زيارة نابليون الثالث للجزائر سنة 1865 وعظمة سيّدنا الأمير عبد القادر

LE VOYAGE DE L'EMPEREUR NAPOLEON III EN ALGERIE, MAI-JUIN 1865, PARIS, 1865. EDITEUR GRAND LIBRAIRIE NAPOLEONIENNE, Contient 341 Pages.

مقدمة:

عنوان الكتاب حسب ترجمتي: "زيارة الإمبراطور الثالث للجزائر، ماي-جوان 1865".

رأيت الكتاب أوّل مرّة عبر صفحة صديقنا عبد الرحمن صالح. فله بالغ الشكر، والتّقدير.

للأمانة، قرأت الكتاب بتاريخ: الجمعة 18 رمضان 1442 هـ الموافق لـ 30 أفريل2021. وعدت إليه عصر هذا اليوم لأعيد ترتيبه، وتنظيمه ليكون بين يديك عبر هذا المقال.

الاستدمار يبدأ احتلاله للجزائر بالنّهب والسّرقة:

تصف فرنسا المجرمة الجزائر بكونها كانت سلّة الرومان، وتقسم بأغلظ الأيمان أنّها ستكون سلّة فرنسا.

أوّل عمل قام به الاستدمار الفرنسي بعد احتلال الجزائر هو تكليف جنرالاته لسرقة ونهب والسّطو على خزينة الجزائر لما تشتمل عليه من كنوز لاتحلم بها أوروبا، ولا فرنسا، ولا المجرم نابليون. وقد وثّق المحتلّون تلك الجرائم، وافتخروا بها كما هو موضّح في الهامش أدناه[1]. وتمّ عرض الكتاب الذي ضمّ شهادة الفرنسيين حول نهب، وسطو الجزائر أثناء الاستدمار عبر مقالنا الأوّل[2]، والثّاني[3].

تمّ احتلال الجزائر لأجل الاستيلاء على خيرات، وخزينة الجزائر التي لم تكن تحلم بها، ولم تعتقد يومها أنّها بهذه الكنوز الخيالية التي موّلت بها جيشها المحتل في حينه، وعوّضت بها خسائرها في الجزائر، وسرقت 5 بواخر من الخزينة ووجهتها لفرنسا، ودفعت رواتب الجند والجنرالات والقادة وكلّ مجرم محتلّ. وماتبقى سيّرت به أيّامها لاحتلال الجزائر، وهذا بشهادة الفرنسيين أنفسهم.

يظلّ نابليون الثّالث المحتلّ المجرم ولو أكرم سيّدنا الأمير عبد القادر:

لايخدعنّك تكريم نابليون الثالث لسيّدنا الأمير عبد القادر رحمة الله عليه ورضوان الله عليه ورعايته والاهتمام به، وإطلاق سراحه من سجن "لامبواز[4]" بفرنسا، ووضع راتب له، ومعاملته معاملة الكبير الأمير ولغاية وفاته. وسبق أن كتبنا مقال تفصيلي في ذات الشأن لمن أراد الزّيادة[5].

وكلّ محتلّ مجرم ولو أكرم سيّدنا الأمير عبد القادر. ونابليون الثالث احتلّ الجزائر، وتعامل معها على أنّه محتلّ، مجرم، ولصّ، وسارق، ومغتصب وليس الزّائر، ولا الضيف.

سيّدنا الأمير عبد القادر حقن دماء المسيحيين في سورية لأنّه عظيم. ولم يفعل ذلك كردّ جميل للمستدمر الفرنسي على إطلاق سراحه:

جاء في صفحة 70 من الكتاب -وحسب ترجمتي-: "دفع الأمير عبد القادر ديونه بنبل واعتراف بالجميل تجاه فرنسا بسلوكه الشجاع تجاه أحداث سورية ؟!".

يريد الكاتب الفرنسي أن يقول: بعدما أطلق نابليون الثالث سيّدنا الأمير عبد القادر رحمة الله عليه ورضوان الله عليه من سجن لامبواز بفرنسا وبعدما تنكّرت فرنسا لوعدها له، كان دينا على الأمير عبد القادر أن يردّ لها "المعروف؟ !" و "الجميل؟ !"، فقام بردّ الدين عليه لنابليون وفرنسا بحقن الدماء بين المسيحيين في سورية!.

