مونديال قطر وعلامات الساعة الجزء ٥

 خواطر من الكون المجاور

الخاطرة رقم ٣٢٥ :

في الأجزاء الماضية ذكرنا بأن مونديال كأس العالم /٢٠٢٢/ في قطر لم يكن مجرد حدث عالمي رياضي ولكن الأقدار الإلهية شاءت أن تجعل منه حدثا عالميا يوضح لنا حقيقة نوعية ذلك العالم الروحي الذي يقع اليوم تحت سيطرة النظام العالمي بأكمله المعتمد على مبدأ (الفوضى الخلاقة) والذي كانت نتيجته وصول الإنسانية إلى أسوأ إنحطاط روحي مرت به الإنسانية في تاريخها منذ ظهورها على سطح الأرض وحتى اليوم . فمن خلال تلك الأحداث الرمزية التي حصلت في مونديال قطر تبين لجميع شعوب العالم بأنه رغم أن قطر هي من أصغر دول العالم إستطاعت بفضل ثروتها المادية التي وهبها الله لها أن تقدم أفضل مونديال في تاريخ كرة القدم ، وأنه رغم أن اللاعب الأرجنتيني ليونيل ميسي الذي ولد في عائلة فقيرة محافظة على التقاليد والعادات ولكن بفضل موهبته الكروية التي وهبه الله له إستطاع أن يفوز بكأس العالم ويصبح أفضل لاعب في تاريخ كرة القدم . فالذي حصل في مونديال قطر أنه رغم سيطرة تيار الفوضى الخلاقة على جميع قوانين الأنظمة السياسية والإجتماعية والفكرية ولكن ومع ذلك تبين للجميع أن تيار التعاون والإنسجام الذي وضعه الله في الفطرة الإنسانية إستطاع أن ينتصر على تيار الفوضى الخلاقة وأن مونديال قطر لم يكن سوى علامة إلهية تؤكد على إقتراب هزيمة هذا التيار وإنتهاء مرحلة عصر فاشل وأن الإنسانية قد بدأت الدخول في مرحلة جديدة لتنقلب الأمور رأسا على عقب ليبدأ تيار التعاون والإنسجام في السيطرة على مصير الإنسانية من جديد .

بعض القراء سخروا من تركيز مقالاتي في سلسلة (عدالة السماء في مونديال قطر) على ليونيل ميسي ودوره الرمزي في مونديال قطر ، وللأسف كثير من هؤلاء رغم انهم يعتبرون أنفسهم مسلمين ويدافعون عن الإسلام ، ولكن وبسبب فهمهم السطحي لمعاني آيات القرآن الكريم لم ينتبهوا إلى تلك العلاقة بين ميسي والآية الكريمة {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا .... (٢٦) البقرة} ، فمعنى هذه الآية أن الله لا يستحي أن يضرب الأمثال بأشياء صغيرة أو بسيطة أو حتى قد تبدو للبعض وكأنها أمثلة تافهة ، لتكون هذه الأمثلة كعلامة تنير عقول المؤمنين . فليس من الصدفة أن أشهر لقب معروف عن ميسي هو (البرغوث) ، فميسي في طفولته كان يعاني من نقص هرمون النمو لهذا كان حجم جسده صغيرا جدا بمقارنته بزملائه في الفريق ولهذا كان المشاهدون في ملاعب كرة القدم يرونه وهو يلعب وكأنه مثل البرغوث الصغير بين بقية اللاعبين ، ولكن رغم حجمه الصغير وبفضل تلك الموهبة الربانية التي وهبها الله له إستطاع ميسي أن يفوز بكأس العالم في مونديال قطر رغم أن معظم مشاهير لاعبي كرة القدم في العالم هم اليوم من أتباع تيار الفوضى الخلاقة . وكذلك أيضا فرغم أن ميسي مجرد لاعب كرة قدم حيث الكثير من علماء الدين وكذلك المثقفين يعتبرون أن كرة القدم هي مجرد مهنة بسيطة لا تلعب أي دور في فهم الدين وكذلك في تطور وإزدهار الحضارات ، ولكن ومع ذلك الأقدار الإلهية إستخدمت ميسي كرمز روحي يساعد في فهم نوعية ذلك الصراع الشرس الذي يحدث بين تيار التعاون والإنسجام وبين تيار الفوضى الخلاقة . إن فوز ميسي في مونديال قطر كان عبارة عن رمز روحي ترى من خلاله جميع شعوب العالم أن أتباع تيار التعاون والإنسجام رغم أنهم أصبحوا أضعف خلق الله في عصرنا الحديث ، ولكن هؤلاء -بإذن الله - هم من سيحكمون النظام العالمي الجديد في المرحلة القادمة .

هناك علامات إلهية عديدة ظهرت في الآونة الأخيرة تؤكد صحة فكرة دخول الإنسانية في مرحلة جديدة مختلفة تماما عن سابقتها . من هذه العلامات مثلا أنه مع نهاية عام ٢٠٢٢ وبداية عام ٢٠٢٣ وبسبب الأمطار الغزيرة التي هطلت في المنطقة المحيطة بمكة المكرمة تحولت هذه المنطقة من صحراء قاحلة إلى مروج خضراء وانهار . هذه الظاهرة أثارت وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي حيث دفعت ليس فقط إلى إستغراب الشعب السعودي ولكن حتى إستغراب علماء المناخ في دول غربية عديدة . ومن المعروف أن هذه الظاهرة تم ذكرها في الحديث الشريف كعلامة من علامات قيام الساعة .

