معاوية بن أبي سفيان كما يراه معاوية بن أبي سفيان كما يراه الأستاذ عباس محمود العقاد

الكتاب: معاوية بن أبي سفيان كما يراه الأستاذ عباس محمود العقاد  "معاوية بن أبي سفيان"، مؤسسة هنداوي، 2017، صدر الكتاب سنة 1956، صدرت النسخة عن مؤسسة هنداوي سنة 2014، من 130صفحة.

ملاحظة:

العناوين الفرعية من وضع القارىء المتتبّع.

مظاهر قوّة معاوية ين أبي سفيان:

قال الأستاذ عباس محمود العقاد رحمة الله عليه، وأسكنه الفردوس: لم يكن أحد ينازع معاوية بن أبي سفيان في ملك الشام، ولم يكن يريد أن يتخلى عن ملكه، وكانت ولاية الشام في عهد معاوية بن أبي سفيان دولة مستقلّة بذاتها، باستثناء ماتطلبه بعض مظاهر الطاعة، وإعداد الجيوش. عكس سيّدنا علي بن أبي طالب الذي استلم ملكا نازعه فيه الكثير، ومن كلّ الجوانب.

أقول: ممّا فهمته من العقاد أنّه حين كان سيّدنا علي يصارع الفتن من كلّ النواحي، وفي كلّ حين، ومن عدّة أطراف. كان في الوقت نفسه معاوية بن أبي سفيان قد أتمّ ملكه في الشام، وثبّته، ورضي به الجميع. وهذا سرّ من أسرار قوّة دولته، وقدرته بتعبير العقاد.

أقول: يرى العقاد أنّ من عوامل قدرة معاوية والتي ساعدته في تثبيت ملكه، هي: الدهاء، والحلم، وعلو الهمة أو الطموح.

نقل الأستاذ العقاد رحمة الله عليه عن العرب قولهم: دهاة العرب أربعة: عمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وزياد بن أبيه، ومعاوية بن أبي سفيان.

يضيف العقاد: دهاء هؤلاء الثّلاثة هو الذي دفعهم للانضمام إلى معاوية بن أبي سفيان لأنّهم كانوا يبحثون عن ملك فوجدوه عنده، ولم يكونوا يبحثون عن خلافة لأنّها لم تكن عنده، وكان أقواهم، وسبقهم إلى الملك بعشرين سنة.

أقول: ليس من السهولة أن تستميل لصفّك ثلاثة من دهاة العرب إن لم تكن أدهاهم، وبغضّ النظر عن الوسائل والأسباب. وهذا ماقدر عليه معاوية بن أبي سفيان.

أقول: ممّا فهمته من العقاد، أنّ معاوية بن أبي سفيان استطاع أن يجذب إليه هؤلاء الدهاة لأنّه منحهم ماكانوا يبحثون عنه من مال، وقوّة، وحكم، ونفوذ وكلّ مالم يجدوه عند سيّدنا علي بن أبي طالب لأنّه لايستطيع أن يوفّر لهم مايتمنون، ويسعون إليه. فهو اتّفاق مصلحة لأجل تحقيق مصلحة، وسيّدنا علي بن أبي طالب لايمكنه تحقيق مصلحتهم لأنّه خليفة، وليس ملك والخلافة تخدم المصالح العامة، وليس الخاصّة.

قال العقاد: اعتمد دهاء معاوية بن أبي سفيان على المنح والعطاء لمن يتقرّب إليه من الدهاة.

أقول: يركزّ العقاد وبشكل واضح، وباستمرار على نقطة، وهي: من عوامل قوّة معاوية بن أبي سفيان، وتثبيت ملكه أنّ خصومه توفوا. بالإضافة إلى عوامل تاريخية، وعائلية، ونفسية، وحسن تدبير، وطول انتظار، وانفراد بالشام، ومحيط داعم، ورجال من طينة معاوية بن أبي سفيان، وموت منافسيه، ورفض منافسيه مشاركته وتقاسمه الملك، ولجوء بعض القادة الدهاة الكبار إليه، واستعانته بدهاة العرب، وربح الجوار وضمان المعادي له، واستعداد فطري، وركوب المخاطر، وعدم التردد، وعدم الرجوع إلى الوراء.

