بين المقاومة الأوكرانية ... والمقاومة الإسلامية
يفترض بعد ما نراه في الحرب الروسية الأوكرانية أن نعرف:
- أن النزول الروسي للشام لإخماد ثورتها كان باتفاق أمريكي ومباركة من سيد البيت الأبيض. فها نحن نرى كيف يفعل الغرب والأمريكان حين يكون النزول الروسي غير مرضي عنه.
أقول هذا، لا لأنه اكتشاف جديد، بل لتثبيت ما كنا نقوله سابقا، وكان يُجادَل فيه.
- أن سائر ما حصل من ردود فعل غربية على بشار أو انقلاب السيسي في مصر أو انقلاب قيس سعيد في تونس أو غيرهم، بل حتى ما حصل من "عقوبات" على بشار أو السيسي = سائر ما حصل ليس إلا ذرًّا للرماد في عيون المغفلين وحدهم، أولئك الذين يستحبون العمى على الهدى، ويؤمنون أن ثمة شيئا في هذا العالم يسمى القانون الدولي أو مواثيق حقوق الإنسان.. على الذين يتحدثون عن المجتمع الدولي أن يشاهدوا بأعينهم ماذا يفعل المجتمع الدولي حين يكون جادًّا في فرض عقوبات على أحد!
لقد كانت سياسة السيسي وبشار وقيس سعيد، وسائر الطغاة العرب، موضع رضا وحفاوة دائما لدى الأمريكان وأذيالهم الغربيين، جمهورييهم وديمقراطييهم، يمينييهم ويسارييهم!
- أن أبطال أمتنا الباسلة هم فخر هذه الإنسانية، فهذا الرئيس الأوكراني -الذي يُصَوَّر الآن على أنه بطل صامد- لم يكن ليجرؤ على استفزاز الروس لولا أنه كان يظنّ أن الغرب في ظهره، فلما تورط في الحرب اكتشف الحقيقة، وهو الآن يعلن غاضبا أنه تُرِك وحيدا مع أن السياسة الغربية تعمل بشكل جاد في فرض عقوبات اقتصادية قاسية!!
أين من هذا رجل كالمُلَّا محمد عمر رحمه الله! كان وحيدا منذ اللحظة الأولى، في وجه العالم كله، ومع ذلك فلم يستسلم ولم يتوانَ ولم يضعف!!
وأين هذا من أسلافه الذين قاتلوا الروس يوم كانوا "الاتحاد السوفيتي" العملاق، وثاني قوتين عالميتيْن ينفردان بالعالم، فيحكمان فيه كما شاؤوا؟!
أين هذا من رجال مثل جوهر دوداييف وأصلان مسخادوف وشامل باسييف والقائد خطاب، أولئك الذين قاتلو ا الروس سنين طويلة فلم يكن لهم دعم لا من الغرب ولا من الشرق ولا من الشمال ولا من الجنوب!! وظلوا على العهد ينقضون من بين الجبال والأدغال كالموت الصاعق على الروس؟!
بل أين هذا من أصغر رجل نفر إلى الشام، فألقى بنفسه في ثورة عُرِفت باسم "الثورة اليتيمة" التي لا ناصر لها، وأهلك نفسه في مهوى حرب يعرف فيها حقا ويقينا صدق شعار الشاميين القائل "ما لنا غيرك يا الله"؟!!
لئن نسيتُ فلستُ أنسى ما كتبته كونداليزا رايس -الخبيرة السابقة في شؤون الاتحاد السوفيتي- في مذكراتها عن انهمار اتصالات رؤساء الدول بعد أحداث 11 سبتمبر، كان بوتين في طليعة المتصلين، عرض على بوش من فوره أي مساعدة يمكن أن تقوم بها روسيا في دعم الولايات المتحدة!!
تأمل يا أيها القارئ: زعيم روسيا وسليل الاتحاد السوفيتي يعرض على الأمريكان مساعدته ضد الأفغان الفقراء البسطاء، وثلة من المقاتلين الذين يسكنون الجبال!!!
ساعتئذ قالت كونداليزا رايس: "الآن انتهت الحرب الباردة"!
لقد رأت في هذا الاتصال خضوعا نهائيا من عدوهم اللدود!!
فتأمل!! كيف كان بوتين يسارع معلنا طاعته وخضوعه خوفا من الوحش الأمريكي الجريح! وكيف كان نظيره في بلاد الجدب والقحط والجبال -الملا عمر- يقول: قد وعدنا الله بالنصر، ووعدنا بوش بالهزيمة، فسنرى أيهما أصدق وعدا!!
ولئن نسيتُ فلستُ أنسى ما كتبته روبرت جيتس، وزير الدفاع الأمريكي أيام بوش الابن وأوباما، ومدير المخابرات الأمريكية أيام بوش الأب، في مذكراته "الواجب".. لقد ذكر أن انفراد الأمريكان بالعالم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وغطرستهم وإملاءاتهم قد أثار سخط العالم كله، ولذلك فرح العالم كله -سرا أو جهرا- بما وقع للأمريكان في سبتمبر.
ساعتها قلتُ في نفسي: تأمل، كيف أن هذا العالم الساخط كله، لم يتحرك فيه أحد لكسر الهيمنة الأمريكية إلا ثلة من المطاردين المنبوذين الذين لفظتهم بلادهم عنها؟!!
إن الطاقة النفسية التي تنطوي عليها نفوس المسلمين، مع ما هم فيه من انهيار ميزان القوى، تبدو أكثر بريقا ولمعانا وتألقا حين نرى حربا مثل الحرب الروسية الأوكرانية.. إننا نقاوم في ظروف مستحيلة!! ومع ذلك فإنجازنا في هذه الظروف لا يقارن في عظمته بإنجاز آخرين!!
يبشرنا هذا كله بفرج قريب وفتح قريب ونصر قريب.. فنحن الذين أخبرنا ربنا أننا خير أمة أخرجت للناس! ونحن أتباع نبي نصره الله بالرعب مسيرة شهر! ونحن أحفاد الذين قلبوا الدنيا في غمضة عين فأزالوا العروش العريقة.. نعم، نحن أحفاد أبي بكر وعمر وأبي عبيدة وخالد وسعد وعمرو والقعقاع!!
فينا قال الشاعر:
يا سيد الرسل طب نفساً بطائفة
باعوا إلى الله أرواحاً وأبدانا
أعطوا ضريبتهم للدين من دمهم
والناس تزعم نصر الدين مجانا
أعطوا ضريبتهم صبراً على محن
صاغت بلالاً وعمّـاراً وسلمانا
عاشوا على الحب أفواهاً وأفئدةً
باتوا على البؤس والنعماء إخوانا
الله يعرفهم أنصار دعوته
والناس تعرفهم للخير أعوانا
والليل يعرفهم عُباد هجعته
والحرب تعرفهم في الروع فرسانا
وسوم: العدد 970