هل سيكون اغتيال إسماعيل هنية سببا مباشرا في نشوب حرب عالمية ثالثة
هل سيكون اغتيال إسماعيل هنية سببا مباشرا في نشوب حرب عالمية ثالثة كما كان اغتيال ولي عهد النمسا سببا في اندلاع الحرب العالمية الأولى ؟
يسود العالم اليوم بعد اغتيال الزعيم السياسي لحركة حماس الفلسطينية الشهيد إسماعيل هنية تغمده الله بواسع رحمته ما ساده من توتر أنذر بحرب عالمية قبل قرن وأربعة عشر سنة لمّا اغتيل ولي عهد الإمبراطورية النمساوية صيف سنة 1914 . فهل وضع العالم اليوم يشبه وضعه يومئذ ، وأنه على موعد مع حرب عالمية ثالثة باغتيال الزعيم الفلسطيني؟ خصوصا وقد توفرت أسبابها الشبيهة إلى حد ما بأسباب الحرب العالمية الأولى التي فاق عدد ضحاياها عشرين مليون من البشر، وكان سببها المباشر هو اغتيال الأمير النمساوي إلى جانب أسباب أخرى سياسية واقتصادية، تمثلت في صراع الدول الغربية التوسعية على مناطق نفوذ خارج حدود بلدانها ،طمعا في خيراتها ومقدراتها .
أما الأسباب السياسية والاقتصادية اليوم، فلا تختلف عما كانت عليه فبل اندلاع الحرب العالمية الأولى ، ذلك أن الولايات المتحدة وحليفاتها الأوروبيات تتنافس مع روسيا والصين بسبب مناطق النفوذ طمعا في الخيرات والمقدرات التي من شأنها أن تخرجها من تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية الخانقة التي عرفها العالم سنة 2008 . ولعل هذه الأزمة هي التي جعلت الزعيم الروسي يقتطع أجزاء من أوكرانيا ،الشيء الذي جعل الولايات المتحدة وحليفاتها الأوروبيات تدعم أوكرانيا في حربها مع روسيا التي لا يبدو أنها ستكتفي بما اقتطعته من أراضيها فقط ، وهذا وحده يمثل سببا كافيا من أجل اندلاع حرب عالمية ثالثة .
وإلى جانب صراع الولايات المتحدة وحليفاتها مع روسيا ، هناك صراع بينها وبين الصين بسبب تايون من جهة، ومن جهة أخرى بسبب المنافسة من أجل الهيمنة على اقتصاد العالم وأسواقه ، وهذا أيضا قد يكونا سببا كافيا لاندلاع تلك الحرب المتوقعة .
و فضلا عن هذا وذاك هناك صراع بين الولايات المتحدة وبين إيران بسبب برنامجها النووي ، وهو سبب كاف أيضا لاندلاع هذه الحرب المتوقع اندلاعها من منطقة الشرق الأوسط إلى أبعد الحدود في العالم ، خصوصا وقد تولى رأس الكيان الصهيوني قدح شرارتها نيابة عن الولايات المتحدة وذلك باغتيال الزعيم السياسي لحركة حماس فوق ترابها أو في عقر دارها، ليكون هذا الاغتيال سببا مباشرا في نشوب حرب على أوسع نطاق ، وهو شبيه تماما بالسبب المباشر لاندلاع الحرب العالمية الأولى ، والذي يغطي عن أسباب أخرى سياسية واقتصادية .
وإذا ما حصل الانتقام لاغتيال الزعيم الفلسطيني كما تتوعد بذلك دولة إيران وبالحجم الذي تصرح به وتصفه بالقاسي ، فإنه سيكون بمثابة قدح لشرارة حرب تبدأ إقليمية ، وتتسع ساحتها لتصير عالمية ، ويكون ترتيبها الثالثة عالميا إذا ما انخرطت فيها الدول الكبرى المتصارعة على النفوذ السياسي والاقتصادي في العالم .
