قتلة السادات والشاعر والجندي مجنّد محمد صلاح… والتهمة حيازة كاميرا!
أصل الحكاية ولد/ فارس ولا زيه
خد من بلال ندهته/ ومن النبي ضيه
ومن الحسين وقفته/ في محنته وزيه
هذه أبيات شعر، من قصيدة للشاعر أحمد فؤاد نجم، أحيتها واقعة الجندي مجند محمد صلاح، بطل موقعة الحدود، فتم استدعاؤها عبر كثيرين في وصف الجندي المصري الشجاع، وكأنها قيلت فيه، ولعل ما يدهش حقا أن المقصود بـ (الولد) فيها، هو الملازم أول خالد الإسلامبولي الذي قتل الرئيس السادات، وقد يُدهش الجيل الجديد إذا علم أنني استمعت اليها من شاعرها في قاعة جمال عبد الناصر الفسيحة في حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي، حزب اليسار في مصر!
ذلك بأن القوى السياسية باختلاف توجهاتها كانت ترى في اغتيال السادات عملا وطنيا، ولهذا احتشد المحامون المتطوعون من مختلف التيارات السياسية للدفاع عن من فعلوا ذلك، وعبر شاشة تلفزيونية عربية، مملوكة لحكومة البلد الذي تبث منه بطبيعة الحال، قال الفريق سعد الدين الشاذلي إن تلاميذه هم من اغتالوا السادات!
والأزمة هنا أن القوى السياسية المعادية لحكم جماعة الإخوان، في معرض بحثها عن مادة للهجوم على الرئيس مرسي، وجدت في حضور المقدم عبود الزمر، ضابط المخابرات الحربية السابق، للقصر الجمهوري في احتفال بذكرى أكتوبر/تشرين الأول، جريمة ارتكبها الرئيس، ومادة لحملة القصف الإعلامي له، فكيف يستقبل قتلة الرئيس السادات في القصر الرئاسي؟!
غياب الشرّاح للصورة
كانت الصورة تحتاج إلى من يشرحها للناس، لكن محمد مرسي كان يفتقد للشراح، فلم يكن بجانبه هيكل بالنسبة لعبد الناصر، وموسى صبري وأنيس منصور بالنسبة للسادات، والأمور في عهد مبارك كانت تسير بدعاء الوالدين، فلا صورة ولا شراح!
بدت الصورة كما كانت مصالحة وطنية، بحضور عبود الزمر، وقد قدمت الجماعة الإسلامية مراجعات انتهت فيها إلى الاعتذار عن جريمة مقتل الرئيس السادات. وحضرت السيدة جيهان السادات، كما حضرت حرم الفريق سعد الدين الشاذلي وكريمته، فيا لها من صورة بليغة، ضاع أثرها لعدم وجود الشارح، وفي أجواء معادية حيث توجد ترسانة إعلامية تقوم بالقصف الإعلامي ضد الرئيس المدني المنتخب آناء الليل وأطراف النهار، وظهرت القوى المدنية كما لو كانت تملك تراثا لإدانة اغتيال الرئيس، وقد كان إعلام الإخوان كَلّاً على مولاه، وعموما قيل لجحا عد غنمك، فقال: «واحدة قائمة والثانية نائمة»، فقد كانت لهم قناة تلفزيونية يتيمة، وفي البداية عرض أحد رجال الأعمال عليهم عبر رسول أبلغني بذلك، مشروع محطة تلفزيونية كبيرة يرصدون لها مبلغا معتبرا، وجاء الرد إنهم يعتذرون عن ذلك، وعندما اشتد الوطيس طلبوا من الرسول تذكير صاحب العرض بعرضه، فجاء الرد: فات الميعاد!
وفات الميعاد عندما لم تجد الأجيال الجديدة شعرا ينطبق على حالة محمد صلاح، أكثر تعبيرا من قصيدة أحمد فؤاد نجم، في خالد الإسلامبولي، لقد كتب الشاعر قصيدة مدح في قاتل السادات، ثم إنه لم ينبر دفاعا عن بطل قصيدته عندما استخدم لقاء الزمر أداة للهجوم على الإخوان، وقد كان وقتئذ على قيد الحياة، ومنحازا لفكرة الإطاحة بالحكم الإخواني، في حين أن كل القوى كانت تحتاج إلى اعتذار كالذي قدمته الجماعة الإسلامية في مراجعاتها، وعموما فإن المقدم أول عبود الزمر كان ضد فكرة الاغتيال لأنه كان مؤمنا بفكرة الثورة الشاملة، التي تشارك فيها الجماهير العريضة، وإن استسلم لضغوط شيخه محمد عبد السلام فرج صاحب كتاب «الفريضة الغائبة»، فقد كان مستهينا بقدرة مجرد ملازم أول على القيام بمهمة كبيرة كهذه، وعموما فمجتمع الحركة الإسلامية لم يدرس دراسة كافية، أو غير كافية، فالذين انخرطوا في الجماعة الإسلامية، جاءوا اليها بثقافة المجتمع، فترتيب الرتب العسكرية بين العسكريين فيها معمول به، والانحيازات القبلية بين أهل الصعيد (الصعايدة)، وسكان الوجه البحري (البحاروة) أيضا معمول به، فالأصل آدم والأم حواء هذه أناشيد!