أيضا بعد هذه الظاهرة الطبيعية مباشرة حدث زلزال تركيا وسوريا الذي زلزل القنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي العالمي وخاصة في الأمة الإسلامية حيث دفع البعض على إعتباره بزلزال القرن . ثم بعد ذلك مباشرة أيضا حصلت حادثة سياسية هزت العالم وزعزت الوضع السياسي العالمي المتعارف عليه في الشرق الأوسط فبعدما كانت أمريكا والكيان الإسرائيلي يستعدان لمحاولة شن هجوم عسكري على إيران لتدمير المفاعلات النووية هناك والذي كان سيشعل منطقة الشرق الأوسط بأكملها لتعم الفوضى فيها ، حصلت حادثة المصالحة بين المملكة العربية السعودية وإيران تحت رعاية الصين والتي قلبت المخطط الأمريكي الإسرائيلي رأسا على عقب ، حيث أن هذا الزلزال دفع الجامعة العربية إلى إرسال المساعدات الإنسانية إلى المنطقة المنكوبة ومن ثم إعلان دعوة سوريا إلى الإنضمام إليها بعد توقيف عضويتها لمدة /١٢/ عام . وكأن هذا الزلزال قد حرك المياه الراكدة في المنطقة كعلامة إلهية تؤكد أن هناك تغيرات جذرية جديدة بدأت تحدث في هذه المنطقة ستؤثر على جميع شعوب العالم .

في السنوات الأخيرة حدثت ظواهر طبيعية وأحداث عالمية عديدة لها علاقة بعلامات الساعة (كثرة القتل ، كثرة الزلازل ، كثرة الخسف ، كثرة الظلم ، إنتشار الإباحة الجنسية والشذوذ الجنسي ، تحول صحراء الجزيرة العربية لمروج خضراء وأنهار .... وغيرها الكثير ) ، حيث أن هذه الظواهر دفعت علماء الدين إلى الانقسام إلى فريقين : الفريق الأول يؤمن تماما بأن موعد قيام الساعة أصبح قريبا جدا ، والفريق الثاني يؤمن تماما بأن جميع هذه العلامات هي من العلامات الصغرى التي حدثت وتحدث كل فترة وفترة من الزمن وأنه حتى الآن لم تحدث أي علامة من العلامات الكبرى وأن زمن قيام الساعة لا يزال بعيدا جدا .

إذا تمعنا جيدا في إثباتات كل فريق من الفريقين سنجد هناك تعارض غريب وعجيب بين آراء الطرفين ، حيث كل طرف يتهم الطرف الآخر بسوء فهم حقيقة ما يحدث . ولكن في الحقيقة أن كلا الفريقين هما على حق ، وأن سبب هذا التناقض بينهم هو سوء فهم النصوص الدينية من كلا الطرفين . ففي الحقيقة أن تقسيم علامات الساعة إلى صغرى وكبرى هو إجتهاد بشري خالص ، فلا يوجد نص ديني واحد يحدد نوع العلامة صغرى أم كبرى ، حيث نجد أن كل نص ديني (آية قرآنية أو حديث شريف) يذكر بعض العلامات الصغرى وبعض العلامات الكبرى معا . وسبب عدم وجود نص ديني واحد يوضح الفرق بين النوعين من العلامات هو حكمة إلهية تساعدنا في فهم حقيقة المخطط الإلهي في تطور الإنسانية . فالإنسانية تتكون من عدة أمم وفهم حقيقة علامات الساعة يحتاج إلى فهم علامات الساعة التي وضعها الله في عقائد جميع الأمم ، فمشكلة العلماء المسلمين هو إعتمادهم فقط على العلامات المذكورة في النصوص الإسلامية وكأن الأمة الإسلامية هي فقط التي تمثل الإنسانية وأن بقية الأمم هم بشر من نوعية أخرى لا تنتمي لنسل آدم وحواء . وسبب هذه النظرة التعصبية أن العلماء المسلمين لم يفهموا الحكمة الإلهية المذكورة في الآية القرآنية {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (١٣) الحجرات}، والتي بها تمت إفتتاحية مونديال قطر . (موضوع علامات الساعة وفهم حقيقة ما يحصل هذه الأيام هو موضوع يحتاج ذكر تفاصيل عديدة سنشرحها إن شاء الله في المقالة القادمة) .

حتى نفهم حقيقة زلزال تركيا وسوريا وسبب ذلك التناقض بين العلماء المسلمين فيما إذا كان هذا الزلزال علامة من علامات الساعة أم لا ، سنحاول شرح بعض التفاصيل عن هذا الزلزال كمثال بسيط من خلاله نفهم جميع العلامات الأخرى .

زلزال تركيا وسوريا حصل في يوم /٦/ شباط (فبراير) من هذا العام ، أي مباشرة بعد ظاهرة تحول منطقة مكة المكرمة إلى مروج خضراء . بعض علماء الدين يرفضون إعتبار هذا الزلزال كعلامة من علامات قيام الساعة، فحسب زعمهم بأن الزلازل تحدث في كل عام . فقائمة إحصاء الزلازل العالمية تؤكد أن عدد الزلازل والهزات الأرضية التي تحدث سنويا في جميع أنحاء العالم تعادل تقريبا (١٧) ألف ما بين هزة أرضية وزلزال ، ومنها زلزال واحد مدمر على الأقل يحدث في كل عام تكون نتيجته العشرات أو المئات أو الآلاف من الضحايا . للأسف هذا النوع من تفسير الظواهر يستخدم رؤية مادية بحتة ، والإعتماد على مثل هذه النوعية من الرؤية ستكون نتيجته الحتمية المساعدة في إنتشار الإلحاد ، والسبب هو أن معظم الظواهر الطبيعية لها تفسير علمي مادي حيث إعتبار أن حدوث هذه الظواهر نتيجة لأسباب مادية فقط هذا يعني بأن هذا المنطق في التفسير يناقض النصوص الدينية والتي تعتمد منطق التسخير الإلهي للطبيعة في تحديد مصير الإنسانية .