ويبدو أن الولايات المتحدة بتحريك حاملات سلاحه الجوي مهددة به إيران، قد دخلت فعليا الحرب المنتظرة معها إلى جانب الكيان الصهيوني بالرغم من أنها تسوق إعلاميا عدم رغبتها في حصر الصراع بين الكيان الصهيوني وإيران في أضيق الحدود الجغرافية منعا لصراع إقليمي في منطقة تزخر بمصادر الطاقة التي تعتبر محرك الاقتصاد العالمي الذي هو موضوع صراع وتنافس بين القوى العظمى .
وليس بعد اغتيال هنية أمام العالم إلا ترقب حدوث إحدى اثنتين : إما اندلاع حرب عالمية ثالثة ستضطر كثير من الدول إلى خوضها من أجل مصالحها الحيوية ،وتكون بدايتها بهجوم على إيران من طرف الولايات المتحدة في حال وقوع انتقامها القاسي الذي تهدد به الكيان الصهيوني ، وإما تطويق التهديد الإيراني للكيان الصهيوني كما سبق تطويقه عندما قصف الكيان الصهيوني القنصلية الإيرانية في دمشق ، وتم الاتفاق حينئذ على ما يبدو أو كما يعتقد البعض بين الطرفين ليكون محدودا ينتهي كما انتهت لحد الساعة كل المسرحيات الحربية الهزلية . ويبدو أن هذا السيناريو هو المرجح ،خصوصا وقد نقلت وسائل الإعلام تحول التهديد الإيراني بتوجيه ضربة موجعة للكيان الصهيوني إلى ضربة تراعي القوانين والأعراف الدولية كما صرحت بذلك وسائل الإعلام العالمية ، وكأن الكيان الصهيوني راعى تلك القوانين والأعراف الدولية حين اغتال هنية، الشيء الذي يعني تكرار ما حدث تماما بعد قصف القنصلية الإيرانية حيث تم تصريح إيران علنا بانطلاق صواريخها ومسيراتها في حينها صوب فلسطين المحتلة مع تحديد وجهاتها ، وقد اعترض معظمها بتعاون من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ...
وإذا كان هذا السيناريو الثاني هو المحتمل الوقوع على ما يبدو ، فإن اغتيال هنية ،سيكون مؤامرة خسيسة ضحيتها الشهيد إسماعيل هنية قد تم التفاهم عليها سابقا بين أطراف عدة ، وذلك من أجل تحقيق عدة أهداف أولها القضاء على حركة المقاومة حماس من خلال استمرار الحرب في غزة التي يماطل الكيان الصهيوني في إبرام صفقة مبادلة الرهائن الصهاينة بالأسرى الفلسطينيين ، وهي حرب حصدت ولا زالت تحصد أرواح المدنيين بالآلاف في غزة ، وهو ما سيتسبب في تهجيرهم قسرا من مناطقهم إلى وجهات ربما تكون قد حددت مسبقا كي يصبح قطاع غزة منطقة معزولة السلاح، كما هو الحال في الضفة الغربية ثم إعادتهم بعد ذلك أو فرض اللجوء عليهم كما حدث سنة 1948. وهذا ما تريده أيضا كيانات عربية في المنطقة سواء التي بينها وبين الكيان الصهيوني ما سمي بمعاهدات سلام معه أو المطبعة معه .
وفي هذه الحالة ستكون الحرب العالمية الثالثة أفضل خيار بالنسبة للشعب الفلسطيني، لأنها ستكون عقابا إلهيا لكل من كادوا له، أوخذلوه ، أو غدروه أوتاجروا بقضيته من أجل مصالحهم، علما بأن مثل هذه الحرب سيان فيها المنتصر والمنهزم ، والمنخرط فيها ومتجنبها ، خصوصا إذا ما استعملت فيها أسلحة الدمار الشامل التي عرفت البشرية بأسها يوم استعملت في اليابان .
و في الأخير سيبقى الأمر بيد صاحب الأمر جل جلاله من قبل، ومن بعد ، ولله عاقبة الأمور .
وسوم: العدد 1090