوذ العود بقشه، ضيوفا، كما يطلقون علينا اليوم. لم أسمع كلمة مخيم إلا بعدما كبرت، وإنما هي المضافةعلم دال على ذاته.
وأعود بكم حدثنا الأستاذ عبد القادر رحمه الله عن فلسطين، فحدثنا عن أمر لنا عنه بعض التصور. وكان عندنا في ذلك العصر للمرحلة الابتدائية كتيّب صغير يدرس في الصف الخامس. مرحلة الشهادة. وهو مقرر رسمي، وقد قرأته مرارا في كتب إخوتي وأخواتي الأكبر ...نسيت أن أخبركم أنه تم حذف هذا الكتاب من منهاج التعليم في عهد الوحدة، عهد الرئيس جمال عبد الناصر، وكان وزير التربية والتعليم شخصية مصرية اسمه "كمال الدين حسين" لعله من الضباط الأحرار..صحيح أنا أستطرد كثيرا، ولكن مثل هذه المعلومات لا تجدونها في كتاب.
وحذفت العبارة التي حدثتكم عنها والتي تخوفت من أن يعترض عليها مارك، فراعيت "قوانين مجتمعنا" من كتاب الصف الأول، في عهد حزب البعث. وكذلك في العهد نفسه حذفت القضية من كتب ما كنا نسميه "التربية الوطنية" حيث كنا ندرس القضية في أبعاد تاريخية وحقوقية وسياسية، وما صدر بحقها من قرارات عن الأمم المتحدة. كل هذا ونحن في عصر ما سمي "بالهدنة" أي قبل كارثة السابعة والستين.. يوم كنا نعتقد أن في جيشنا ضباط بواسل يخوضون مثل معركة "التوافيق"
وتحدث الأستاذ عن وعد "بلفور"...
كان اسم بلفور بالنسبة إلينا غريبا مخيفا مثيرا لأمور سلبية كثيرة ، لم نتصور أبدا أنه إنسان عادي...
عجمة الاسم ، وتركيبته اللفظية ، ذهبت بنا بعيدا في تصوره، قفز خيالنا الطفولي إلى "سبدلا" الذي كان أهلنا يخوفوننا به حتى ننام، ويقولون "سبدلا بشق الحيط وبدلا " أو إلى " أبو دبي" أبو دبي كان اسمه مخيفا ولكنه لم يكن يخيفنا نحن الصبيان، كانت أختي الصغيرة - رحمها الله تعالى - تخاف منه أكثر .., "أبو دبي بياكل البنت وبخلي الصبي" يا ساتر استر ...
المهم ما يزال لمخيالنا الطفولي ذاك، عن السير آرثر جيمس بلفور أثر ..
جميلة وموحية حكايات الأجداد والجدات والخالات والعمات ...حدثوا أبناءكم وأحفادكم عن السبدلات الحقيقية، وليس الوهمية، لعلهم يتذكرون.
وسوم: العدد 953