نظام الأسد لا يملك ما يقدمه لأحد
يبدو وكأن الحماس التركي لتطبيع العلاقات مع نظام بشار الأسد قد فتر بعض الشيء، فلم تصدر تصريحات جديدة من أردوغان بشأن دعوة «نظيره» السوري إلى أنقرة. بدلاً من ذلك صدر نفي رسمي من وزارة الخارجية التركية لخبر أسندته صحيفة «تركيا» المقربة من الحكومة إلى مصادر لم تحددها، فحواه أن اللقاء المرتقب بين أردوغان والأسد سيتم في موسكو، في شهر آب المقبل، بمشاركة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
نظام الأسد غير المتحمس أصلاً لهذا اللقاء «المرتقب» واصل «إصلاحاته» من خلال إجرائه لانتخابات «مجلس الشعب» في موعدها المقرر، بمعدل مشاركة منخفض من الناخبين لم تصل، وفقاً للأرقام الرسمية، إلى 40٪، ولا نعرف هل تم احتساب هذه النسبة بالقياس إلى عدد من يحق لهم الانتخاب في مناطق سيطرة النظام فقط أم بالقياس إلى العدد الكلي الذي يتوزع اليوم بين مناطق قوى الأمر الواقع داخل الحدود الدولية المعترف بها لسوريا وخارجها في دول الشتات في القارات الخمس. علماً بأن محافظة السويداء قد قاطعت تلك الانتخابات بنسبة عالية جداً، وكذلك محافظة درعا المجاورة إلى حد كبير، ومنعت قوات سوريا الديمقراطية إجراء الانتخابات في مناطق سيطرتها، في حين لم توضع صناديق اقتراع أصلاً في مناطق سيطرة القوات التركية ومناطق سيطرة هيئة تحرير الشام.
وقال رأس النظام، بعد إدلائه بصوته في أحد مراكز الاقتراع، إن مرحلة تعديل الدستور قد «أصبحت وراءنا» في إشارة صريحة إلى رفض أي تغيير سياسي وفقاً لقرار مجلس الأمن 2254.
طموحات الأسد لا تتوقف على طي صفحة الثورة وكأنها لم تكن، أي إعادة البيضة المسلوقة إلى حالتها النيئة، بل تتجاوز ذلك إلى مطالبة الدول العربية وغير العربية بمكافأته على القضاء على الثورة
في حين أن الدول العربية التي عملت على تطبيع العلاقات مع النظام، وكذا تركيا المستعجلة على هذا التطبيع، تربط في تصريحاتها وبياناتها دائماً عملية التطبيع هذه بالإشارة إلى وجوب «التقدم في العملية السياسية على أساس قرار مجلس الأمن» المشار إليه. هذا من نوع تدوير الزوايا الذي تحاول تلك الدول القيام به لإنقاذ النظام من نفسه، فهي متفقة معه ضمناً على بقائه في السلطة لكنها تطالبه ببعض الإجراءات التي من شأنها منحه بعض الشرعية التي لا بد منها لتبرير اعترافها بشرعيته وبتطبيع العلاقة معه. من ذلك أن يتوقف عن تصدير المخدرات إلى البلدان المجاورة، بعدما تحولت هذه «التجارة» إلى مشكلة أمن قومي لبعض تلك البلدان. في حين تطالبه تركيا بالتعاون في القضاء على احتمال ترسيخ «الإدارة الذاتية» في مناطق سيطرة قوات سوريا الديموقراطية، معتبرة ذلك أيضاً مشكلة أمن قومي لتركيا. مطلبان لا يستطيع نظام الأسد التجاوب معهما ولا يريد أيضاً حتى لو استطاع. فالتجاوب بشأن كلا المطلبين يفقده ورقتي ضغط في أي مفاوضات مع الجانبين العربي والتركي على التوالي.
ما الذي يريده النظام إذن؟
يريد إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل اندلاع الثورة الشعبية في سوريا في العام 2011! هذا ما قاله بشار في تعليقه على موضوع التطبيع مع تركيا. إنه كمن يريد للبيضة أن تعود نيئة بعد سلقها. لسان حاله: «كان كل شيء على ما يرام قبل ذلك التاريخ، تآمرت عليّ دول عربية وإقليمية ودولية فدمرت كل شيء، وصنعت الإرهاب ووفرت له كل الإمكانات. تريدون الآن أن تعيدوا العلاقات الطبيعية مع سوريا؟ عليكم إذن أن تقضوا على الإرهاب الذي صنعتموه، وأن تعيدوا بناء ما دمرتموه، وتمولوا إعادة سيطرتي على الوضع وإطلاق عجلة الاقتصاد..». إلخ. وقد طالب النظام الدول العربية التي أعادت نظامه إلى جامعة الدول العربية بالتدخل لدى الولايات المتحدة والدول الأوروبية لرفع العقوبات المفروضة عليه وفك عزلته الدولية. أما مطالبة الدول العربية له بفك ارتباطه مع إيران وإخراج الميليشيات التابعة لطهران من سوريا، فمن المحتمل أنه رد عليهم قائلاً: «سددوا ما أدين به لإيران من ديون باهظة (50 مليار دولار) قبل مطالبتي بذلك!» خلاصة القول هي أن طموحات الأسد لا تتوقف على طي صفحة الثورة وكأنها لم تكن، أي إعادة البيضة المسلوقة إلى حالتها النيئة، بل تتجاوز ذلك إلى مطالبة الدول العربية وغير العربية بمكافأته على القضاء على الثورة والبقاء في السلطة، بتأمين استمراره فيها لبقية عمره مع تذليل جميع العقبات أمام هذا الاستمرار. فبخلاف الدول التي تريد التطبيع معه، لا يملك الأسد ترف تدوير الزوايا مثلها، بل هو متمسك بالزوايا الناتئة الفظة التي يتشكل منها نظامه المتحجر الذي تفكك ونخرته الأزمات لكنه لم يزل بعد. مشكلته الكبرى أنه لم يبق لديه ما يقدمه لأحد مقابل هذه الطلبات الطموحة، لا للسوريين الذين لا يحسب لهم أي حساب أصلاً، ولا للدول التي تريد إنقاذه من نفسه. ربما يملك فقط شيئاً ثميناً واحداً يمكنه تقديمه لإسرائيل، كإحداثيات مواقع القوات الموالية لإيران أو مستشاري دولة الفقيه. وهذا خيار محفوف بالمخاطر.
وسوم: العدد 1088