سلسلة المرأة كما قدمها القرآن الكريم من خلال نماذج لن تشذ عنها بنات حواء إلى قيام الساعة ( الحلقة الرابعة )

من النساء الوارد ذكرهن في القرآن الكريم زوجة نبي الله إبراهيم الخليل، وزوجة نبي الله زكرياء عليهما السلام. وما يجمع بين هاتين الزوجتين أنهما ولدتا نبيين كريمين، حيث ولدت زوج إبراهيم نبي الله إسحاق ، وولدت زوج زكرياء نبي الله يحيى ، بعد عقمهما وشيخوختهما، فضلا عن شيخوخة الزوجيين النبيين .

ولقد ورد ذكر زوج إبراهيم الخليل في قوله تعالى : (( ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط وامرأة قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب قالت يا ويلتا أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد )) ، ففي هذه الآيات الكريمة خبر تعجب امرأة الخليل عليه السلام من البشارة التي بشره بها الملائكة ، ويتعلق الأمر بهبة  له هو إسحاق عليه السلام،  يرزقانه وهما في سن الشيخوخة خلافا لسنة الله المعهودة  في خلقه . ولقد ضحكت امرأة الخليل عليه السلام لما سمعت بهذه البشارة تعجبا من غرابتها، لأنها  غير مألوفة في حياة البشر  ، وهي خرق للعادة لكنها أخبرت بأن الله عز وجل فعّال لما يريد الشيء الذي يبطل معه العجب . ولقد كانت هذه البشارة غريبة لأنها لم تقتصر على التبشير بالولد فقط ،بل بالحفيد أيضا، وهو يعقوب عليه السلام ، وفي هذا إشارة إلى إنعام الله تعالى على الخليل وزوجه بطول العمر إلى غاية إدراك ولادة حفيد  لهما يكون نبيا هو الآخر . ومما زاد من عجب امرأة الخليل عليه السلام أنها كانت إلى جانب كبر سنها  عقيما كما جاء في قوله تعالى : (( فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم قالوا كذلك قال ربك إنه هو الحكيم العليم )) ، وحق لامرأة عجوز عقيم أن تضحك من إخبارها بالولادة  ، ولها عذر إن  صرخت ،وتلطمت وجهها من شدة العجب من أمر الله تعالى الخارق  للعادة إلا أنها اخبرت من الملائكته بأنه لا وجه للعجب والله تعالى حكيم عليم وحميد مجيد سبحانه وتعالى وتقدس اسمه  .

كما ورد ذكر امرأة زكرياء  في قوله تعالى : (( فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيّدا وحصورا ونبيا من الصالحين قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر قال كذلك الله يفعل ما يشاء )) ، ففي هاتين الآيتين إشارة إلى عقم امرأة زكرياء عليه السلام بشهادة زوجها ، وكان شأنها في ذلك شأن امرأة الخليل عليه السلام شيخوخة وعقم ، ولا شك أنها تعجبت هي الأخرى من أمر الله تعالى لأن  اجتماع الشيخوخة والعقم  يجعلان  الحمل  في حكم المستحيل إلا ما شاء الله تعالى الذي لا يعجزه شيء، لأنه المسبب وخالق الأسباب ، والقادر على كل شيء بقول كن قيكون .

ولقد ذكر الله تعالى امرأة الخليل وامرأة زكرياء عليهما السلام  في قرآن كريم يتلى إلى  يوم القيامة لتكونا معا إسوة لنساء العالمين كما هو شأن كل النماذج النسائية الصالحة المذكورة فيه بغرض الاقتداء بها  . ولن تشذ المؤمنات إلى قيام الساعة من أن يقتدين بهاتين الزوجتين الصالحتين اللتين ابتلاهما الله تعالى بعقم ، وشيخوخة، فصبرتا واحتسبتا ، وكان جزاؤهما أن وهب لهما الله تعالى ولدين نبيين كريمين، لأن الله تعالى مع علمه السابق بخلقه ، لا يجازي محسنا ولا مسيئا وهو أعلم بهما قبل أن يبتليهما ، ويقيم الحجة عليهما بأفعالهما المعلومة عنده قبل أن تصدر عنهما ، وعليه فإن الله تعالى العالم بصبر امرأة الخليل وامرأة زكرياء عليهما السلام كافأهما وزوجيهما بأعظم جائزة على الإطلاق .

وما يجب أن تتأسى به المؤمنات إلى قيام الساعة من هذين النموذجين، هو التشبه بهما في صبرهما على عظيم البلاء الذي لا تطيقه النفس البشرية لضعف متأصل فيها واحتسابهما  . وعلى كل مؤمنة ابتليت بعقم أن تصبر وتحتسب، لأن الله تعالى لن يضيع أجرها . ولئن كان سبحانه وتعالى قد وهب زوجتي الخليل وزكرياء الولد بعد شيخوخة وعقم ،وكانت حكمته سبحانه من وراء ذلك إظهار قدرته، وهو الخالق الذي لا يعجزه شيء ، فإن كثيرات هن النساء اللواتي ظنن العقم بأنفسهن ، فرزقهن سبحانه الذرية بعد حين  جزاء لهن على صبرهن واحتسابهن . وإذا ما قضى الله تعالى بعقم غيرهن ، وكن من الصابرات المحتسبات، فقد أعد  لهن أجرا عظيما في حياة الخلد . وهذا ما يجب أن تقتنع به كل مؤمنة ابتليت بعقم قناعة راسخة لا تتزحزح قيد أنمة.

وإذا ما تعين على المؤمنات اللواتي يبتين بالعقم الصبر على ذلك ، فيجب عليهن ألا يعترضن على زواج أزواجهن بغيرهن تأسيا بامرأة الخليل عليه السلام الذي أنجبت له هاجر النبي إسماعيل عليه السلام قبل أن  تنجب له سارة إسحاق، ومن ورائه يعقوب عليهما السلام . وما ورد في كتاب الله عز وجل أن سارة اعترضت على زواج الخليل عليه السلام بهاجر ، كما تفعل بعض المؤمنات العواقر . ومقابل صبر المؤمنات العواقر على بلائهن ، يتعين على أزواجهن ألا يتخلون عليهن ، لأن الخليل وزكرياء عليهما السلام لم يفعلا ذلك، بل عاشرا الزوجتين العاقرتين بالحسنى إلى بلوغهن سن الشيخوخة ، والله تعالى جعل رسله عليهم الصلاة والسلام أجمعين قدوة للمؤمنين ، ومن ذلك قوله عز من قائل : (( قد كانت لكم إسوة حسنة  في إبراهيم والذين معه )) .

وما قيل عن صبر الأزواج  المؤمنين على عقم العواقم من الزيجات المؤمنات  ، يقال أيضا عن صبرهم  على يبتلين منهن بعلل وأمراض، لكن يجب عليهن ألا تعترضن على زواجهم إذا ما كانت حاجتهم إلى ذرية.

وسوم: العدد 1054