إن فهم معاني الظواهر الطبيعية والأحداث وعلاقتها بالسلوك الروحي للإنسانية يجب أن يعتمد الرؤية الشاملة من أجل الوصول إلى الحقيقة ، فسلوك الطبيعة هو مرآة تعكس حقيقة نوعية السلوك الروحي للإنسانية . فالرؤية الشاملة في موضوع زلزال تركيا وسوريا تقول أن مكان وقوع الزلزال له معنى يختلف نهائيا عن جميع الزلازل في مناطق العالم . فالسبب العلمي (المادي) لحدوث هذا الزلزال هو إندفاع الصفيحة التكتونية العربية نحو الصفيحة التكتونية الأناضولية . هنا يجب أن ندقق في العناصر الروحية لهذه الحادثة ، فكلمة (أناضول) ليست صدفة فهي كلمة يونانية ومعناها (الشرق) ، أي أن الصفيحة الأناضولية هنا هي رمز روحي يُمثل بداية القسم الغربي للعالم ، فمنطقة هذا الزلزال تقع تماما على خط الطول التي تقع عليها المنطقة التي تنشب فيها اليوم الحرب بين روسيا وأوكرانيا والتي أحدثت أزمة عالمية أثرت سلبا على جميع شعوب العالم ، فكلمة (أوكرانيا) أيضا هي كلمة يونانية وتعنى (الطرف الأقصى) ومقصود بها الطرف الأقصى لشرق أوربا أي أنها هي أيضا بداية القسم الغربي من العالم .

أما بالنسبة للصفيحة العربية ، فكلمة «عرب» أحد تفسير أصل هذه الكلمة بأنها مُشتقة من أصل سامي قديم ويعني «الغرب». فقد أطلق سكّان بلاد ما بين النهرين اسم "عريبي" على الأقوام الذين كانوا يقيمون في القسم الغربي من بلادهم أي تلك الشعوب التي تقع على ساحل بحر الأبيض المتوسط وساحل البحر الأحمر . فالزلزال حدث بسبب إصطدام الصفيحة العربية التي تمثل الطرف الأقصى (الغربي) من القسم الشرقي من العالم مع الصفيحة الأناضولية والتي تمثل الطرف الأقصى (الشرقي) للقسم الغربي من العالم . وكما ذكرنا في مقالات عديدة ماضية أن الحكمة الإلهية في خلق الإنسانية أنها قسمت شعوب العالم إلى قسمين : قسم شرقي ويشمل شعوب قارة آسيا ، وقسم غربي ويشمل شعوب أوربا وأفريقيا وأمريكا ، بحيث يكون لكل قسم دور خاص به في تطور الإنسانية. القسم الشرقي مسؤول عن تطوير العلوم الروحية والإنسانية ولهذا نجد أن جميع الديانات العالمية ظهرت في آسيا ومنها إنتقلت إلى جميع شعوب العالم . أما القسم الغربي فمسؤول عن تطوير العلوم المادية ولهذا نجد أن معظم الإختراعات في علوم الطب والميكانيكية والتكنولوجيا ظهرت في الشعوب الغربية . فالشعوب الغربية من خلال الحضارة الإغريقية وحضارة عصر النهضة الأوربية قد قامت بدورها في تنمية المعارف المادية ، فكل ذلك التقدم العلمي الذي نشهده اليوم في النواحي المادية كان نتيجة لثمار الحضارة الغربية .

فعلى مدى تاريخ الإنسانية الطويل كان ظهور الحضارات يحصل بالتناوب بين الشرق والغرب بحيث يعمل التطور الروحي والتطور المادي جنبا إلى جنب من أجل دفع الإنسانية بشكل مستمر نحو الأرقى . ولكن الذي حدث بعد ذلك أنه منذ منتصف القرن التاسع عشر بدأت تظهر روح خبيثة في القسم الغربي راحت تستغل محاسن هذا التقدم العلمي المادي عن طريق السيطرة على الشعوب الشرقية في سبيل منعها من أن تأخذ دورها الروحي من أجل تحقيق التوازن العالمي (روحي - مادي) والذي أدى إلى تحويل هذا التطور من تطور شامل يعتمد مبدأ (العلم والدين والفن من أجل خدمة الإنسانية) إلى تطور مادي بحت يعتمد مبدأ (العلم للعلم والفن للفن والدين للدين وليس لخدمة الإنسانية) .

مونديال قطر كان علامة إلهية توضح لنا نوعية ذلك التغيير الذي سيحصل في سلوك النظام العالمي ، ولكن وبسبب عدم فهم علماء الدين وعلماء العلوم الإنسانية حقيقة أحداث مونديال قطر ، حدث زلزال تركيا وسوريا ليكون بمثابة حدث عالمي يزلزل عقول علماء الدين الإسلامي (أتباع آخر ديانة سماوية) بحيث يتحول هذا الزلزال إلى إنذار إلهي يساهم به في توضيح حقيقة هذا التغيير الشامل الذي سيحدث في تصحيح جهة مسار الإنسانية لتعود ثانية إلى تلك الطريق التي رسمها الله لها في مخططه الإلهي . فسبب الزلزال (بالرؤية المادية) كما ذكرنا قبل قليل هو إندفاع الصفيحة التكتونية العربية نحو الصفيحة الأناضولية ، فالصفيحة العربية نصفها الشمالي يمثل بلاد الشام ، وبلاد الشام هي أقدس منطقة في العالم كونها تمثل المركز العالمي للإتحاد بين الشرق مع الغرب . فظهور معظم الأنبياء في بلاد الشام ليس صدفة ولكن حكمة إلهية تفسر لنا طبيعة تطور الإنسانية في المخطط الإلهي . الله عز وجل وضع أسماء وعلامات في هذه المنطقة المقدسة كي تساعدنا في فهم المعنى الروحي لهذه المنطقة ، فكلمة (لبنان) هي مشتقة من الكلمة السريانية (اللبنى) وهي تعني بشكل عام «أبيض» وهذه الكلمة مؤلفة من «لب» و«أنان» وتعني «قلب الله» والتي تطلق أيضا على شجرة الطيب . ولهذا كان عَلم لبنان يعتمد شعار شجرة أرزة لبنان ، فوجود هذه الشجرة كشعار للبنان ليس صدفة ، فهذه الشجرة لها معنى مناقض تماما لتلك الشجرة الملعونة التي ثمارها كانت سببا في طرد الإنسان من الجنة. ولهذا أيضا نجد أن شكل شجرة لبنان لها شكل مشابه لشجرة القرآن (في الصورة) التي تكلمنا عنها في مقالات عديدة ماضية .

