هل سنتعلم من درس المونديال كيف نتحرر من عقدة الشعور بتفوق الآخر علينا
هل سنتعلم من درس المونديال كيف نتحرر من عقدة الشعور بتفوق الآخر علينا في ميادين أخرى غير ميدان الرياضة ؟؟؟
لقد فاز فريقنا الوطني فوزا مستحقا اضطرت الفرق التي قابلها، وهي من هي تصنيفا في سلم الفرق القوية إلى الاعتراف به ، وفرحنا جميعا بما حققه من نتائج فرحا كبيرا ، ولا زلنا متعلقين بأمل كبير في تحقيقه المزيد من النتائج، ولم لا يكون فوزه بكأس ليست بالأمر المستحيل كما زرعت ذلك في نفوسنا عقدة الشعور بتفوق الآخر علينا في الميدان الرياضي كما في ميادين أخرى ، ذلك الآخر الذي لا يمكننا حسب تلك العقدة التعلق بغباره ،وقد ابتعد عنا أشواطا بعيدة في مجال التطور والرقي.
ولقد شد مونديال قطر إليه الانتباه ، وكثرت عنه الأحاديث ، واعتبره بعضهم حدثا فوق العادة لعدة أسباب أولها أنه حطم عرف تنظيمه الذي كان حكرا على غير بلاد الوطن العربي، علما بأن قطر لم تفز بفرصة تنظيمه إلا بعد تخطي عدة عراقيل وضعت في طريقها من طرف جهات لم تستسغ ذلك ، وشككت في مصداقية فوزها بالتنظيم لأن عقلية الاستكبار المهيمنة عليها فكرا وسلوكا كانت تعتبر تنظيم المونديال في البلاد العربية أمرا مستبعدا بل مستحيلا .
ولقد أحدثت دولة قطر لتلك الجهات صدمة لم تكن في حسبانها برفعها سقف حسن تنظيم هذه التظاهرة الرياضية العالمية إلى مستوى غير مسبوق، وغير متوقع بل حقق رقما قياسيا دون تحطيمه ما دونه من تحديات ، ولربما سجل التاريخ أنه أول وآخر مونديال من حيث حسن التنظيم في العالم .
ولم يكن حسن تنظيم هذا المونديال في دولة قطر هو الصدمة الوحيدة بالنسبة لمن اعترضوا على تنظيمه فيها بل صدموا أيضا بفرضها احترام قيمها الدينية والأخلاقية ، فجن بذلك جنونهم، وقد أصيبوا في كبريائهم، فلم يجدوا من سبيل للنيل من سمعة البلد المنظم سوى التلويح بملف القذارة المثلية، وقد أرادوا اغتنام فرصة أكبر تظاهرة رياضية عالمية تتابعها ساكنة المعمور لتسويقها وإضفاء المشروعية عليها لأنها من مميزات دول الاستكبار العالمي التي لا يجب في نظرها أن تدان أو تحظر أو تعتبر معرة لأنها بالنسبة إليها معيار تحضّر على كل دول العالم الاقتداء به، واحترامه، والسعي إلى اعتماده لدخول دائرة التحضر وإلا ظلت حبيسة دائرة التخلف . ومن سوء الطالع بالنسبة لمن راهنوا على تسويق ملف القذارة المثلية في قطر أن فرقهم الرياضية التي كانت مرشحة لخوض الأطوار النهائية للمونديال غادرت في بداية الأطوار، وقد رد أفرادها أيديهم في أفواههم أسفا على مونديال دون السماح بظهور قوس قزح الذي كان نذير شؤم بالنسبة لهم .
ولما كان الرهان على ملف القذارة المثلية رهانا خاسرا ، راهن الخاسرون على طرح ملف حرمان دولة قطر العمالة الأجنبية فيها من حقوقها ، وجاء الرد عليهم من رئيس الفيفا الذي نصحهم بالصمت لقرون بسبب سمعتهم السيئة في مجال سوء معاملة العمالة الأجنبية عندهم، وكفى بشهادة شاهد منهم شهادة لا ترد، ولا يطعن فيها ، وكفى بالتاريخ شاهدا عليها أيضا.
ومما زاد من حنق منتقدي دولة قطر عليها أنها صححت ما كان عالقا في أذهان رعايا البلاد المستكبرة بأن قيمها هي الأرقى في العالم ، وأنها يجب أن تسود، وتصول وتجول ، فعرفت تلك الرعايا معنى القيم الإسلامية السامية عن قرب وعن معايشة ، وانهارت بذلك خرافة الإسلاموفوبيا، وهو بعبع كانت تخوّف به.
