اللعب بورقة اللاجئين دليل إفلاس قيمي وبرامجي

اللعب بورقة اللاجئين دليل إفلاس قيمي وبرامجي

ماكرون ولوبان والانتخابات الفرنسية بعد أيام..أنموذجا

تعلن المنتظمات السياسية، حكومة ومعارضة، إفلاسها العملي، عندما تجد نفسها عاجزة عن تقديم برامج ووعود حيوية حقيقية للمواطنين في أي بلد، إما لعقمها الفكري أو العملي. فتتركز في قضايا جانبية تنعش بطرحها في الإنسان تسفله ودونيته، وتستثير أسوأ ما فيه من الكبر وحب الاستئثار. ورفض الخير والعون للمحتاج..

لا يجد رئيسا عقيما مثل ماكرون، ولا منافسة عاقرا مثل ماري لوبان، ورقة برامجية حقيقية يلعبان عليها في برامجهما السياسية مثل ورقة المستضعفين من اللاجئين والأقليات، الذين لا ذوا بأطراف مجتمعات ظنوا أن يجدوا على ضفافها أمنا وأمانا واستقرارا. وأسوء الظن الذي نكتشف أنه كان إثما في أسوأ اللحظات..

تنظر في البرامج الانتخابية للحاكم وظله المعارض، فلا تكاد تسمع، لهؤلاء المستضعفين الذين ظنوا في فرنسة الدولة وفرنسة الشعب وفرنسة التاريخ وفرنسة الثورة التي غيرت وجه التاريخ، وفرنسة الحرية وفرنسة الإنسانية كلمة عزاء ومواساة ووعد حسن يتقدم به إنسان لأخيه ولو كوعد انتخابي عابر. وما أكثر الوعود الانتخابية التي لا يتحقق منها شيء. على لسان ماكرون ورجال حزبه، كما على لسان ماري لوبان وأمناء الجبهة الوطنية، كل مشاكل فرنسة الفرنسيين محصورة في هؤلاء اللاجئين، الذين استهلكوا أوكسجين الشوارع الفرنسية، والغابات الفرنسية، أو امرأة محجبة تمشي على اليمين الأقصى للرصيف. حال اللاجئين من كل الجنسيات، والسوريين منهم بشكل خاص، مع الإنذارات المتلاحقة كزخ الرصاص على العقول والقلوب والآمال آمال الأطفال الملتصقين بوالديهم لا تكاد تهدا، زخة عند الصباح، وأخرى عند المساء، وثالثة- أبريه ميدي- يتناوب على هذه الزخات النائحة من زمرة ماكرون، والردادة من زمرة ماري لوبان..

لجرير الشاعر العربي المشهور، بيت من الشعر المعبر ببذاءة عن حالة كانت مفترضة فأصبحت حقيقة واقعة، ما ظننت منذ حفظته، أنه يمكنني أن أستشهد به يوما. ولكن ما آل إليه وضع اللاجئين بين ماكرون ولوبان، والناس كلهم ماكرون ولوبان إذا شبعوا.. يجعلني أرى هذا البيت يحاصر أصحابه، ويصف حالهم بشفافية بالغة. ومع أن البيت قد قيل في قبيلة عربية كريمة عتيدة ظلما، إلا أن جريرا ربما قاله لليوم الذي نحن فيه، يوم قال..

والتغلبي إذا تنحنح للقرى ..حك استه وتمثل الأمثالا

وهكذا أصبحنا نجد أن كل واحد من جماعة ماكرون أو من جماعة لوبان، كلما حك استه - والعهدة على جرير، أطلق زخة من الرصاص على هذه الفئة من البشر التي كتب عليها النظام العالمي كله التهجير والتعتير.

مات الذين (يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا) والرئيس ماكرون عندما أراد أن يفاخر العالم بأصالة الفرنسيين في بلادهم تباهى بألف عام هي عمر قبائل الغال التي استوطنت فرنسة!! وكأنها في عمر الزمن الأمس.

اللاجئون من كل جنس وعلى كل أرض لا ينازعون شعبا على أرضه. واللاجئ بالمفهوم الاقتصادي المحض للذين يقرؤون الاقتصاد، كما يشكلون عبءً يقدمون فرصة. وحين يقوم علماء صادقون بتحليل انعكاس حركات التبادل السكاني، ربما سيجد الدارسون أن المجتمعات التي تستضيف اللاجئين تستضيف طاقات وإمكانات. وأول رغيف خبز يأكله لاجئ من كده، يشغّل به صاحب المخبز الذي باعه إياه. يدعون العلمانية الكاذبة، وحتى الدراسات العلمية يزيفونها.

كم كانت امرأة برة السيدة ميركل الألمانية عندما أنفت -من الأنفة- أن تجعل ورقة اللاجئين، مادة للمساومة في برنامج انتخابات!! أبت أن تنحط بالشعب الجرماني إلى هذا الدرك!! هل صدق نيتشة!!

ثم إنها لدلالة بالغة السوء عن شعب مثل الشعب الفرنسي "العظيم!!" أن يضيق صدره بإنسان متعب وجد على ضفاف موطنه محطة للاستراحة والتقاط الأنفاس...

أقول للرئيس ماكرون وأركان حزبه..وأقول للسيدة لوبان التي كانت يوم كانت محامية تترزق من الدفاع عن قضايا اللاجئين

عندما تطلقون رصاصات حية مسمومة قاتلة خارقة حارقة تذكروا أنكم تطلقون على لحم حي بين جنابته عقول وقلوب..

كانت سورية مثلا فقط ثلاثة ملايين نسمة فقط، عندما استقبلت في أوائل القرن الماضي ضحايا الفتنة التركية - الأرمنية. . عشت عمري في بلدي، والأرمن ضيوف وأهل بلد حيويون ونشيطون لم أسمع من إنسان مهما كانت ثقافته وطبقته وانتماؤه يقول: الأرمن أكلوا البلد!! النسبة العددية إلى الثلاثة ملايين أكبر من أي نسبة يحسبها شعب في العالم. هذا كلام يعيب كل من يقوله ومن يسمعه أيضا، ومن يتخذ قراره بالتصويت على أساسه..

أزمة المسلمين واللاجئين في فرنسا بعد ثلاثة أيام أنهم بين اختيار ماكرون أو اختيار ماري لوبان.. أي بين شهاب الدين وأخيه..

اللهم لا ينقضي رمضان إلا وقد قصمت عمر الظالم الفاسد المفسد، وسهلت للسوريين عودة إلى بلادهم غير خزايا ولا نادمين..

لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها .. ولكن أخلاق الرجال تضيق

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 977