أما كلمة (سوريا) فهي كلمة من اللغة السنسكريتية وتعني الشمس بمعناها الروحي أي النور ، فبلاد الشام رمزيا هي مركز العالم كونها تمثل مكان الشمس ظهرا وهي في منتصف السماء عندما يكون نورها وحرارتها في أعلى شدة لهما ، فالنور هو الرمز الروحي للشمس والحرارة هي رمزها المادي .

أما مدينة القدس (أورشليم) عاصمة فلسطين ، فأسم أورشاليم مكون من قسمين : الأول (أور) ومعناه بلاد أو مدينة ، والثاني (شليم) معناها سلام فمعنى أسم مدينة القدس هو مدينة السلام وهي ترمز لأورشليم السماوية أي الجنة التي كان يسكنها آدم وحواء والتي أحد أسماءها في الإسلام (دار السلام) .

فبلاد الشام كرمز روحي بالنسبة للعالم في الحقيقة هي بمثابة ذلك الحقل الذي يزرع به الله أول نبتة جديدة من نوعها ، حيث من هذا الحقل تبدأ هذه النبتة في الإنتشار نحو جميع بلدان العالم شرقا و غربا ، حيث ظروف القسم الغربي من العالم تلعب دور في المساعدة في إظهار الصفات الحقيقية لجذور هذه النبتة لتجعلها تمتلك أفضل الصفات الجذرية (المادية) لهذا النوع من النبات والذي رمز هذه الجذور هو (١) من الرمز الإلهي(١٨) الموجود في كفي يد الإنسان . أما ظروف القسم الشرقي فلها دور في المساعدة في إظهار الصفات الحقيقية للقسمين الخضري والزهري بحيث يجعل هذا القسم العلوي أن يمتلك أفضل الصفات (الروحية) والذي رمزه (٨) من الرمز الإلهي (١٨) . فعندما تظهر جميع صفات الجذور (القسم المادي) الذي رمزه (١) في أفضل أشكاله ، وكذلك عندما تظهر جميع صفات القسم الخضري والزهري (القسم الروحي) والذي رمزه (٨) في أفضل أشكاله ، عندها تعود جميع هذه الصفات (عن طريق روحي) لتندمج من جديد مع نبتة من نوع جديد يزرعها الله في بلاد الشام بحيث تمتلك هذه النبتة الجديدة صفات النبتة الأولى مع الصفات الجديدة للنبتة الثانية . بهذه الطريقة ومع مرور الزمن يحدث تطور مستمر من البسيط إلى المعقد ومن الأدنى إلى الأرقى حتى تصل الإنسانية إلى الكمال وبالتالي وعندها فقط تستطيع الإنسانية العودة إلى الوطن الأم الجنة التي طرد الإنسان منها . ولهذا الحديث الشريف يقول (إنَّما بُعثتُ لأتمِّمَ مكارمَ الأخلاقِ) . ولهذا أيضا يقول الحديث الشريف (إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا ) . فعملية تجديد التكوين الروحي الإنساني هي عملية مستمرة حتى يوم القيامة . فالنبي هو رمز النبتة الجديدة التي تظهر في بلاد الشام ، أما المجدد فهو الذي سيجدد تكوين الصفات الموجودة أصلا في النبتة والتي الظروف تمنعها في التعبير عن نفسها ، والمجددون هنا لا يعني فقط علماء الدين ولكن يشمل أيضا علماء من جميع الأنشطة الفكرية (علوم مادية وإنسانية وفنون) حيث يظهرون في جميع شعوب العالم. ولهذا أيضا يقول الحديث الشريف (خير المجالس أوسعها) ، والمقصود بكلمة (أوسعها) ليس من الناحية الكمية أي كثرة عدد الأشخاص ولكن المقصود منها هو الناحية النوعية أي كثرة تنوع معارف الأشخاص الموجودين في المجلس لكي يحصلوا على رؤية شاملة للموضوع المتناول بحثه في هذا المجلس كما تذكر الآية القرآنية التي تم بها إفتتاح مونديال قطر {... وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ...} .