أقول: لم ينل معاوية بن أبي سفيان الملك بنفاق، ولا تملّق، ولا زلفى إنّما ناله لخصال فيه، وسمات ورثها عن الآباء والأجداد، وحسن اغتنامه للفرص، وإحاطته ببعض دهاة العرب، وطول حكمه، وضعف غيره، وموت منافسيه مبكرا.

أقول: لم يكن سيّدنا معاوية بن أبي سفيان يخشى الفتنة في ملكه بالشام، وكان يحسن التعامل معها، وبالطّريقة التي تناسب الوضعية.

قال: "تعلّم معاوية بن أبي سفيان القراءة والكتابة، والحساب وكان يكتب لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ولايعتبر من كتبة الوحي لأنّه لايحفظ القرآن الكريم. ولو كان حافظا، ومن كتبة الوحي لاستعان به سيّدنا عثمان بن عفان وهو من قرابته حين شرع في جمع القرآن الكريم.

قال: "كان معاوية بليغا، وملما بأشعار العرب، وأيّامهم، والأمم الغابرة. وكان يتكلّم مرتجلاً فيحسن الجواب في مقامه".

قال: "نشأ معاوية في الجاهلية نشأة أبناء أصحاب الرئاسة، وتعلّم ما يتعلّمونه، وتدرّب على دربتهم التي ألفوها، إلا أنه كان إلى تربية التجارة والتدبير أدنى منه إلى تربية الفروسية والنضال".

قال: امتازت الشام عن العراق بالاستقرار الذي أقامه معاوية بالتدريج، وبالاستعانة بكبار القادة كسيّدنا عبيدة بن أبي الجراح، وعبد الرحمن بن خالد.

قال: "لم يكن معاوية في شأن الحكم مفرطًا، أو عاجزًا؛ فلم يضيِّع ما تمهد له بعجلة لا تؤمن عاقبتها، أو بتقصير عن الفرصة في أوانها، وكان له دهاء وحلم، وكان فيه طموح واعتداد بالنفس وسمة من سمات الرئاسة، وكان له من كل أولئك قدره الذي أعانه على مقصده، فكان في يديه من الأموال والجند وسلطان الولاية ما لم يكن في يدي أحد من نظرائه ومنازعيه".

معاوية بن أبي سفيان القدير، وليس العظيم:

قال في أوّل سطر من الفصل الأوّل بعد المقدّمة مباشرة، وبالحرف: "رأس الدولة الأموية كان رجلا قديرا، ولكنه لم يكن بالرجل العظيم". أقول: يريد العقاد أن يقول: معاوية بن أبي سفيان قدير لكنّه ليس عظيم.

أقول: ممّا فهمته من العقاد، أنّ معاوية بن أبي سفيان لم يعارض يوما، وأبدا، ومطلقا مصلحته الذاتية وتلك طبيعة البشر ولا يلام عليها. لكنّه عارض، وفي أحيان كثيرة المصلحة العامة. ومن هنا قال العقاد، وبالحرف: "معاوية بن أبي سفيان كان رجلا قديرا ولكنه لم يكن بالرجل العظيم".

الجذور التّاريخية لقوّة بني أمية، ومعاوية بن أبي سفيان:

يذكر العقاد في الفصل الثّاني، أنّ بني أمية في الجاهلية هاجروا إلى الشام ومكثوا فيها عشر سنين، وبنو أمية كانوا يحمون قوافل قريش في رحلتي الشتاء والصيف، وكان لهم اللّواء الخاص بحماية القوافل.

أقول: نشأ بنو أمية على الرئاسة، والريادة، والقيادة ولم يقبلوا رئاسة، وريادة، وقيادة بني هاشم وهم من هم في السؤدد والعظمة، ومعاوية بن أبي سفيان واحد من بني أمية لم يقبل أن ينافسه أحد في ملكه.

قال العقاد: "ولا شكّ أن معاوية قد أقام فخره على سمعة قديمة في بيته من بيوت بني أمية".

قال العقاد: كانت بيوت بني أمية التي نشأت في الرئاسة تدرّب أبناءها على نظام يشبه النظام العسكري. ويكون ذلك إمّا بأنفسهم إن كانوا في البادية، أو عبر مربي إن كانوا في المدن.

أقول: ممّا فهمته من الكتاب أنّ معاوية بن أبي سفيان كان في صراع داخلي بين نفس أموية تربت على السّيادة، والرئاسة، والميل للدنيا ومفاخرها وبين الدين الذي يكبحه، ويشدّه.

