في مثل صباح هذا اليوم ٢٥-٧-١٩٧٩

حملت روحي حشو جسدي، وخرجت من مدينتي حلب.. ثم عبرت الحدود من الرمثا، أحمل بطاقة هوية…

ما زالت هي الوثيقة الوحيدة التي تثبت سوريتي…

لم أعكف لا على بئر نفط، ولا على برميل نفط..

خمسة وأربعون عاما أعكف على ذكريات أحباب غيبتهم السجون، اقتيدوا ظلما وعدوانا إلى مصارعهم، سأموت وفيا لذكرى مصطفى وزاهد وعثمان وعبد الرؤوف وإبراهيم وأسامة وعبد العزيز وعمر وإبراهيم..

تحسبونهم موتى وما زلنا نشرب الشاي معا، ونراجع الأمر معا، ونتساءل من أين أوتينا معا!! ما زلنا نضحك مع كل البلوى معا.. ظللنا زمنا نضحك معا، وعدنا في هذا الزمان نبكي ونبكي ونُبكي البواكيا..

بالأمس قال لي أخ حبيب على سبيل التواصي: يجب أن نطمئن الناس!! قلت لم يخلقني الله كذابا…

أيها السوريون قد جد بكم الأمر فجدوا .. والقوس فيها وتر عرّد، مثل ذراع البكر أو أشدُّ لا بد مما ليس منه بد…

في كل مرة أذكر حكاية سيدنا جابر بن عبد الله يوم الخندق؛ يدعو رسولَ الله صلى الله عليه وسلم إلى كفين من شعير، ولحم سخلة ربما تكفي الخمسة لو ائتدموا…

فينادي رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل الخندق أن غداءكم عند جابر..

ويقول لجابر خمروا العجين، وغطوا القدر ولا تكشفوه..

ويأكل الجيش ويشبع من حفنتي شعير ولحم سخلة..

منذ أربعين سنة أنادي على الناس من حولي: ويحكم غطوا قدرنا ولا تكشفوه، فنحن أعلم بحقيقة عجيننا وسميننا؛ وما زالوا يأبون!! كشفوا قدرنا فانكشفنا. وصلى وسلم على من قال "نُصرت بالرعب" وحسبنا الله ونعم الوكيل..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1088