في كل كارثة طبيعية تحصل في البلدان غير المسلمة ، نجد بعض المتعصبين المسلمين ينشرون مقاطع فيديو في وسائل التواصل الاجتماعي له معنى (أن سبب هذه الكارثة هو غضب الله من هذه الشعوب كونها لم تعتنق الإسلام) ، ولكن زلزال تركيا أحدث صدمة شديدة للمسلمين ، والذي دفع الكثير في التساؤل لماذا نزل غضب الله على هؤلاء المسلمين البسطاء الذين يعيشون في أكثر المناطق فقرا في تركيا وسوريا ، ولماذا لم يحدث الزلزال في الدول العظمى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية التي تنتهك حقوق شعوب العالم . فكان ردة فعل علماء الدين الإسلامي على مثل هذا التساؤل ليفصلوا الدين عن الكارثة بأن جميع ضحايا الزلزال هم شهداء . إن مثل هكذا تفسير هو تفسير بسيط لا يدل سوى على سطحية رؤية هؤلاء العلماء لحقيقة ما يحدث ، فضحايا الزلزال سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين هم شهداء ، ولكن الكافر الذي قضى نحبه في الزلزال سيحاسبه الله على كفره ، وأيضا الصالح كذلك سيحاسبه الله أيضا على صلاحه . فالأمر هنا لا يتعلق بشكل فردي لكل ضحية ولكن يتعلق بالوضع الروحي الجماعي أي على النوعية الروحية التي تسيطر على هذه المنطقة ، والزلزال الذي نتكلم عنه قد حصل في شمال بلاد الشام كون هذه المنطقة هي رمز المركز العالم للإنسانية . فالحديث الشريف يقول (إذا فسد أهل الشام، فلا خير فيكم) ومنطقة الزلزال الموجودة في تركيا اليوم كانت سابقا تُعتبر الحدود الشمالية لبلاد الشام ، والمقصود بعبارة (لا خير فيكم) لا تعني فقط الأمة الإسلامية ولكن جميع الأمم بلا إستثناء كونها ساهمت جميعها بشكل مباشر أو غير مباشر في خراب هذه البلاد المقدسة . فما يحدث في هذه البلاد في الحقيقة هو مرآة تعكس حقيقة نوعية تلك الروح التي تسيطر على سلوك الإنسانية بأكملها . ولكن طالما أن الدين الإسلامي هو آخر ديانة سماوية فهذا يعني أن مسؤولية الأمة الإسلامية على هذا الفساد الروحي العالمي هو أكبر من بقية الأمم ولهذا كان معظم ضحايا الزلزال هم من المسلمين . فهذه المنطقة بشكل عام وبسبب ذلك التشويه الذي حصل في الدين الإسلامي، أصبحت معظمها تحت سيطرة المليشيات الجهادية الإسلامية والتي بأسم الدين الإسلامي ساهمت هي أيضا في تحويل هذه البلاد إلى أن تكون في قائمة أسوأ المناطق للسكن في العالم . فهذه المنطقة أصبحت رمزا يُعبر عن شدة ذلك التشويه الذي حصل في تعاليم الدين الإسلامي وتعاليم جميع الديانات العالمية الأخرى . ففساد بلاد الشام يعني أن الدين الإسلامي وكذلك بقية الديانات العالمية اليوم قد وصلت إلى تلك المرحلة التي وصفها الحديث الشريف (بَدَأَ الإِسْلامُ غَرِيبًا ، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا ، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ) . فمعنى هذا الحديث الشريف أن جميع كليات الشريعة الإسلامية وغير الإسلامية اليوم والتي تقوم بنشر التعاليم الدينية في جميع دول العالم قد أصبحت تعاليم دينية مناقضة لتعاليم تلك الأديان التي أنزلها الله على الانبياء والمنذرين .

حتى نفهم بشكل أفضل المعنى الروحي لزلزال تركيا كعلامة إلهية علينا أن نتمعن في تلك العلامات الروحية الموجودة في هذا الزلزال . فهذا الزلزال كان زلزال توأم ، الزلزال الأول حدث في الساعة ٤:١٧ صباحا بقوة ٧،٨ درجة من مقياس ريختر ومركزه قرب مدينة غازي عنتاب ، والثاني حصل في الساعة ١٣:٢٤ ظهرا بقوة ٧،٥ درجة بالقرب من مدينة كهرمان مرعش . مثل هذا الزلزال التوأم حصل في عام /١٩٩٩/ ، الزلزال الأول وهو زلزال إزميد حصل في يوم /١٧/ آب (أغسطس) قرب مدينة أسطنبول ، والثاني حصل في يوم /٧/ أيلول (سبتمبر) قرب مدينة أثينا عاصمة اليونان . هذا الزلزال التوأم لم يكن صدفة فقد حمل معه علامات إلهية ولكن للأسف لم يراها لا علماء الدين الإسلامي ولا علماء الدين المسيحي في اليونان . فهو حصل في نهاية الألفية الثانية بعد الميلاد ، وفي ذلك الوقت كان عدد كبير من المؤمنين المسيحيين في أثينا وفي معظم الشعوب المسيحي يتوقعون ظهور المسيح المزيف (أعور الدجال) وكذلك ظهور المسيح الذي سيقتل الأعور الدجال ، وهذا التوقع أصله نص ديني موجود في سفر رؤيا يوحنا (٧:٢٠ ثم متى تمت الألف السنة يحل الشيطان من سجنه). قبل هذا الزلزال التوأم كانت العلاقة بين تركيا واليونان في أسوأ أشكالها من كراهية وعداوة بين الشعبين ، ولكن الذي حصل مع حدوث الزلزال أن اليونان أرسلت رجال الإنقاذ إلى تركيا وساهموا في إخراج عدد كبير من العالقين تحت الأنقاض وهذا ما دفع الشعب التركي بتغيير نظرتهم نحو اليونانيين ، ومع زلزال أثينا أيضا الأتراك أرسلوا رجال الإنقاذ إلى اليونان وساعدوا في إخراج العالقين اليونانيين . طبيعة العلاقة بين تركيا واليونان وبسبب هذا الزلزال التوأم إنقلبت رأسا على عقب وتحول الشعبان من عدوين لدودين إلى صديقين حميمين ، وبقيت الأمور هكذا على أفضل حال بينهما إلى أكثر من /١٥/ عام . أن لا يفهم علماء الدين المسيحي معنى هذا الزلزال التوأم هي مصيبة ، ولكن أن لا يفهم علماء الدين الإسلامي وخاصة الأتراك معنى هذا الزلزال فهي مصيبة أكبر بآلاف المرات ، لأن كلا الزلزالين في تركيا واليونان قد حدثا في الشهر الهجري (جمادى الأول) أي الشهر الذي تم به فتح القسطنطينية ، ففي عام /١٩٩٩/ أي عام /١٤٢٠/هجري كانت المرة الأولى التي لم يحتفل الأتراك بذكرى فتح القسطنطينة لأن زلزال تركيا حصل قبل /١٨/ يوم من يوم ذكرى فتح القسطنطينة والذي حصل في يوم /٢٠ جمادى الأول ٨٥٧ هجري) .

