العبث بالمفتين...
العبث بالمفتين...
ورضي الله عن سيدي ابن عباس يوم أجاب السائل عن دم البراغيث
أتابع باهتمام كبير، فضاءات الفتوى المنتشرة هذه الأيام على وسائل التواصل.
أتابع فضاءات الفتوى عند العلماء المسلمين، وكذا أفعل عند بعض الآباء المسيحيين.
متابعة الفتاوى تضعك في المدارات التي يعيش فيها السائلون والمسؤولون. وهي ترسم مدارات للاهتمامات الدينية والاجتماعية والفكرية للناس.
الفتاوى المعروضة على المفتين في عصرنا بشكل عام يغلب عليها طابع الاستشارات الاجتماعية، فهي استشارات أكثر منها طلب فتاوى. كما تعرض هذه الفتاوى أفق الاهتمامات التي يعيشها المجتمع، ويتخوف منها الناس، وطبيعة العلاقات الخفية من أنواع الكيد الذي تدور رحاه في الحياة الفردية في المجتمعات.
أستمع إلى أسئلة السائلين كما إلى أجوبة المجيبين.
وأستخلص من كل ذلك أن المفتين يحتاجون إلى ما هو أكثر من العلم، لكي يتصدروا على كراسي الافتاء العام.
من حقٍ أن يعلم المفتي، كما يعلم القاضي أن في المستفتين مراوغين، وصحيح أن الدارج على الألسنة أن "الفتوى على قدر النص" فإن من واجب المفتي أن يناقش المستفتي في النص الذي يعرضه. وأن يبحث ويفتش حتى يستخرج منه ما استطاع جوهر الحقيقة التي يحاول بعض المستفتين إخفاءها، أو تدليسها، لأنهم يريدون أن يخرجوا في النهاية إلى قول يتداولونه: سألت الشيخ فلانا فأفتاني، صحيح هو كلام لا يغني من الحق شيئا، ولكن الجميل في المفتي أن لا يقع في حبائل المستفتين المراوغين أو المدلسين أو أصحاب المآرب..
االأمر الذي حفزني على كتابة هذا التحذير من بعض الخبثاء وأهل الريبة، ولاسيما حين تكون الفتوى على الهواء أن يدسوا على المفتين أسئلة عن الفواحش والمنكرات، في صور وألفاظ يستحيا من ذكرها، تحت عنوان لا حياء في تعلم الدين، ثم تجد المفتي وقد تصبب عرقا، يحاول ان يخرج بأقل الخسائر مما حوصر فيه.
ولأهل الريبة في كل ما يأتون من هذا أغراض وأغراض..
وحين تكون الفتوى بالصوت والصورة تخرج إحداهن محجبة مبرقعة تقر على نفسها، أو على بعض من يليها في صور تخرجت من مدرسة إبليس، والمفتي في كل ذلك يتلقى المصيبة ويتكففها والشيطانة من وراء حجابها تبدئ وتعيد..
والصورة الثالثة من الصور التي تمر بين يدي المفتين، السؤال عن التوافه من الأمور، والإغراق في ذلك، ويفعل ذلك أصحاب البساطة ببساطتهم، وأهل العبث بعبثهم…
وتجد المفتي منهمكا في الجواب، يأخذ الأمر بجد، ولا يخطر بباله أن يوجه المستفتي أن المسلم أعقل من أن يسأل عن هذا..
وجاء في الروايات أن أهل العراق سألوا سيدنا ابن عباس في موسم الحج عن حكم دم البراغيث تقع على الثوب..!!
فتشاغل عنهم وعن جوابهم إلى شاعر الغزل عمر ابن الي ربيعة ينشده قصيدته
أمن آل نعم أنت غاد فمبكر
غداة غد أم رائح فمهجر
في أكثر من تسعين بيتا وفيها من صريح الغزل ما فيها…
وفي الرواية عن ابن عمر رضي الله عن عمر وعن ابنه، أنه سئل من عراقي عن المحرم يقتل البعوضة في الحرم؟؟
فأجاب: يا أهل العراق قتلتم ابن بنت رسول -صلى الله عليه وسلم-
وتسألون عن دم البعوضة!!
لعل في هذه الأجوبة يكون للمفتين بعض فقه وبعض أدب…
وسوم: العدد 1036