كل ما تفعله إسرائيل يحتم إخراجها من المنطقة العربية الإسلامية
في السرديات التراثية العربية أن يهوديا طلب من عربي أن يردفه خلفه على جواده ليبلغ مبتغاه الذي يقصده ، فأردفه ، وبعد سيرٍ يسيرٍ قال اليهودي : " ما أحسن جوادك ! " ، فحدثه العربي عن عنايته الوافية به حتى صار في هذا الحسن ، وبعد وقت قصير قال اليهودي : " ما أحسن جوادنا ! "، فأوقف العربي الجواد ، وأمر اليهودي بالنزول في لهجة لا تقبل الجدل والرجاء قائلا في سخرية : " في الثالثة ستقول ما أحسن جوادي ! " . وما ترشد إليه السردية واضح . وفي السرديات الفلسطينية الحديثة أن فلسطينيا ويهوديا اتفقا على الذهاب من القدس إلى الخليل على حمار ، وكيفية ركوبهما ستكون بالأسلوب التالي : سيغني كل واحد أثناء ركوبه ، وينزل متى انتهى محفوظه من الأغاني ، وركب الفلسطيني أولا ، وشرع يغني ، وما قطع مسافة قليلة حتى نفد محفوظه فنزل ، فوثب اليهودي راكبا ، وشرع يغني مميلا رأسه يمنة ويسرة : "دندنة ! دندنة ! دندنة ! " دون أن يبدلها ، فصاح به الفلسطيني غاضبا : " يخرب بيتك ! ألا تنتهي هذه الدندنة ؟! " ، فأجابه : " دندنة لا تنتهي يا حبيبي ! " ، وما ترشد إليه السردية واضح . والسرديتان توضحان من زاويتين مختلفتين أن إسرائيل لا تملك المؤهلات الأخلاقية والسياسية للتعايش السلمي مع المنطقة العربية الإسلامية . وتطبيقا على ما ترشد إليه السردية الأولى يقول المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه في كتابه " الفلسطينيون المنسيون .. تاريخ فلسطينيي 1948 " : " كان لزاما على المستوطنين الأوائل من الصهاينة تدوين خبراتهم وملاحظاتهم في يوميات . تركوا في عهدة المؤرخين أطنانا من الكتابات عن رحلاتهم ، وآلافا مؤلفة من الدفاتر ومن الرسائل . دونوا ذلك كله من أول لحظة وطئت فيها أقدامهم أرض فلسطين ، وكان ذلك في مطلع القرن العشرين . وجدوها أرضا غريبة غير مألوفة لهم ، ولم تخلُ رحلتهم الطويلة من أوروبا الشرقية إلى فلسطين من المصاعب والشدائد والأخطار ، لكنهم استقبلوا بحفاوة أولا في يافا حيث أقلتهم قوارب صغيرة من سفنهم إلى اليابسة . وهناك أخذ كل منهم يبحث عن أول مسكن مؤقت له أو قطعة أرض . وفي معظم الحالات وفر السكان المحليون الفلسطينيون لأولئك القادمين الجدد بعض وسائل الراحة من مبيت وطعام . ولم يكتفوا بذلك ، بل قدموا لهم أيضا النصائح في مسائل الزراعة والحراثة . وكانت معرفة أهل صهيون بهذا الموضوع ضئيلة إن لم تكن معدومة ؛ لأنهم منعوا قرونا عديدة من أن يكونوا مزارعين أو أصحاب أراضٍ في مواطنهم الأولى . لم يقابل المستوطنون تلك المعاملة الكريمة بالمثل ؛ ففي المساء ، أي وقت انصرافهم لكتابة مدوناتهم الأولى في دفاتر يومياتهم على ضوء الشموع ؛ أشاروا إلى المواطنين الفلسطينيين كغرباء يجولون في الأرض التي هي ملك للشعب اليهودي . " . وتطبيقا على ما ترشد إليه السردية الثانية ، قال شامير رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إنه نوى مفاوضة الفلسطينيين عشر سنوات دون أي توصل لأي نتيجة . وانقضاء 30 عاما على اتفاق أوسلو بالخسران المبين للفلسطينيين ، وتوسع الاستيطان وكثافة عدد المستوطنين في القدس والضفة تطبيق مخيف لنية شامير التي هي نية كل الإسرائيليين . ولم يتوقفوا . شكلوا حكومة أقلعت عن الكذب والمداورة في كل ما يتصل بالفلسطينيين ، وجهرت جهرا فاحشا بما تعده لهم : إبعادهم كليا من وطنهم إن ملكت إليه سبيلا . وعلى هذه السبيل سلمت وزارة الأمن الوطني لمهووس حقود جهول هو بن غفير ، وسلمت شئون الضفة لسموتريتش الذي ينافسه هوسا وحقدا وجهلا ، ولذة الاثنين في الانتقام من كل فلسطيني ظامئة متوحشة . سموتريتش ينفي وجودهم هوية واسما ، وينتحل اسمهم سطوا وسفها ، وبن غفير يؤلف ميلشيا يسميها حرسا وطنيا لاقتحام بيوت فلسطينيي الداخل المحتل والتنكيل بهم ، وساء تأليف هذه المليشيا حتى بعض الإسرائيليين ، فرأى الجنرال المتقاعد متان فلنائي موافقة نتنياهو لبن غفير على تأليفها برهانا على أنه : " لا يعلم أين يعيش . " ، أي أنه في وضع غيبوبة عن الوعي . وجحود المستوطنين الإسرائيليين للجميل ينفذ شره إلى أميركا أكبر حامٍ لهم ، فيخاطبون رؤساءها مزدرين لهم متى ساءهم موقف منهم . في 5 سبتمبر 1982 اقترح الرئيس الأميركي رونالد ريحان مبادرة للحل مع الفلسطينيين ، فرفضها رئيس الوزراء بيجين صارخا متشنجا :" هل نحن جمهورية موز ؟! " ، وأغفل كليا إنقاذ أميركا لدولته في حرب أكتوبر 1973 حين ترنح جيشها على شفا الهزيمة في الأسبوع الأول من الحرب . ولم يسيغوا نصيحة بايدن المهذبة لهم بالعدول عن تغيير نظامهم القضائي لما يفجره بينهم من خلافات ومنازعات ومظاهرات ، ورد عليه نتنياهو بأن إسرائيل لها سيادتها الخاصة التي تتصرف تبعا لها ، وطغت جلافة بن غفير وغروره في رده ، فنبه بايدن إلى أن إسرائيل ليست النجمة الحادية والخمسين في العلم الأميركي ، أي ليست ولاية أميركية . وفي تطبيعهم مع العرب والمسلمين لا يعترفون بأي فضل للمطبعين ، ويعزون تطبيعهم إلى يأسهم من هزيمة دولتهم ، وحاجتهم إلى التكنولوجيا الإسرائيلية . وهذه الدولة منذ وجودها مفجرة حروب ومثيرة فتن واضطرابات ونزاعات في المنطقة ، وكلما اقترب منها أهلها نفرت منهم واستعلت عليهم وطلعت لهم بشر جديد . ولن تتوقف عن هذه المتوالية المناقضة للطبيعة البشرية حتى يخرجها العرب والمسلمون من منطقتهم إخراجا نهائيا تأكدت حتميته وضرورته تأكدا متواصلا منذ أن غرس كيانها الغريب غصبا وظلما في هذه المنطقة المتجانسة بشرا وحضارة وقيما .
وسوم: العدد 1025