الزلزال التوأم في تركيا واليونان عام /١٩٩٩/ كان تحذير إلهي للمسلمين والمسيحيين ولجميع أمم العالم بأن نشر الفتنة وتنمية العداوة والبغضاء بين الشعوب هو من عمل الشيطان ، فتركيا هنا كانت رمز القسم الشرقي من العالم ، واليونان كانت رمز القسم الغربي حيث مضيق البوسفور الذي حدث بقربه زلزال تركيا هو الذي يفصل بين آسيا وأوربا . وبما أن آسيا هي المسؤولة عن الدور الروحي في تطور الإنسانية لهذا كانت مسؤوليتها أكبر بكثير من مسؤولية القسم الغربي ، لأن العداوة والبغضاء هي سلوك روحي وتطوير السلوك الروحي هو من مسؤولية القسم الشرقي ، ولهذا كان عدد ضحايا زلزال تركيا كبير جدا أكثر من /١٧/ ألف حالة وفاة ، بينما ضحايا زلزال أثينا كان فقط /١٤٣/ ضحية .

وطالما أن المسلمين لم يفهموا هذه العلامات الإلهية وعادت العداوة والبغضاء بين تركيا واليونان ثانية اليوم إلى أسوأ أشكالها حتى وصلت إلى شفا حفرة من إندلاع الحرب بينهما لهذا حصل زلزال تركيا وسوريا عام /٢٠٢٣/ ليكون هذا الزلزال التوأم هذه المرة تحذير إلهي لكل البشرية وخاصة للمسلمين . ولهذا كان معظم ضحايا هذا الزلزال من المسلمين فقط . وهذا ليس صدفة ولكن له معنى أنه رغم أن الدين الإسلامي قد ظهر قبل حوالي /١٤/ آلاف عام فقط ومع ذلك حصل فيه كمية هائلة من التشويه بحيث جعلته يتحول إلى دين بلا فائدة عاجز عن حل أي مشكلة إنسانية ، فوجود التعصب الديني والمذهبي الذي دفع أعداد كبيرة جدا من المسلمين للإنتماء إلى منظمات إرهابية ومليشيات إسلامية هو خير دليل على فساد جميع كليات الشريعة الإسلامية ، ولهذا كان غضب الله على المسلمين بسبب تشويه دينهم أكبر من غضبه على المسيحيين لتشويه دينهم لأن دينهم قد ظهر قبل /٢٠٠٠/ عام أي قبل الإسلام بحوالي /٦/ قرون ، وغضب الله على اليهود كان أقل لأن الدين اليهودي ظهر قبل حوالي /٣٣٠٠/ عام ، وأقل على الهندوسيين لأن الهندوسية ظهرت قبل حوالي/٤٠٠٠/ عام، أي قبل ظهور الإسلام بحوالي /٢٥٠٠/ عام . فالذي حصل أنه بدلا من مساهمة المسلمين (أتباع آخر ديانة سماوية) في تصحيح ذلك التشويه الذي حدث في الديانات العالمية الأخرى نجدهم قد ساهموا هم أيضا في تشويه دينهم ليجعلوا من جميع الديانات العالمية هي أيضا ديانات فاشلة عاجزة عن تحقيق معنى الآية (...وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا...) . فالقانون الإلهي يقول {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ (٣٠) الشورى} . فقط نظرة بسيطة في وضع الوطن العربي اليوم وما يحصل في معظم شعوبه تكفي لمعرفة كمية ذلك التشويه الذي حصل في نوعية الإيمان عند المسلمين، ولهذا أصبحت الأمة العربية أمة ضعيفة ممزقة تقع تحت سيطرة القوى العظمى المتناقضة فيما بينها والذي سهل لها التلاعب بالأمة العربية كما تشاء . فبلاد الشام اليوم يوجد فيها جيوش ومليشيات مسلحة من جميع جنسيات دول العالم حتى أصبحت هذه البلاد مسرحاً لتجريب كل سلاح فتاك جديد ينتجه أحد الجيوش أو المليشيات الموجودة هناك ، ومعظم هذه الميليشيات تحارب بأسم الإسلام . إن محاولة تبرير تمزق الوطن العربي بأن سببه القوى الإمبريالية أو رجال السياسة العرب ، فهو دليل على عمى البصيرة لعدم فهم القوانين الإلهية ، فجرثومة الكوليرا تظهر في الأماكن القذرة ، فالقذارة هي التي ستسمح لهذا لوباء الكوليرا بالإنتشار ، أيضا فساد القاعدة الروحية للمجتمع سيسمح لتدمير هذا المجتمع . فتمزق الوطن العربي سببه فساد قاعدته الروحية الذي سببه الحقيقي هو فساد تعاليم كليات الشريعة الإسلامية التي منعت التجديد فأنتجت عقيدة روحية لا تتلائم مع التكوين الروحي للعصر الحديث . وأقوى إثبات على فساد العقيدة الإسلامية وتعارضها مع تعاليم الدين الإسلامي هو الفشل الذريع لحزب أخوان المسلمين في حكم مصر وتونس عند إستلامهم للسلطة بعد سقوطها بسبب ما يسمى ثورة الربيع العربي. فأتباع حزب الأخوان المسلمين منذ تكوين هذا الحزب عام /١٩٢٨/ وحتى الآن أينما تواجدوا حل الخراب والفوضى في المنطقة كون عقيدتهم خالية من نور الله .

منطقة بلاد الشام كما ذكرنا قبل قليل هي ليست منطقة كبقية مناطق العالم كونها بلاد الأنبياء والمركز الروحي للعالم ، ومعظم الزلازل التي حدثت فيها على مر التاريخ هي بمثابة علامات قيام الساعة . وقيام الساعة لا يعني نهاية الزمان ولكن يعني إنتهاء مرحلة وإنتقال الإنسانية إلى مرحلة جديدة ، فلكل مرحلة لها علامات الساعة الخاصة بها . ولهذا نجد أن الزلازل المدمرة بشكل عام التي حصلت في بلاد الشام تحدث كل حوالي /٦/ قرون .