ولنعد الآن إلى قضية كيفية الاستفادة من انتصار فريقنا الوطني ، ووصوله إلى ربع نهاية المونديال دون عقدة الشعور بتفوق الفرق التي كان يقابلها، وينتصر عليها، وهي التي كان يحسب لها ألف حساب عند أقوى الفرق كي نتخطى ونتحرر من عقدة الشعور بتفوق الآخر علينا في ميادين أخرى غير ميدان الرياضة . ومن يدري قد تكون بداية هذا التحرر من المجال الرياضي إلى مجالات أخرى نحن في أمس الحاجة إلى التفوق فيها وقد صارت أجيالنا تولد بعقدة تفوق الأغيار علينا فيها واعتبار ذلك قدرا مقدورا ، وقد وقر في وجداننا أنه من المستحيل مجرد الحلم باللحاق بهم أو حتى مجرد التعلق بغبارهم .
ولقد عرفنا جميعا كيف تم تحطيم عقدة تفوق الأغيارعلينا في المجال الرياضي ، ولم يكن ذلك مجرد حماس يرافقه شعور بالتحدي بل كان مسبوقا أولا بالتحرر من عقدة فقدان الثقة في المدربين من أبناء وطننا ، وهي عقدة كلفتنا أموالا طائلة كانت تدفع لمدربين أجانب يأخذونها ، ولا يعطوننا شيئا ، ولا شك أنهم كانوا يخدعوننا ، ويكيدون لنا كيدا ونحن غافلون ، ويسوقون لنا أحلاما ، ويتناوبون على ذلك الواحد تلو الآخر ، والمسؤولون عندنا يستسيغون فشلهم في تدريب فريقنا ويقبلونه ،مع أنهم كانوا لا يقبلون ذلك من مدرب مغربي . ولم تكن استعادة الثقة في مدرب وطني هي العامل الوحيد لكسر عقدة الشعور بتفوق الآخر بل كانت هناك عناصر فريقنا التي تمرست باللعب ضمن فرق الغير، واكتسبت بذلك خبرة ومهارة ، وعرفت مكامن القوة عندها ، وذلك فوق ميادينها وحطمت عقدة الشعور بتفوقها عليها ، وطرحت جانبا فكرة التخلف عن مجاراتها واعتباره قدرا مقدورا ، وبذلك كسبت رهان الثقة في النفس . وعلينا أن نتذكر كم هي مواهبنا الكروية التي تصنع مجد غيرنا ،ولما اجتمع بعضهم في فريقنا صنعوا له مجدا بين فرق يحسب لها ألف حساب .
إن التحرر من عقدة تفوق الغير علينا في كل الميادين أو المجالات غير الميدان أو المجال الرياضي ،يقتضي منا أن نرفق الحماس بإرادة حقيقية قوامها الرهان على الكفاءات والقطيعة مع المحابات والمحسوبيات .... ، والأخذ بالأسباب مع الجد والمثابرة، وتخطي الصعاب والمثبطات، وما أكثرها في ذهنية بالية موروثة.
إن الأرحام التي أنجبت أفراد فريقنا الوطني قد أنجبت أيضا علماء وخبراء في كل المجالات وقد تمرسوا في شتى الميادين والمجالات تماما كما تمرس أفراد فريقنا الكروي في بلاد الأغيارعلى اتقان لعبة كرة القدم ، و إنهم لقادرون على تحقيق مثل ما تحقق في المجال الرياضي، فهل ستوجد إرادة صادقة لدى مسؤولينا على رفع هذا التحدي، وتخليصنا نهائيا من عقدة الشعور بتفوق الغير علينا أم أننا سنبقى أسرى التبعية له وتقليده في توافه الأمور ؟؟؟ وهل سيأتي يوم يطلب من كل أبنائنا من علماء وخبراء في كل الميادين لعقد مؤتمر وطني في بلادنا ،وتمكينهم من أخذ زمام المبادرة لنقل وطننا الحبيب من وضعه الحالي إلى وضع البلاد المتقدمة والمستأثرة بالتقدم دوننا ، ويا له من حلم جميل إذا ما تحقق يوما ما .
وأخيرا نقول إننا نريد لكل وطننا العربي الغالي أن تتحرر شعوبه من عقدة الشعور بتفوق الأغيارعلينا ،ولا بد أن يسبق ذلك أن تتصالح فيما بينها ، وقد قال شاعرنا القديم امرؤ القيس ، ولنا في قوله عبرة :
فلو أن ما أسعى لأدنى معيشة كفاني ولم أطلب قليلا من المال
ولكنّما أسعى لمجــــــد مؤثل وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي
وسوم: العدد 1009