كان الأجدر بالأستاذة الجامعية التي رصدت ما سمته "ّشيطنة" فتاوى فقهية للمرأة المغربية خلال فترة الاحتلال الفرنسي أن ترصد شيطنة هذا الأخيرلها
كان الأجدر بالأستاذة الجامعية التي رصدت ما سمته "ّشيطنة" فتاوى فقهية للمرأة المغربية خلال فترة الاحتلال الفرنسي أن ترصد شيطنة هذا الأخيرلها
نشر موقع هسبريس مقالا تحت عنوان : " جامعية ترصد " شيطنة " فتاوى فقهية للمرأة المغربية خلال فترة الحماية " جاء فيه أن أستاذة جامعية تخصصها التاريخ قدمت عرضا خلال ندوة نظمتها مؤسسة علال الفاسي حول موضوع : " التمثلات المجتمعية حول المرأة وعلاقة ذلك بدورها في التنمية " . ومما جاء في عرضها كما قدمه صاحب المقال أن معظم النخبة الدينية في فترة الاحتلال الفرنسي للمغرب نهلت من تراث فقهي شيطن المرأة، واعتبرها مصدرا للفتنة والإغراء وحذر منها ، ولم تستثن من هذه النخبة إلا قلة ممن كانوا يعترضون على هذه الفتوى ، ويعتبرونها نقطة سوداء في جبين الشريعة .
والغريب أن عرض الأستاذة الجامعية كما لخصه صاحب المقال، لم يشر مجرد إشارة إلى الاحتلال الفرنسي البغيض خصوصا وأن المدة الزمنية التي تم فيها رصدها لما سمته " شيطنة " هي ما بين سنة 1912 وسنة 1956 .
ولمناقشة هذا العرض المختزل في مقال ، نشير بداية إلى أن الفتوى الفقهية عبر تاريخ المغرب لم تكن في حكم السائبة يمارسها كل من هب ودب بل كان لها حراس من علماء راسخة أقدامهم في علوم الدين ، وخير شاهد على ذلك مؤلفاتهم التي لا زالت مصادر ومراجع لكل من يمارس الفتوى الفقهية . ولا يمكن أن تكون فترة الاحتلال فترة نشاز فقهي خصوصا وأن أهل الفتوى من الفقهاء كانوا في طليعة مواجهة المحتل ، ومن ثم لا وجود لتراث فقهي شيطن المرأة على حد زعم صاحبة العرض كما نقله صاحب المقال، علما بأن هذا التراث لا يمكن أن يتجاوز النصوص المقدسة قرآنا كريما، وسنة نبوية مشرفة ،وهما المصدران المعتمدان في كل الفتاوى الفقهية مهما كانت .
وعندما نعود إلى موضوع المرأة في كتاب الله عز وجل نجد أن الخالق سبحانه وتعالى قد صان العلاقة السوية بين المرأة والرجل، وضبطها ضبطا لا مجال فيه لحديث عن شيطنة ، فهو يخاطب الرجل والمرأة على حد سواء لمنع هذه الشيطنة بقوله جل من قائل مخاطبا رسوله الكريم بأمر للتنفيذ : (( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن )) ، وبعد ذكر محارم النساء الذين لا حرج في إبداء الزينة لهم عقب بالقول سبحانه وتعالى : (( وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون )) ، وهذا التعقيب شامل للمؤمنين رجالا ونساء على حد سواء ، والمقصود بالتوبة هنا هو التزام ما أمر به الله عز وجل الجميع من غض للأبصار، وحفظ للفروج دون أن يكون القصد من ذلك شيطنة طرف أو آخر ، ولا يمكن اعتبار ما أمر به الله تعالى النساء من إخفاء زينتهن على غير محارمهن، وضربهن الخمر على جيوبهن شيطنة لهن ، ومن يقول بذلك تصريحا أو تلميحا أو اعتقادا أو ظنا ، فإنه يقع في سوء الأدب مع كلام الله تعالى، وعليه أن يراجع إيمانه إن كان مؤمنا ، كما أن كل من يبلغ هذا الأمر الإلهي لا يمكن أن يتهم بشيطنة المرأة ،لأن الله تعالى إنما أراد به أن يصون أعراض وكرامة المؤمنين رجالا ونساء ، ذلك أن إطلاق الرجال والنساء للأبصار في أجساد بعضهم البعض، لا يؤمن منه الوقوع في المحظور الذي ينتهي بالوقوع في فاحشة الزنى ، وهي تبدأ بالأبصار، وتنتهي بالفروج . وهنا لا بد من تفنيد من يزعمون أنهم لا يغضون من أبصارهم ، ومع ذلك لا تتحرك أو تستفز غرائزهم الجنسية وهي من أقوى الغرائز البشرية والعصية على الكبح إلا باتباع ما أمر الله به الله تعالى ، والزاعمون ذلك يكونون إما كاذبون أو معطلة غرائزهم، وعليهم أن يزوروا أطباء ، كما قال أحد العلماء لأحد هؤلاء الزاعمين هذا الزعم .