أقول: قبلت الرعية بمعاوية بن أبي سفيان ملكا، وليس خليفة. وكان يعمل لذلك، ويرسّخه.

أقول: عرف عن بني أمية الدهاء، والسياسة، والحكم ولم تعرف عنهم الشجاعة. فلا عجب إن تشبّه معاوية بن أبي سفيان بآبائه، وأجداده.

معاوية بن أبي سفيان بين أسيادنا عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان:

أقول: يرى الأستاذ عباس محمود العقاد في مقدمته: أنّ الخلافة على طريقة أسيادنا الصّدّيق، وعمر بن الخطاب رحمة الله ورضوان الله عليهما، ماكان لها أن تدوم لأنّه -حسب العقاد-، لم يعد النّاس في مستوى عظمة العملاقين، ولم يعد يطيقون تحمّل تلك العظمة، والرّفعة، والسّمو.

أقول: يريد العقاد أن يقول -حسب قراءتي-، سيطرة بني أمية على الشام أمر طبيعي، وسيطرة سيّدنا معاوية بن أبي سفيان تمتد لعقود طويلة سابقة، وضاربة في العمق حين كان آباؤه، وأجداده يسافرون للشام، ويقيمون علاقات مع أهل الشام، وجيرانهم.

أقول: ممّا فهمته من العقاد، أنّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يختار الوالي صاحب الكفاءة، ويرسل حاكما باسمه لشعب يحبه ويرضاه، فيكون التوافق والنجاح. وعمل بهذه السنة النبوية أسيادنا الصّدّيق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان فجعلوا على الشام ولاة من بني أمية لكفاءتهم، وحب النّاس لهم، ورضاهم عنه ولذلك نجحوا كولاة في تسيير الشام، ومنهم معاوية بن أبي سفيان، بالإضافة إلى عوامل أخرى كطول فترة معاوية بن أبي سفسان في الشام.  

أقول: ممّا فهمته من العقاد أنّ معاوية بن أبي سفيان حين كان واليا على الشام في عهد سيّدنا عمر بن الخطاب، كان سيّدنا عمر بن الخطاب يحاسبه باستمرار، ويخشى سيّدنا معاوية بن أبي سفيان محاسبته له. لكنّه لم يعد يخشى سيّدنا عثمان بن عفان حين تولى الخلافة.

قال العقاد وبأسلوبي: رغم التقارير التي كانت تصل لسيّدنا عثمان بن عفان بشأن واليه في الشام معاوية بن أبي سفيان، كان سيّدنا عثمان بن عفان يرفض عزله لكفاءته، ولحب النّاس له، وقد ارتضوه حاكما.

أقول: نقل العقاد روايات عن زهو معاوية بن أبي سفيان بملبسه، وثرائه. ولم يكن سيّدنا عمر بن الخطاب يعجبه ذلك، لكنّه كان معجب بحسن تسيير سيّدنا معاوية لشؤون الحكم.

قال: "كانت أبهة المواكب من دأب معاوية"، وقد عنّفه سيّدنا عمر بن الخطاب في ذلك.

قال: كلّ المشورة التي أشار بها سيّدنا معاوية بن أبي سفيان لسيّدنا عثمان بن عفان كانت تخدم مصالح سيّدنا معاوية بن أبي سفيان.

قال: لم تشكو الرعية من سيّدنا معاوية بن أبي سفيان أثناء ولايته للشام في عهد سيّدنا عمر بن الخطاب. لكن اشتكوا منه في عهد سيّدنا عثمان بن عفان.

أقول: ممّا فهمته من الكتاب أنّ العقاد يلوم سيّدنا عثمان بن عفان لأنّ معاوية عرض عليه أربعة آلاف من جنوده يحرسونه من المشاغبين -بتعبير العقاد-. وبالتّالي لايلام معاوية بن أبي سفيان على مقتل سيّدنا عثمان بن عفان لأنّه لم يأخذ بمشورته في هذه النقطة.

أقول: ممّا فهمته من الكتاب أنّ معاوية بن أبي سفيان طالب بالقصاص لدم سيّدنا عثمان بن عفان للتمكين لملكه، ثم خفت صوته، وأصبح يرى قتلة سيّدنا عثمان ويتركهم.