فمدينة أنطاكيّة (إسكندورنة سابقا) التي تقع في شمال بلاد الشام على ساحل البحر المتوسط والتي دُعيث بلقب «مهد المسيحية» بسبب الدور الذي لعبته المدينة في ظهور كل من الهلنستية اليهودية والمسيحية المبكرة. فأتباع عيسى عليه السلام تم تسميتهم بالمسيحيين لأول مرة كان في مدينة أنطاكية حوالي عام /٤٢/ للميلاد . هذه المدينة تعرضت لزلزال مدمر في القرن السادس /عام ٥٢٦ م/ ، وبعد أعوام قليلة حدث أيضا زلزال مدمر آخر عام/ ٥٥١/ في بيروت أي قبل ولادة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بسنوات قليلة . فهذان الزلزالان كانا بمثابة علامة إلهية على دخول الديانة المسيحية في عصر الإنحطاط بسبب ذلك التشويه الذي بدأ يحصل في الدين المسيحي ، وكذلك كانا علامة إلهية لهما معنى دخول الإنسانية في مرحلة جديدة وهي ظهور دين جديد وحضارة جديدة وهي الحضارة الإسلامية . ونجد أيضا أنه بعد /٦/ قرون من ظهور الإسلام وعندما بدأ التشويه يحصل في الدين الإسلامي حدث زلزال حلب المدمر في القرن الثاني عشر /عام ١١٣٨/ ، ثم زلزال دمشق المدمر عام /١٢٠٢/ .وكان هذان الزلزالان أيضا علامة إلهية بأن الحضارة الإسلامية قد دخلت في عصر الإنحطاط بسبب التشويه الذي بدأ يحصل في الدين الإسلامي ، لتدخل الإنسانية في عصر حضارة جديدة وهي حضارة عصر النهضة الأوربية . وكذلك بعد /٦/ قرون عندما بدأت حضارة عصر النهضة الأوربية تدخل في مرحلة الإنحطاط حصل زلزال دمشق في القرن الثامن عشر /عام ١٧٥٩/ الذي دمر بلاد الشام ومصر (أكثر من مليون ضحية)، وبعده بسنوات حصل زلزال مدمر آخر في مدينة أنطاكيا عام /١٨٧٢/ ، ليكون علامة إلهية بأن الإنسانية قد دخلت مرحلة جديدة . ولكن هذه المرحلة الجديدة الأخيرة هي مرحلة مختلفة تماما عن المراحل التي سبقتها وسنشرح الفرق بينهما :

في مقالات ماضية ذكرنا أن نهاية الحضارة الإسلامية (القرن الثاني عشر الميلادي) وجميع المراحل التي قبلها كانت عبارة عن رمز لمرحلة الطفولة في تطور الإنسانية ، وأن عصر النهضة الأوربية والذي إستمر حتى نهاية القرن /١٨/ كان بمثابة مرحلة المراهقة للإنسانية ، وأنه مع بداية القرن /١٩/ قد دخلت الإنسانية في مرحلة سن الرشد . فطالما أن الإنسانية قد دخلت سن الرشد هذا يعني أن الله قد منحها جميع أنواع المعارف العامة ،لهذا وجب عليها منذ ذلك الوقت فصاعدا أن تقود نفسها بنفسها وأن تتوكل على الله لا أن تتواكل عليه لإنقاذها من كل خطأ تقوم به .فالذي حصل أنه مع بداية القرن /١٩/ توقفت العناية الإلهية والتي كانت موجودة في مرحلة الطفولة والمراهقة والتي كانت تتحكم في مصير الإنسانية عن طريق ظهور الأنبياء والمرسلين والحكماء والعلماء .

الحكمة الإلهية من طرد الإنسانية من الجنة كان هدفها تنقية تكوينها الروحي من جميع شوائب الخطيئة التي أخرجتها من الجنة ، وعبادة الله لا تعني عبادة ببغائية كما يتم تدريسها في كليات الشريعة ، فالعبادة بشكل عام تعني أن يسيطر العقل الباطني للإنسان على سلوكه ليجعله يسير نحو تحقيق الكمال . وتحقيق الكمال لا يأتي من أمة واحدة ولكن بتعاون جميع الأمم (...وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ...) . فأركان الإيمان هي أهم بكثير من أركان الإسلام ، لأن أركان الإسلام هي خاصة بالمسلمين وهي وسيلة من وسائل تحقيق أركان الإيمان . فأركان الإيمان هي نفسها في جميع الديانات العالمية والتي ذكرها الله في الآية القرآنية { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) البقرة} والمقصود بالعمل الصالح هنا أن يكون هذا العمل الصالح نحو جميع الناس كما يذكر الحديث الشريف (خير الناس أنفعهم للناس) . جميع الأنبياء والمرسلين والمنذرين كانوا مسلمين ، وكلمة (مسلم) في القرآن الكريم لا تعني فقط أتباع الدين الإسلامي ولكن أيضا أتباع الديانات العالمية . فأرقى ثورة حدثت في تاريخ البشرية هي الثورة الهندية ضد الإستعمار البريطاني والتي قادها زعيم هندوسي وليس زعيم مسلم وهو مهاتما غاندي ، فرغم أنه غير مسلم ولكن روحه (عقله الباطني) إعتمدت مبدأ الآية القرآنية {لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (٢٨) المائدة} . هذه الآية هي من أهم الآيات المحكمات ، أما آيات القتال المذكورة في القرآن والتي يعتمد عليها اليوم الكثير من المسلمين فهي من المتشابهات ، فهذه الآيات المتشابهات اليوم يجب أن تأخذ مفهوم الجهاد بالنفس عن طريق الصبر والتحمل وليس عن طريق الإرهاب وقتل الآخرين لأن الإنسان الكامل خالي من غريزة القتل . فهذه الغريزة ظهرت في التكوين الإنساني كنتيجة للخطيئة التي حدثت في الجنة . فالمعنى الفقهي لكلمة إسلام (هو الاستسلام لله، والخضوع له بفعل أوامره) الذي يستخدمه العلماء المسلمين هو تشويه للمعنى الحقيقي لهذه الكلمة ولهذا الدين ، فكلمة (إسلام) لغويا هي على وزن الكلمات (إعلام ، إفهام ، إقحام ، إعدام ... إلخ )، وأصل هذه الكلمات هو (علم ، فهم ، قحم ، عدم .... إلخ) ، فكلمة (إعلام) التي مصدرها (علم) تعني نشر المعلومات بين الناس ليكونوا على علم ومعرفة بما يحدث حولهم ، وأصل كلمة (إسلام) هو كلمة (سلم) ، فالمعنى الحقيقي لكلمة (إسلام) في القرآن هو نشر السلام بين الناس وبين الشعوب وفرضه على المؤمنين كونه أهم صفات الكمال . للأسف الكثير من المعاني الفقهية لكلمات القرآن التي وضعها بعض العلماء وسار عليها المسلمين بشكل أعمى كانت سببا في تشويه تعاليم الدين الإسلامي.