سيّدنا الأمير عبد القادر بالنسبة للفرنسي المحتلّ للجزائر قام بما قام به من حقن الدماء بين المسيحيين في سورية "ليردّ الجميل لنابليون الذي أطلق سراحه وأكرمه وأحسن مثواه، ولفرنسا فقط؟ !".

أقول: سيّدنا الأمير عبد القادر حين حقن دماء المسيحيين في سورية لم يكن يفعل ذلك من باب ردّ "الجميل" و"العرفان" ولا دينا في عنقه تجاه فرنسا. إنّما كان ذلك نابع من تربيته، وعقيدته، وقرآنه، ودينه، وأخلاقه، وتقديسه لحرمة الدماء، ووفائه لجدّه صلى الله عليه وسلّم الذي حقن الدماء وهو القادر يوم الفتح، وقبلها وبعدها.

سيّدنا الأمير عبد القادر عالم دين، وفقيه، وصوفي، وأشعري، وزاهد، وعارف، ومن أولياء الله الصّالحين ولا يمكن بحال -من كانت هذه صفاته- أن يقف متفرّجا والدماء تسفك أمامه، فلا بدّ أن يتدخلّ لحقن الدماء ولو بين المسيحيين.

لو حدث اقتتال بين الجنود الفرنسيين المحتلّين للجزائر، لتدخلّ سيّدنا الأمير عبد القادر لحقن دمائهم وهم الذين يقاتلونه ويطاردونه، ويضيّقون عليه.

سيّدنا الأمير عبد القادر الذي يعرف قداسة الدّماء:

حين وجد الأمير عبد القادر نفسه محاصرا في الداخل والخارج، ويطاردونه ويطردونه بالعتاد والسّلاح، أرسل رسائل لعلماء المسلمين يطلب منهم فتوى للدفاع عن نفسه وجنوده، وأرضه وعرضه ضدّ بعض الخونة من بني جلدته. مايدلّ أنّ سيّدنا الأمير عبد القادر يعرف حرمة وقداسة الدماء، ولا يقربها ولو كان عدوا يحاربه ليل نهار. كيف إذن بحقن الدماء بين المسيحيين.

مع العلم، سبق أن انتقدت سيّدنا الأمير عبد القادر في هذه النقطة، وقلت: كان عليه أن لايرسل الرسائل لأنّه أعرفهم بالميدان، وواقع الحال، وبالأضرار الخطيرة التي مسّته، ومسّت من معه.

قداسة الوفاء بالعهد لدى سيّدنا الأمير عبد القادر ولو مع المحتلّ المغتصب:

فرضت الحرب على سيّدنا الأمير عبد القادر ولم يكن رجل حرب، ودخل الحرب بأخلاق الأنبياء والرسل، وحين فرضت عليه الظروف القاسية ليلقي السّلاح ظلّ وفيا للعهد الذي قطعه لفرنسا المحتلة أن لايحاربها بعد اليوم، ولقي ربّه وهو يفي بوعده. ومن الوفاء بالعهد[6] أن يحقن دماء المسيحيين فيما بينهم، ويمنع ابنه من محاربة عدوه بالأمس وقد عاهده أن لايحاربه.

زيارة المجرم نابليون تعني تثبيت استدمار الجزائر:

الزيارة: تعني في عرف الاستدمار الفرنسي الإعلان الرسمي لاحتلال الجزائر، والاحتفال باحتلالها، وأنّها أمست سلّة فرنسا المحتلّة.

زيارة المجرم نابليون الثالث للجزائر كانت جريمة في حقّ الجزائر تعادل أو تفوق احتفال الاستدمار الفرنسي بمرور مائة سنة على جريمة احتلاله للجزائر 1830-1930.

مازلت أتساءل لماذا تمّ التركيز على الاحتفال بجريمة مرور 100عام على الاحتلال الفرنسي للجزائر، وفي الوقت نفسه تمّ تجاهل زيارة نابليون للجزائر المحتلة سنة 1865. وهي التي أعلنت رسميا احتلال الجزائر، وإعطاء الصبغة الشرعية للاستدمار الفرنسي للجزائر؟

تسليم مفاتيح الجزائر للمحتل نابليون الثّالث جريمة في حقّ الجزائر مثل جريمة الاحتفال بمرور 100سنة على احتلال الجزائر. ولا فرّق ببن الجريمتين من حيث كونهما جريمة.