أقول: ممّا فهمته من الكتاب، أنّ معاوية بن أبي سفيان ظلّ يطالب بدم سيّدنا عثمان لتثبيت ملكه، لأنّه كان يفتقر للحجة.

قال: امتاز جيش معاوية بن أبي سفيان بالطاعة، والنظام. وافتقر جيش سيّدنا الحسن للطاعة، والنظام.

سيّدنا علي بن أبي طالب، وسيّدنا الحسن، ومعاوية بن أبي سفيان:

قال العقاد وبالحرف: "لن يكون ملكا بأدوات خليفة، ولا خليفة بأدوات ملك".

قال العقاد: كان مجتمع المدينة يطالب سيّدنا علي بن أبي طالب أن يكون مثل أسيادنا الصّدّيق وعمر بن الخطاب، ولم يكن في مقدوره فعل ذلك. ومجتمع الشام لم يكن يطلب ذلك من معاوية بن أبي سفيان.

أقول: واضح جدّا، أنّ هناك خلافة يحلم بها أهل المدينة على يد سيّدنا علي بن أبي طالب، وملكا تحقّق لأهل الشام على يد معاوية بن أبي سفيان.

قال العقاد: لم يكن باستطاعة سيّدنا علي بن أبي طالب أن يقاتل معاوية بن أبي سفيان. ولم يكن في نية معاوية بن أبي سفيان التخلي عن الحكم. فالصراع إذن بين خلافة وملك، وبين خليفة وملك.

أقول: لاينطلق العقاد من زاوية هذا أحقّ بالخلافة من ذاك، إنّما ينطلق من أسباب، وظروف، ورجال ساهمت في صعود فلان وسيطرته، وساهمت في عدم صعود الآخر وعدم سيطرته.

أقول: تسليم سيّدنا الحسن بن سيّدنا علي بن أبي طالب الخلافة لسيّدنا معاوية بن أبي سفيان كان برضا سيّدنا الحسن ولم يكن أبدا، ومطلقا بدهاء من معاوية بن أبي سفيان لأنّه يعلم علم اليقين أنّ سيّدنا الحسن لايريد ملكا، ولا يطمع في دنيا، ولا يشترى بالمنح والعطايا.

أقول: ممّا فهمته من الكتاب أنّ سيّدنا معاوية بن أبي سفيان وهو داهية العرب، ومحاط بدهاة العرب لم يستعمل الدهاء مع سيّدنا علي بن أبي طالب، ولا سيّدنا الحسن لأنّه كان يقدّرهم، ويحترمهم، ولا ينافسهم في مكانتهم العالية الشّريفة، ويقرّ لهم بفضلهم، وشرفهم، ومكانتهم.

قال: كان معاوية بن أبي سفيان يقول لأسيادنا علي بن أبي طالب والحسن بن علي: "إن لم أكن خيركم فأنا خيركم لدنياكم".

أقول: لم ينافس معاوية بن أبي سفيان، سيّدنا علي بن أبي طالب في الشجاعة، والعبادة، والتقوى. فهو رجل يعرف قدر نفسه، وقدر سيّدنا علي بن أبي طالب، لكنّه كان يفاخر بما رزق من دهاء، وحلم.

أقول: ممّا فهمته من الكتاب أنّ معاوية بن أبي سفيان عاش مع مجموعة من أسيادنا الصحابة، وآل البيت، وأبنائهم. وهؤلاء جميعا لايداهنون، ولا يتملّقون، ولا يمارسون التقية، وكانوا يواجهونه علانية، وفي مجلسه ولم يردهم، ولا أساء إليهم، بل أقرّ ماشهدوا به من فضل سيّدنا علي بن أبي طالب.

أقول: لايمكن لمعاوية بن أبي سفيان أن يشتم سيّدنا علي بن أبي طالب، ولا يمكنه أن يقدم على السبّ، والشتم. مع العلم، كانوا يمدحون سيّدنا علي بن أبي طالب في مجلسه، ويقرّهم على ذلك. ولم ينافس يوما سيّدنا علي في منزلته، وشرفه.

نقل العقاد عن معاوية في أواخر حياته، قوله: "إني لست أخاف من قريش إلا ثلاثة: الحسن بن علي، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر".