القاهرة مصدر الخبر
وحتى لا نخرج عن الاختصاص الوظيفي لهذه الزاوية، فقد كانت واقعة الجندي مجند محمد صلاح كفيلة بأن تكون نقطة انطلاق حقيقية لقناة «القاهرة الإخبارية»، فهي تملك مالا يملكه غيرها، ولك أن تتصور لو أنها استغلت حالة إغلاق المجال على القنوات المنافسة، فذهبت للتغطية الكاملة، لكن أحيانا توجد وسائل إعلامية مقدر لها الوفاة المبكرة، والأمر ليس قاصرا على إعلام أهل الحكم في مصر، فالقناة التركية الناطقة باللغة العربية كذلك، تتغير الإدارة، ويستمر نفس الأداء المتواضع، وتتوقف عن البث استعدادا لانطلاقة جديدة، فتخرج أضعف مما كانت، وتتاح لها فرصة أن تكون محط أنظار المشاهدين، فتبددها، وعندما وقعت محاولة الانقلاب الفاشلة، كانت القناة قد حددت موعدا زمنيا للانطلاق الجديد، وكان الأمر يستدعي أن تنتهزها فرصة وتنطلق في التو واللحظة، والناس متعطشة لأي تفاصيل، لكنه النحس!
وعموما كيف لا تكون في الصدارة الآن، مع هذا الاهتمام العربي غير المسبوق بالانتخابات التركية، ولماذا تكون «الجزيرة» كما في كل مرة، فتحتشد في تركيا كما احتشدت في الانتخابات الأمريكية، بل إن وجها جديدا في «الجزيرة مباشر» هي رقية تشيليك، نجحت في بضعة أيام أن تكون وجها مألوفا للمشاهد، بما قدمته من الشارع التركي، ولم نتعرف على أمثال رقية في القناة التركية الموجهة لنا معشر العرب، يقولون إن تشيليك وافدة من القناة التركية، إنها إذن أزمة إدارة لا تحسن توظيف الطاقات.
إن «القاهرة الإخبارية» هي في الأخير أسيرة لقرار سياسي كان مرتبكا أيضا، وهو ما أدى إلى الامتناع عن التغطية في البداية، فكان الإعلام في العالم كله يتحدث عن الجندي المصري، إلا الإعلام المصري الذي تجاهل الأمر، ولعل الأمر مرتبط بسوء فهم لمصطلح التغطية، وأنه مأخوذ من المثل الشعبي «اكف على الخبر ماجور»، أو بتغطية الحدث بلحاف سميك!
اللافت أنه عندما سُمح بتناول الحدث من الاستوديو، فإن جنرالا هنا وواحدا هناك ظهرا يرددان الرواية الرسمية التي تجاوزتها الرواية الإسرائيلية، من أن الجندي كان يطارد مهربي مخدرات، لكن مصطفى الفقي، الضيف الدائم على شريف عامر في قناة «ام بي سي مصر»، أدان ما فعله الجندي المصري، من قتل لأفراد في الجيش الإسرائيلي، وقد تجاوز الراوية الرسمية وهو الرسمي على قاعدة «إذا فاتك الميري تمرغ في ترابه»، فكيف يدينه وهو كان يواجه مهربي المخدرات؟!
ثم يقولون بعد ذلك «القاهرة مصدر الخبر».
التهمة… حيازة كاميرا
حسنا فعل الصحافي في شبكة «الجزيرة» محمد بدر عندما وثّق تجربته في السجن في كتاب صدر مؤخرا عن دار «الأسرة العربية» في تركيا، حمل عنوان «التهمة… حيازة كاميرا». والكتاب يُقرأ من عنوانه، لكن مجهول العنوان الذي تحدث عنه بدر في كتابه على وعد بأن يكتب قصته الكاملة في كتاب آخر، هو «عم صلاح»، سجين الصدفة، الذي كانت حياته في الشارع ينام على عربته ليلا ويبتاع عليها بعض الخضروات نهارا، لكن تم القبض عليه ذات مظاهرة، ضد الانقلاب، وكانت تهمته إنه من الإخوان، والرجل رقيق الحال لا يعرف من هم الإخوان أو من يحكم مصر الآن! وتبلغ المأساة الإنسانية قمتها بموت «عم صلاح» في السجن، فلا يعرفون له عنوانا أو أسرة.
إن جريمة «محمد بدر» على غرابتها، قد تكون مفهومة فهو كمصور في «الجزيرة مباشر مصر»، كان يحمل كاميرا، وكان يقوم بتغطية مظاهرات اندلعت بعد الانقلاب على الرئيس المدني المنتخب، وفي ظل الاستبداد فإن حيازة الكاميرا، أو القلم والأوراق، هي أكبر من جريمة حيازة المخدرات، لكن ماذا فعل «عم صلاح»، الذي عندما ألقت قوات الأمن الباسلة عليه القبض، انصب كل اهتمامه على حماره، وبينما يسحبونه بقسوة إلى مصيره المحتوم، فإنه يلتفت خلفه ويخاطب من لا يعرف «خلوا بالكم من الحمار»! إصدار موفق.
وسوم: العدد 1037