عندما يعيد التّاريخ نفسه
يقول كارل ماركس:" إنّ التّاريخ يعيد نفسه مرّتين، مرّة على شكل مأساة، ومرّة على شكل مهزلة." أمّا جدّي وجدّه وجدّ جدّه-رحمهم الله- فقد قالوا:" ما بتقطّش من ذنيه الثنتين إلّا الحمار."
ويبدو أنّنا نحن العرب في تاريخنا المعاصر لم نتّعظ من حكمة أجدادنا، ولا من مقولة ماركس، والأمثلة على ذلك كثيرة جدّا، يعرفها القاصي والدّاني، وسآخذ على ذلك مثالا كنت وأبناء جيلي ومن يكبروننا عمرا شهداء عليه، وعاش مآسيه أبناؤنا وأحفادنا وستعيشه الأجيال القادمة أيضا إن لم نتغيّر وإن لم نتّعظ من التّاريخ.
بعد هزيمة حرب حزيران عام 1967 والتي سمّاها المرحوم محمد حسنين هيكل "نكسة"، وتلقّفها العرب قادة وشعوبا وإعلاما وأحزابا، أصدرت الأحزاب "الطّليعيّة" في العالم العربيّ، ومنها الأراضي الفلسطينيّة وهي: حركة القوميّين العرب، الحزب الشّيوعي الأردنيّ، وحزب البعث العربيّ الإشتراكيّ، وجاء فيه أنّنا "قد انتصرنا في تلك الحرب العدوانيّة، لأنّ العدوّ الإسرائيليّ لم يستطع إسقاط النّظامين التّقدّميّين في مصر وسوريا، ولم يستطع هدم الكيان الأردنيّ!"، وكأنّ وقوع ما تبقّى من فلسطين "الضّفة الغربيّة وقطاع غزّة"، ومرتفعات الجولان السّوريّة وسيناء المصريّة، ومزارع شبعا اللبنانيّة تحت الاحتلال لا يساوي شيئا أمام بقاء نظامين عربيّين في الحكم! وحتّى يومنا هذا لا أعرف ما المقصود "بالكيان الأردنيّ"، ولا أعلم إن كان هذا التّعبير يعني مدحا أم قدحا للأردنّ الشّقيق. وكذلك الحال بالنّسبة لعشرات آلاف الشّهداء والجرحى والأسرى، ومئات آلاف المشرّدين من ديارهم، ومآسي الملايين الذين وقعوا تحت احتلال أهلك البشر والشّجر والحجر، فلم يكونوا في الحسبان أيضا!
وتتكرّر المأساة عند انقلاب حركة حماس في قطاع غزّة منذ العام 2007، وفصل القطاع عن الضّفّة الغربيّة، وإقامة "إمارة غزّة الإسلاميّة" بقرار من القيادة العالميّة لحركة الإخوان المسلمين، رغم أنّ قطاع غزّة "المحرّر" محاصر برّا وبحرا وجوّا، ومساحته أقلّ من 400 كيلومتر يسكنه حوالي مليون فلسطينيّ، أي أكثر المناطق في العالم اكتظاظا بالسّكّان، ولا يوجد فيه مقوّمات إقتصاديّة توفّر العيش الكريم لمواطنيه، وبغضّ النّظر عن الخلافات بين حركتي فتح وحماس إلّا أنّ الضّحيّة هو فلسطين الوطن، والشّعب الفلسطينيّ.
ووجه المقارنة بين بيان "الأحزاب الوطنيّة" بعد هزيمة حزيران 1967، وموقف حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزّة، فإنّ حماس "المنتصرة والمسيطرة على قطاع غزّة" لم تأخذ بعين الإعتبار معاناة مليوني مواطن في القطاع، حتّى بات غالبيّتهم يعانون من البطالة والفقر المدقع، ونقص في الأدويّة والرّعاية الصّحّيّة، ولولا المعونات الغذائيّة التي تقدّمها منظّمات وجهات دوليّة لفتك الجوع والأمراض بمئات آلاف المواطنين، ومن المحزن أن تصدر بيانات تفيد بأن حوالي 41% من تلاميذ المدارس في قطاع غزّة يذهبون إلى مدارسهم دون أن يتناولوا وجبة الفطور لعدم وجود ما يأكلونه في بيوتهم. ويحضرني هنا ما قاله المرحوم علي صبري أحد رموز اليسار النّاصريّ في مصر، والذي اعتقله مع آخرين عام 1917 نظام السّادات فيما سمّاه ثورة التّصحيح، وأفرجوا عنه بعد عشر سنوات قبل وفاته بعدّة أشهر لإصابته بالسّرطان؛ ليموت خارج السّجن، وأجاب على سؤال من أحد الصّحفيّين وهو: هل ستلغون اتّفاقات كامب ديفيد إذا عدتم إلى الحكم؟ فردّ بأنّ هذا السّؤال لا يجاب عليه بنعم أو لا، لأنّ السّادات بسياسة الإنفتاح دمّر الإقتصاد المصري، وأعطى مثالا على ذلك، بأنّ 70% من الشّعب المصريّ يعيشون على خبز الذّرة، وأنّ مزارع الدّواجن تعيش على الذّرة المستوردة من أمريكا، بعد تدمير القطاع الزّراعي في مصر، وأوّل ما يهمّ المواطن هو أن يجد ما يأكله وما يطعمه لأطفاله، وعندما نوفّر موارد رزق للمواطن سنتّخذ قراراتنا السّياسيّة. والحديث يطول.
وسوم: العدد 1012