معاوية بن أبي سفيان بين الحلم، والدهاء:

جاء في فصل "الحلم"، أنّ سيّدنا معاوية بن أبي سفيان "كان يفاخر خاصّته بالدهاء بينه وبينهم، ولكنه لم يفخر بالدهاء علانية كما كان يفخر بالحلم والأناة".

قال: "إنّي لاأحول بين النّاس وألسنتهم، مالم يحولوا بيننا وبين ملكنا".

أقول: ممّا فهمته من الكتاب: هناك خطّ واضح رسمه معاوية بن أبي سفيان لنفسه، ومقرّبيه، ومنافسيه، وأعدائه وهو: لاننافسكم فيما بين أيديكم من شرف، ومكانة، ونقرّ لكم بذلك. لكن لن نقبل من أحد أن ينافسنا الملك، أو يقترب منه بسوء ولو كان الشريف، والإبن، والزوج، والمقرّب.

أقول: ليثبت العقاد فضيلة الحلم لدى معاوية بن أبي سفيان ذكر قصصا واقعية تعرّض فيها سيّدنا معاوية بن أبي سفيان للشتم، ومدحوا أمامه سيّدنا علي بن أبي طالب فعفا عنهم أجمعين، وأجزل لهم العطاء، وقضى حوائجهم للحلم الذي اتّصف به، ولتقديره لسيّدنا علي بن أبي طالب.

قال العقاد: امتاز سيّدنا معاوية بن أبي سفيان بطول الأناة، وبطء الغضب.

أقول: ممّا فهمته من الكتاب، أنّ خصال معاوية بن أبي سفيان كالحلم، والأناة، والبطء

في الغضب كانت عن قوّة، وليس عن ضعف.

العقاد يعاتب معاوية بن أبي سفيان لقتله حجر بن عدي:

قال العقاد: "ذلك الحادث هو مقتل حجر بن عدي وأصحابه لغير ضرورة عاجلة، ولا مصلحة آجلة".

أقول: يعاتب العقاد معاوية بن أبي سفيان قتله لسيّدنا عدي بن حجر، ويرى أنّه لم تكن هناك ضرورة، ولا مصلحة لقتله.

قال العقاد وهو ينقل عن سيّدنا معاوية بن أبي سفيان قوله: "إذا شدّ الناس شعرة أرخيتها، وإذا أرخوها شددتها". أو قوله: "إذا طرتم قعدنا، وإذا قعدتم طرنا". أو قوله لزياد: "كن أنت للشدة ولأكن أنا للين".

قال العقاد عن معاوية بن أبي سفيان: "لقد كان في الرجل مشابهة للجمل الصبور، ولم تكن فيه مشابهة للأسد الهصور".

أقول: ممّا توصّلت إليه، أنّ العقاد وهو يعاتب معاوية بن أبي سفيان لقتله سيّدنا حجر بن عدي وصحبه، وكأنّه يقول له: أين كان حلمك؟ أين كان صبرك؟ أين كان عدم غضبك؟ كيف تفعل هذا وأنت الذي اتّصفت بهذه الصفات؟.

عظمة الأستاذ عباس محمود العقاد:

أقول: أحسن العقاد حين ردّ اتّهام رواية أسيادنا الطبري، وابن الأثير معاوية بن أبي سفيان بقتل خصومه بالسمّ. وسيّدنا معاوية بن أبي سفيان أقدر، وأعظم من أن يدسّ السّمّ لغيره. وأخطأ أسيادنا الطبري، وابن الأثير حين نقلا ذلك.

أقول: امتاز العقاد عن غيره من علماء السيرة النبوية، والتراجم في كونه يعود بالشخصيات إلى جذورها، وماضيها ليعرف سرّ سلوكاتها المختلفة من زاوية المحاسن والمساوئ. ولا أعرف -فيما قرأت، ولغاية هذه الأسطر-، أنّ أحدا نافسه في هذه النظرة، ولا أراني أبالغ إذا قلت -ولغاية هذه الأسطر-، أنّه تفوّق عليهم جميعا، وتميّز، وتفرّد في الرجوع بالشخصية إلى ماضيها، وبغضّ النظر عن موافقته، أو مخالفته فيما استنتجه، وتوصّل إليه.

أخطأ الأستاذ عباس محمود العقاد:

أقول: أخالف العقاد بشأن رواية رفع المصاحف لضخامة المصحف يومها، ولقلّته، وبأنّه عبارة عن أوراق متناثرة.

وسوم: العدد 1052