ما الذي استفادته المقاومة والشعب الفلسطيني في غزة من الرد الإيراني على قصف الكيان الصهيوني قنصليتها في سوريا ؟؟
تابعت شعوب العالم وعلى رأسها الشعوب العربية والإسلامية ليلة أمس عملية تسيير إيران مسيرات ، وإطلاقها صواريخ في اتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة، ردا على قصف الكيان الصهيوني قنصليتها في سوريا .
وخلافا لما جرت به العادة في أي هجوم عسكري بين طرفين خصمين بحيث يحاط بكامل السرية ، أعلنت وسائل الإعلام أن إيران قد صرحت بانطلاق مسيراتها وصواريخها نحو أهدافها . وظل المتابعون لهذا الحدث ينتظرون وصولها لساعات ، وقد رصدت لها قوات الحلف الأطلسي بزعامة الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين ما يتصدى لها من أسلحة جوية، وبرية، وبحرية موجودة في قواعدها العسكرية في دول الخليج ، وفي دول عربية ، وغير عربية في منطقة الشرق الأوسط . ومع وصول المسيرات والصواريخ بدأت وسائل الإعلام العالمية تتحدث عن عمليات التصدي لها من طرف الولايات المتحدة وبريطانيا والكيان الصهيوني ، إلى جانب ما خفي من التصدي مما سكتت عنه الإعلام . وبدأ بعد ذلك الشجب الغربي لتسيير المسيرات والصواريخ الإيرانية حيث سارعت إليه بريطانيا، وفرنسا ،ودول أوروبية أخرى ، فضلا عن الشجب الأمريكي .
وظل الرأي العالم العالمي والعربي تحديدا يترقب نتائج وصول ما سُيّر من إيران ومن العراق ، ومن اليمن نحو الأراضي الفلسطينية المحتلة ، لكن ما كشف عنه الإعلام هو أصوات صفارات الإنذار المدوية في القدس وتل أبيب ، وأضواء في سمائهما قيل عنها مرة أنها المسيرات والصواريخ الإيرانية ، ومرة أخرى أنها قذائف القبب الحديدية المدمرة لها . ولم تنقل وسائل الإعلام أية مشاهد لسقوط تلك المسيرات وتلك الصواريخ ، ولا مشاهد لآثارها المادية على أرض الواقع . وفجأة أعلنت إيران أنها قد أوقفت هجومها ، و أنها لن تسير المزيد من مسيراتها ، والمزيد من إطلاق صواريخها ، متوعدة بالرد على أي رد مقابل يصدرعن الكيان الصهيوني .
ولما أصبحنا سمعنا أخبار عن تدمير أغلب تلك المسيرات والصواريخ من طرف الحلف الأطلسي قبل وصولها إلى فلسطين ، وعن تدمير ما وصل منها أيضا في سمائها من طرف الصهاينة . ولقد قدمت بعض وسائل الإعلام أرقاما لتلك المسيرات وتلك الصواريخ مع ذكر النسب المئوية لتدميرها . و بهذه النتيجة انتهت مسرحية أحداث إطلاق المسيرات والصواريخ الإيرانية ، وكثرت تحليلات وتعليقات المحللين والمعلقين عليها ، مع اختلاف بينهم بخصوص ما ترتب عنها حيث اعتبرها البعض إنجازات ، واعتبرها آخرون مجرد مناورات. وراجت أخبار مفادها أن الولايات المتحدة قد نصحت الكيان الصهيوني بعدم الرد على إيران تجنبا للتصعيد في المنطقة ، وكأن النتيجة بينهما كانت تعادلا حيث كان مقابل تدمير القنصلية هو تسيير مئات المسيرات، وإطلاق مئات الصواريخ معظمها قد اعترض و دُمّر حسب الرواية الأطلسية والصهيونية. ودون تعليق على ما لم يكشف عنه النقاب إعلاميا على أرض الواقع ، نتساءل ما الذي استفادته المقاومة الفلسطينية وشعبها المحاصر، مما قامت به إيران خصوصا والقصف الصهيوني لا يتوقف عنه جوا وبرا وبحرا ؟؟؟ والجواب عن هذا السؤال هو أن الكيان الصهيوني قد تحول في لحظات وجيزة من جلاد إلى ضحية بعدما كان محل إدانة عالمية على جرائم الإبادة الجماعية الفظيعة التي يرتكبها في حق أهل غزة المحاصرين والمجوعين ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى أن الإدارة الأمريكية كانت توهم الرأي العام العالمي بأنها ستراجع قرار تزويد الكيان الإجرامي بالمزيد من الأسلحة التي يبيد بها الشعب الفلسطيني ، وفجأة صارت الأسلحة الأمريكية والبريطانية وغيرها في خدمته ، وقد كفته متاعب التصدي للمسيرات والصواريخ الإيرانية . ولا شك أن التلويح بتقنين تصدير الأسلحة إليه قد تبخر ، وأن طائرات وسفن شحنها إليه ستتحرك من جديد ، وإن كان أغلب الظن أنها لم تتوقف للحظة واحدة ، وأن الحديث عن وقفها كان مجرد ذر للرماد في العيون ، وتغطية على المشاركة الفعلية للإدارة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين في جرائم الإبادة الجماعية . ولقد تناسى الغرب في طرفة عين جرائم الكيان الصهيوني النازي التي كان يتظاهر بالأسف على حدوثها ، وقد عبر بأشد عبارات التنديد بما أقدمت عليه إيران ، وجدد التزامه القوي بأمن الكيان الصهيوني الذي يعتبره خطا أحمر . ولا شك أن ما حدث سيعطي الإعلام الغربي فرصة جديدة لإجهاض تعاطف شعوب العالم بما فيها الشعوب الغربية مع الشعب الفلسطيني الضحية ، وسيرجح كفة الكيان الصهيوني الذي تحول فجأة من جلاد إلى ضحية .
والسؤال المطروح الآن : هل فكرت إيران في حجم الخسارة التي ألحقتها بالمقاومة الفلسطينية؟ ليس بتسيير المسيرات وإطلاق الصواريخ فقط ليلة أمس، بل منذ السابع من أكتوبر حين حشرت أنفها في شأن المقاومة الفلسطينية من خلال جبهاتها في لبنان، واليمن، والعراق عن طريق ما سماه البعض ألعابا نارية سخيفة بينها ، وبين الكيان الصهيوني عوض الدخول الفعلي في حرب حقيقية وضارية معه ، من شأنها أن تدعم ، وتكمل ما تنجزه المقاومة الفلسطينية من انتصارات دوخت الكيان الصهيوني وحلفاءه .
والراجح أن إيران لا يعنيها شأن المقاومة الفلسطينية ، ولا الحصار الرهيب المضروب على الشعب الفلسطيني في غزة ،بل كل ما يعنيها هي مصالحها ، وهي على اتصال دائم مع الإدارة الأمريكية بخصوصها ،علما بأنها مصالح مشتركة ، أو مصالح أخذ وعطاء بينهما على حساب القضية الفلسطينية. ولقد سبق للرئيس الأمريكي السابق أن فضح ما كان بينه وبين إيران في السابق من تفاهم حول أساليب رد إيران على مقتل أحد قادتها وبعض علمائها النووين حيث أُخليت مواقع وجود القوات الأمريكية في العراق وقد أعلن مسبقا استهدافها. وما حدث بين القيادة الإيرانية وبين الإدارة الأمريكية السابقة ، هو نفس ما حدث أمس بينها وبين الرئيس الأمريكي الحالي ، وهو تحديد الرد وحصره، لتنتهي المسرحية الهزلية نهاية سعيدة بالنسبة للكيان الصهيوني الذي تهيأت لها حماية من المسيرات والصواريخ الإيرانية ، وهي حماية مدفوعة الأجر من جهات ممولة معلومة من أجل أن يزيد في تعميق مأساة الشعب الفلسطيني الذي صار حاله كحال الأيتام في مأدبة اللئام على حد قول القائد المسلم طارق بن زياد رحمة الله عليه .
وأخيرا نقول للشعب الفلسطيني لك الله ، وكفى به وليا ونصيرا .
وسوم: العدد 1076