الخونة يستقبلون المحتلّ نابليون:

تمّ استقبال المجرم نابليون الثالث من طرف بعض الجزائريين الخونة بأعداد كبيرة في العاصمة الجزائرية، والأرياف.

كلّ الولايات الجزائرية التي زارها المجرم نابليون الثالث تمّ استقباله من طرف الجزائريين وبحرارة، والتّرحيب به، والزغاريد، والجري وراء الموكب، والتصفيق، والتمني له بالتوفيق، وطلب منه أن يحقّق لهم بعض أمانيهم.

كان الاستقبال الحار من طرف البدو والحضر، والرجال والنّساء، والصغار والكبار، والأميين والفقهاء بالإضافة إلى الخونة، والمستدمرين، والمجرمين الفرنسيين.

كلّ رؤساء فرنسا ودون استثناء تمّ استقبالهم في الجزائر استقبال الملوك والعظماء من طرف حكام الجزائر وبعض الجزائريين. وابتداء من المجرم نابليون، والسّفاح ديغول، وجيسكار ديستان، والمجرم ميتران، وجاك شيراك، والسّكير ساركوزي، والعاشق هولاند، والماكرو ماكرون.

المجرم نابليون يدنّس مساجد الجزائر، والخونة الأئمة يدعون له لتثبيت الاحتلال، وبالحفظ، ويبرّرون له جرائمه:

جاء في صفحة 125 أنّ المجرم نابليون الثالث زار مسجد العاصمة "مسجد الصيادين" واجتمع بالأئمة، ووعدهم أنّه سيحافظ على المعتقدات الدينية في الجزائر (يقصد اليهودية، والمسيحية أوّلا، ثمّ الإسلام)، ويعمل ليحافظ على المساجد بالجزائر.

حينها رفع الأئمة أيديهم وهم يتلون آيات من القرآن الكريم ليحفظ المجرم نابليون.

استقبال المستدمرين الإسبان للمجرم نابليون تعبيرا عن حقدهم عن تواجد المسلمين في الأندلس، وطردهم من وهران:

ترحيب المجرمين المستدمرين الإسبان بالمجرم نابليون، ومساندتهم لاحتلال فرنسا للجزائر، ووضع أنفسهم تحت تصرف الاحتلال فاق ماكانت تحلم به فرنسا المحتلّة، والسبب -في تقديري- إحياء حقد الإسبان على المسلمين والجزائريين منذ وجود المسلمين بالأندلس، وسقوط الأندلس، واحتلال وهران، وحسرتهم الشديدة على ضياع الجزائر وعدم احتلالها من جديد.

ترحيب المغرب بزيارة المجرم نابليون للجزائر المحتلّة:

لم أفهم -لحدّ الآن- سرّ الترحيب المبالغ فيه من طرف المغرب لزيارة المجرم نابليون للجزائر، ودعمه، ومساندته.

المجرم نابليون يعزّز احتلال الجزائر عبر بناء المسجد، وإطلاق سراح أحد المحاربين للمحتلّ المغتصب:

بنى المجرم نابليون الثالث مسجدا بإحدى الولايات، وعلّق قائلا: هؤلاء -هكذا بالحرف- أناس كرماء، ويحبون الكريم الذي يبني لهم مسجد، ماسيدفعهم للتعاون معنا.

أطلق سراح أحد المحاربين للاستدمار الفرنسي، وقال: هؤلاء -هكذا بالحرف- أناس قدريون يؤمنون بالقدر، وسيعتبرون إطلاق سراحه من القدر الذي حقّقناه لهم، وسيتعاونون معنا.

مظاهر نهب، واحتلال المجرم نابليون للجزائر:

أعجب كثيرا برؤيته لجيل جديد من الفرنسيين الذين ولدوا بالجزائر وسيضمنون تثبيت، ودوام الاستدمار عبرهم وعبر أبنائهم وأحفادهم.