معظم المسلمين اليوم يعتقدون أن المسيح عندما يأتي سيحارب جميع الديانات غير الإسلام ليجعل جميع شعوب العالم تعتنق الدين الإسلامي . ومعظم المسيحيين اليوم يعتقدون أن المسيح عندما يأتي سيحارب جميع الديانات غير المسيحية ليجعل الديانة المسيحية ديانة جميع الشعوب ، واليهود يعتقدون بأن مخلصهم (المسيا) عندما يأتي سيجعل الدين اليهودي ديانة جميع الشعوب ، ومعظم الهندوسيين يعتقدون أن مخلصهم (كالكي المتجسد بفيشنو) عندما يأتي سيجعل جميع شعوب العالم تعتنق الهندوسية ، ومعظم البوذيين يعتقدون أن مخلصهم (بوذا الخامس) سيجعل البوذية ديانة جميع الشعوب .كل أمة تعتبر نفسها أمة الله المختارة ، وكأن أمتهم هي فقط التي خلقها الله أما بقية الأمم فهي من خلق الشيطان . ولهذا سقطت جميع الأمم في ضلال الأعور الدجال (٦٦٦) . فالذي ينتظر ظهور رجل أعور ، أو رجل مكتوب على جبينه الرقم (٦٦٦) ليحكم العالم ، هو أعمى البصيرة لأنه إعتمد على المعنى السطحي لنصوص كتبه الدينية . أما إذا حاول جميع علماء الأمم التعاون فيما بينهم لفهم حقيقة المسيح أو المخلص الذي سينقذ شعوب العالم من الظلم ، لتبين لهم بكل وضوح أن أعور الدجال الذي تنتظر قدومه جميع الأمم ليفسد العالم هو روح عالمية وليس شخصا له جسد . فأعور الدجال إذا ظهر اليوم كشخص ليقوم بهذا الدور سيجد نفسه عاطلا عن العمل لأن كل ما يريد تحقيقه قد تم تحقيقه من قِبل الآخرين . فروح السوء العالمية هذه قد ظهرت منذ منتصف القرن /١٩/ وراحت تعمل بشكل تدريجي لتغيير العالم . واليوم قد حققت جميع أهدافها ، فأتباع روح الأعور الدجال اليوم هم موجودون بكثرة في جميع شعوب العالم وفي جميع أنواع المعارف ، فجميع الكتب المدرسية اليوم في جميع دول العالم مكتوبة برؤية من نوعية رؤية الأعور الدجال حتى الكتب المدرسية الدينية لمختلف الديانات أصبحت خالية من نور الله . فجميعها تنمي روح التعصب : التعصب الديني التعصب المذهبي ، التعصب العرقي ، التعصب السياسي ، التعصب العلمي ، التعصب في كرة القدم ....إلخ . فجميع أنواع التعصب هذه هدفه خلق فوضى عشوائية عالمية مناقضة تماما لمعنى الآية الكريمة (.. وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ..).

الله عز وجل ذكر هذه الفترة الزمنية التي ستظهر فيها روح الأعور الدجال في سورة المدثر {لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ (٢٩) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (٣٠)} . والمقصود هنا هو القرن التاسع عشر، ولهذا فهذه الآية تحمل الرقم (٣٠) وهو رقم ترتيب سورة الروم ، والروم هنا هو رمز القسم الغربي من العالم الذي يسيطر على جميع شعوب العالم . بعد سورة المدثر في الترتيب تأتي سور القيامة والتي ترمز لبعث (المسيح - المهدي) الذي سيعيد الأمور إلى الصراط المستقيم الذي وضعه الله في مخططه الإلهي لتطور الإنسانية . ولهذا نجد في نهاية سورة الروم آية تتكلم عن يوم البعث {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (٥٥) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٥٦) الروم} . والمقصود بكلمة البعث هنا هو بعث روح أعور الدجال وكذلك بعث المسيح عليه السلام. وقيام الساعة في هذه السورة لا تعني نهاية العالم ولكن نهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة ، ولهذا كان رقم ترتيب سورة الروم (٣٠) هو رقم عدد آيات سورة الفجر والتي ترمز إلى بداية مرحلة مشرقة بعد نهاية مرحلة مظلمة فاشلة في تاريخ الإنسانية.

المشاكل التي تعاني منها الإنسانية اليوم وبفضل سيطرة تيار الفوضى الخلاقة قد وصلت إلى مستوى من التعقيد يفوق بكثير مقدرات العقل البشري ، ولا يمكن حلها إلا عن طريق التدخل الإلهي .

في المقالة القادمة إن شاء الله سنتكلم بشيء من التفصيل وبرؤية شاملة عن موضوع أعور الدجال و قوم يأجوج ومأجوج وكيف إستطاعوا السيطرة على جميع شعوب العالم في العصر الحديث .

وسوم: العدد 1034