وإذا ما عدنا إلى الحديث الشريف وهو ثاني مصدر للتشريع ،نجد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء " ، وهو حديث متفق عليه ، ولا يمكن أن يزعم زاعم أن في هذا الحديث شيطنة للمرأة ، ومن زعم ذلك كان مسيئا للأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو حديث منسجم تماما مع الآية الكريمة الآمرة بغض الأبصار وحفظ الفروج ، وهو حديث يؤكده الواقع في كل زمان ومكان ، ذلك أن الرجال حيثما وجدوا يفتنون بالنساء ، ولئن كان العكس يقع أيضا ، فإن طبيعة الرجال تجعلهم ينجذبون أكثر إلى النساء ، وهم أكثر جرأة على ذلك من النساء حسب الأعراف والتقاليد والثقافات ، وإلا ففيما ذكر الله تعالى في سورة يوسف كفاية لتساوي الرجال والنساء في الافتتان ببعضهم البعض ، ولم يقل الله عز وجل وهو يأمر الرجال بغض أبصارهم : (( ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون )) إلا إشارة إلى ما يصنعه الرجال حين تقع أبصارهم على مفاتن النساء ، وهو تذييل لم يلحق أمره تعالى النساء بغض أبصارهن والحديث الشريف حذر الرجال من أن يصدر منهم ذلك الانجذاب مخافة الوقوع في فتنة تنال من دينهم إن هم لم يلتزموا بما أمر به الله تعالى من غض للأبصار وحفظ للفروج .
أما حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رواه الأئمة مسلم ، وأبو داوود ، وأحمد، والترمذي ،والذي جاء فيه : " إن المرأة تقبل في صورة شيطان ، وتدبر في صورة شيطان ، فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته فليأت أهله ، فإن ذلك يرد ما في نفسه " ، فليس فيه أيضا شيطنة للمرأة ، ومن يقول بذلك يكون قاصر الفهم ضيق الأفق فيه، لأن الأئمة شرحوه شرحا وافيا ،نذكر منه قول الإمام القرطبي في المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم : " في صورة شيطان أي في صفة من الوسوسة والتحريك للشهوة بما يبدو منها من المحاسن المثيرة للشهوة " ، وقول الإمام ابن الجوزي في كشف المشكل من حديث الصحيحين : " في صورة شيطان أي أن الشيطان يزين أمرها ، ويحث عليها ، وإنما يقوى ميل الناظر إليها على قدر قوة شبقه ، فإذا جامع أهله قل المحرك وحصل البدل ".
والملاحظ في هذا الحديث أن كلا من القرطبي ، وابن الجوزي شرحا ما قد يلتبس على الناس في هذا الحديث فتهذب أذهانهم أو فهومهم إلى فكرة شيطنة الحديث للمرأة ، وهو مسبوق بكلام حدد مناسبته جاء فيه :" أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة ، فأتى امرأته زينب وهي تمعس منيئة لها (أي تدلك جلدا ) قضى حاجته ، ثم خرج إلى أصحابه ...." ليخبرهم بمضمون الحديث الذي ينأى كل النأي عن شيطنة المرأة ،لأن المقصود منه أن الشيطان يحرك في الرجال اشتهاء النساء إذا لم يلتزموا حمية غض البصر التي أمر بها الله تعالى ، ولم تلتزم النساء بحمية عدم إبداء الزينة ،والضرب بالخمرعلى الجيوب . وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي جعله الله تعالى إسوة وقدوة لنا، وهو من هو عفة، وعصمة قد رأى ما رأى في امرأة أجنبية عنه، وعالج الأمر بإتيان زوجه زينب رضي الله عنها بعدما صرفها عن شغل لها، فالأولى بغيره أن يقتدوا بسنته وألا يزعم زاعم أن بصره يقع على أنثى يعجبه جمالها أو يفتن بها ،ولا تتحرك غريزته الجنسية . ولعل واقعنا المعيش يؤكد صدق الحديث ، فنحن نرى يوميا وفي كل لحظة تمر بنا عيون رجال تقع على أجساد نساء، فينظرون إليهن وهن مقبلات ثم ينظرون إليهن وهن مدبرات ، وما يحملهم على ذلك إلا الشيطان الذي يزينهن لهم مقبلات ومدبرات ، وقد يوسوس أيضا للنساء بالتزين عمدا لجلب الأنظار إليهن ، ولا نخوض في قصدهن من وراء ذلك ، ونرك أمره لله تعالى عالم السر وأخفى ، وعليه فقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذب من وصفوا حديثه بشيطنة المرأة ، ومن أصر على ذلك دعوناه للابتهال ونجعل لعنة الله على الكاذب .
فإن كانت أستاذة التاريخ ترى أن من انطلقوا من كلام الله عز وجل، ومن كلام رسوله صلى الله عليه وسلم بخصوص المرأة تراثا مشيطنا لها، فقد جاءت ببائقة سواء قصدت ذلك أم لم تقصد ، وكان الأولى والأجدر بها أن تتحدث في عرضها عن شيطنة المحتل الفرنسي للمرأة المغربية ، وهو الذي فتح مواخير أعدها لجنوده ، وكانت هي الضحية كما توثق ذلك صور لا زالت تتناقلها و تتداولها وسائل التواصل الاجتماعي ، وهي من ضمن العديد من النقط السوداء في جبين المحتل التي سجلها التاريخ إلا أن الأستاذة قد غضت عنها الطرف ، وخاضت فيما سمته تراثا فقهيا مشيطنا للمرأة ولعل ذلك لحاجة في نفسها .
ونختم بالقول إن أذناب محتل الأمس من العلمانيين الذين يسوقون يوميا علمانيته ويشهرونها لا يدخرون جهدا في شيطنة المرأة في بلادنا حيث يزينون لها العلاقات الجنسية غير المشروعة من رضائية ومثلية ، ويزعمون لها أن ذلك من صميم حريتها ، ومن صميم تقدمها وتحضرها وإلا كانت متخلفة.
وسوم: العدد 1020