كان في كلّ ولاية جزائرية يزورها إلاّ ويتعهد بإرجاعها سلّة لفرنسا المحتلّة كما كانت من قبل سلّة للرومان.

منح السلطة المطلقة للجيش الفرنسي المحتل، وللمستدمرين بتثبيت الاحتلال، والسيطرة على أخصب الأراضي، والإسراع في نهب خيرات الجزائر، وإقامة منشآت بما يضمن بقاء المحتلّ.

المجرم نابليون يزور الصحراء الجزائرية، ويعطي أوامره باحتلال الصحراء:

استقبل المجرم نابليون الثالث أثناء زيارته للصحراء بنفس الحفاوة، والتّرحيب التي استقبل بها في المدن الجزائرية الشمالية.

لاأحد يفتخر على الآخر بكونه لم يستقبل المجرم نابليون، ولا أحد يتّهم الآخر أنّه استقبل المجرم نابليون.

يفتخر المجرم نابليون وهو يزور الصحراء بكون المنشآت الفلانية التي رآها تعود للعهد الروماني، ويتعهد أن يعيد مجد روما في الجزائر.

تأسّف المجرم نابليون كون المسافة الفاصلة بين العاصمة الجزائرية والصحراء خالية من الاستدماريين المحتلين الفرنسيين. وأعطى تعليماته بالاستيلاء على الصحراء، واحتلالها، واستغلالها. مايعني، أنّ زيارة المجرم نابليون للصحراء كانت بمثابة إعلان احتلال واستدمار الصحراء الجزائرية، و"تعمير؟!" بتعبير المحتلّ المغتصب الفرنسي.

المجرم نابليون يتعهد بإعادة مجد روما للجزائر:

يتعمّد المجرم نابليون أن يشير لأيّ شيء يدل على الاحتلال الروماني للجزائر ومهما كان صغيرا وغير ذي بال، ويتوقّف عنده مطوّلا ليشيد بأجداده المحتلّين، ومتعهدا أن يحي الاحتلال الروماني عبر الاحتلال الفرنسي للجزائر.

يخيّل للقارئ المتتبّع أنّها زيارة باحث في الآثار وليس زيارة سياسية عسكرية من كثرة الآثار الرومانية التي تعمّد المجرم نابليون زيارتها، وتوقّف عندها، وأشاد بها، وتعهد بإحيائها.

السّبت 20 صفر 1446هـ، الموافق لـ 24 أوت 2024 

الشرفة – الشلف – الجزائر

[1] للزيادة راجع من فضلك كتاب

PIERRE PEAN " MAIN BASSE SUR ALGER, ENQUETE SUR UN PILLAGE, ALGER 1830», CHIHAB EDITION, Alger, Algérie, 2005, 288 Pages.

[2] مقالنا بعنوان: "وضع اليد الفرنسية على الجزائر.. خيانة الأتراك والأعيان"، وبتاريخ: السبت20محرم 1438، الموافق لـ 22أكتوبر 2016.

[3] مقالنا بعنوان: بعنوان بعنوان: "وضع اليد الفرنسية على الجزائر"

وبتاريخ: الأحد 02 ذو الحجة 1437، الموافق لـ 04 سبتمبر 2016

[4] عن أيّام سيّدنا الأمير عبد القادر في سجن "لامبواز"، وإطلاق سراحه من طرف المجرم نابليون. راجع من فضلك كتاب:

ANTOINE Adolphe DUPUCH « ABD-EL-KADER L’LLUSTRE CAPTIF DU CHATEAU D’AMBOISE», Fondation EMIR ABDEELKADER, Edition DAHLAB, ALERIE, Contient 113 Pages.

[5] راجع من فضلك مقالنا بعنوان: السبت22 رمضان 1441 هـ الموافق لـ 15 ماي  2020

عظمة الأمير عبد القادر من خلال القسّ الفرنسي – معمر حبار

[6] فيما يخص تشبّث سيّدنا الأمير عبد القادر بالعهد ولو مع المحتلّ المغتصب. راجع من فضلك مقالنا بعنوان:

الوفاء بالعهد لدى الأمير عبد القادر – معمر حبار

وسوم: العدد 1092