مهزلة الانتخابات البرلمانية في تونس تؤكد رفض الشعب التونسي إجهاز الرئيس المستبد بالسلطة على مكتسبات ثورته

لقد كان ثورة الشعب التونسي خلال الربيع العربي ثورة نموذجية بكل المعايير حيث انتفض ضد أعتى نظام ديكتاتوري لم يكن يخطر ببال من سلطوه على رقاب ذلك الشعب الوديع أنه سينهار بين عشية وضحاها ، ويفر رأسه خارج الوطن ليموت ميتة خاسئة كانت عبرة لمن يعتبر من الطغاة .

وبعد أن انجلى الاستبداد عن أرض تونس وشعبها البطل التواق إلى الحرية والانعتاق والحياة الكريمة ،سارع إلى بناء ديمقراطية فتية حقيقية كانت فأل خير بالنسبة لجميع الشعوب العربية  خصوصا تلك التي سارت مسار الشعب التونسي في ثورة ربيعه ، وكانت الانتخابات النزيهة لأول مرة في تونس بعد عقود من المهازل الانتخابية التي كان النظام الشمولي يطبخها على مرأى ومسمع العالم وعلى رأسه دول الغرب المتبجحة بالوصاية على الديمقراطيات في العالم ، وكانت هي أول من يبارك نتائج تلك المهازل الانتخابية التي تخدم مصالحها قبل كل شيء .

ولأول مرة صوت الشعب التونسي على من يمثله في برلمان حقيقي إلا أن النتيجة التي أفرزها هذا التصويت لم ترض أعداء الديمقراطية في الداخل والخارج غربيا وإقليميا ، فبدأ التآمر على هذا البرلمان ، وحركت أصابع خفية ، وإن كان أمرها غير خاف عناصر علمانية مسخرة خارجيا لعرقلة تحرك قطار الديمقراطية  في تونس ، وتم الزج بها في صراع بين اتجاهين على طرفي نقيض اتجاه الإسلاميين، وكانت لهم أغلبية برلمانية ، واتجاه العلمانيين ، وهم اتجاه كان ينعت "بصفر فاصلة " تعبيرا عن نسبة تمثيله الهزيلة  في البرلمان.

 وما لبث الحزب الحاكم الذي خرج من الباب أن عاد إلى السلطة من النافذة خصوصا في ظرف إجهاز العسكر في مصر على المسار الديمقراطي فيها ، وهو ما اعتبره الإسلاميون يومئذ  رسالة تهديد لهم إن هم لم يقبلوا بعودة الحزب الحاكم إلى السلطة من جديد .

وخدع بعد ذلك الشعب التونسي بالتصويت على رئيس من صنع الخارج تقدم  للرئاسة بصفته مسنقلا ، وهو بعيد كل البعد عن هذه الصفة  وقد أعد للرئاسة المستبدة خارجيا ، وقضى بعض الوقت يتحين الفرصة حتى واتته ،فتلقى أمرا خارجيا مكشوفا بالإجهاز على المسار الديمقراطي في تونس على غرار ما وقع في مصر، فحل البرلمان  بعدما أسقط الحصانة عن أعضائه ، وقدّ لبعضهم تهم الفساد ، كما قدّها لنخبة من القضاة  المعارضين لاستبداده ، وغيّر الدستور بعدما طبخه طبخا  معلنا نفسه ديكتاتورا ، وانتهى به الأمر مؤخرا  إلى طبخ انتخابات برلمانية جاءت نتيجتها عاكسة لإرادة الشعب الرافض له ولديكتاتوريته في ظل أوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية فاقت كل سوء كما  كانت في العهد الشمولي . وبنتيجة 8،8 في المائة أراد الرئيس المستبد بالسلطة تكوين برلمانا يمثل شعب تونس ، ولم يخجل من نفسه ، ولم يخجل من يدعمونه إقليميا وغربيا من أنفسهم ، وهو يريد برلمانا مطبوخا لتكريس تشبثه بالسلطة ، وممارسة استبداده على نهج من كانوا قبله من طغاة متسلطين على رقاب التونسيين .

ولقد أكدت نتائج الانتخابات البرلمانية المطبوخة رفض الشعب التونسي إجهاز الرئيس المستبد بالسلطة على مكتسبات ثورته ، وهو ما يعني ضرورة انصراف المستبد إلى حال سبيله قبل أن يطرد ، ويواجه مصير سلفه الفار الذي قضى خاسئا .

إن مهزلة الانتخابات البرلمانية في تونس قد عرّت كل من يدعمون الرئيس المستبد إقليميا وغربيا خصوصا وأن الغرب يتبجح بالوصاية على الديمقراطيات في العالم ، ويدعي الدفاع عنها في الوقت الذي يتعامل مع مستبدين بالحكم يجهزون على الديمقراطيات الفتية في الوطن العربي كما هو الحال في تونس ،ومصر، والجزائر تمثيلا لا حصرا .

إن الشعب التونسي لطيب عرقه وأرومته لن يقبل بالاستبداد أبدا بعدما ذاق طعم الديمقراطية الحقة  ، وعلى جيش تونس أن يظل وفيا لإرادة شعبه الذي يعول عليه في الرجوع بالبلاد إلى المسار الديمقراطي مسجلا بذلك شرفا عظيما في سجل التاريخ وإلا فإنه سيعتبر أداة طيعة في يد الاستبداد الممول والمؤيد من الخارج إقليميا ، وغربيا .

وفي الأخير نتمنى للشعب التونسي  العظيم عزة وكرامة ، وتحررا من الاستبداد والظلم ، كما نتمنى له حياة كريمة في ظل ديمقراطية لا تغيب شمسها عن وطنه أبدا . وعلى هذا الشعب العظيم أن يتذكر فلسفة وشعار شاعره العظيم أبو القاسم الشابي القائل:

إذا الشعب يوما أراد الحياة       فلا بد أن يستجيب القدر

ولا بد لليل أن ينجلــــــــي       ولا بد للقيد أن ينكســــر

قال هذا وتونس تحت نير الاحتلال الفرنسي البغيض ، فكان ما أراده الشعب التونسي ، واليوم لقد قال  هذا الشعب كلمته من خلال مقاطعة شاملة لمهزلة الانتخابات البرلمانية ، وسيستجيب له القدر حتما خصوصا وأن أصابع محتل الأمس لا زالت لها بصمات مكشوفة فيما يعاني منه. عاش الشعب التونسي كريما ، وعاشت تونس ديمقراطية رائدة في الوطن العربي .

وسوم: العدد 1011