قراءة في المشهد السلفي (1 من 2)
بدر محمد بدر
كنت ممن رحبوا بدخول التيار السلفي إلى عالم السياسة، على الرغم من رفضهم قبل أكثر من ثلاثين عاما لمبدأ التصويت، فضلا عن فكرة الترشح للانتخابات، ثم تدرجوا في الفتوى في فترة الثمانينيات إلى قبول مبدأ التصويت دون الترشح.
وظل هذا الموقف من العمل السياسي حتى قامت ثورة يناير 2011، وتخلفوا تماما كتيار عن المشاركة فيها لأسباب كثيرة، لكنهم في النهاية حسموا أمرهم، وقرروا المشاركة بعد الثورة، وظهر أول حزب سياسي يعبر عنهم باسم حزب "النور"، ونجح هذا الحزب الجديد في أن يحصد ربع مقاعد أول برلمان بعد الثورة، وبدأت وسائل الإعلام تبحث عن معالم هذا الفكر السلفي، وتركز على بعض الفتاوى الشاذة، أو الآراء غير المدروسة، ونجحت في إظهار التيار السلفي بصورة سلبية.
رحبت بدخول السلفيين عالم السياسة لأكثر من سبب؛ منها أنهم فصيل مصري فاعل في المجتمع، ومن حقه أن يشارك في صنع حاضر ومستقبل بلاده، ومنها أنه من الأفضل للمجتمع أن يخرج التيار السلفي (وأي فكر أو تيار آخر) إلى النور والعلن، وأن يتعرف الناس على حقيقته بوضوح، وأن يناقشوه ويتفقوا أو يختلفوا معه في جو من الحرية واحترام الرأي، وأن يتعرف هو كذلك على قوى المجتمع ومشكلاته وآماله، فيعتدل الفكر وتتضح الرؤية وينضج السلوك في وضح النهار.
وفي تقديري أن الممارسة السياسية الطبيعية، وبخاصة في أجواء الحرية التي نعيش فيها الآن بعد ثورة يناير، هي التي تحدد مدى قبول أو رفض الناس لهذا الفكر أو ذاك، سواء كان فكرا إسلاميا إخوانيا أو سلفيا، أو علمانيا يساريا أو ليبراليا أو غيره، وبالتالي من حق التيارات الإسلامية السلفية، مثل جميع التيارات السياسية، أن تحصل على فرصتها كاملة في التفاعل مع قضايا المجتمع، وطرح رؤاها وأولوياتها أمام الناس، بعيدا عن ضغوط الآلة الإعلامية أو الأجهزة الأمنية.
وقد لمسنا جميعا أن هناك تطورا إيجابيا في الأداء السياسي والإعلامي للتيار السلفي بوجه عام، وظهرت في داخله رموز واعية، استطاعت أن تثبت وسطية وموضوعية هذا التيار، وأن تكشف عن زيادة مساحة الوعي الوطني والسياسي لديه، وهذا ما أثبته الأداء البرلماني في البرلمان السابق، وفي مجلس الشورى الحالي، رغم ما شاب هذه الممارسات من بعض العثرات والأزمات، التي نتجت عن قصور في الإدراك العام، أو غياب الرؤية الجماعية، أو قلة الخبرة السياسية.
وفي ضوء التطور الطبيعي لتيار إسلامي يدخل المعترك السياسي لأول مرة ظهرت مشكلات فكرية وتنظيمية في داخل حزب "النور"، أدت إلى استقالة الرئيس المؤسس الدكتور عماد الدين عبد الغفور، ومعه مجموعة كبيرة من رموز وأركان الحزب في المحافظات، نهاية ديسمبر الماضي، وقاموا بتأسيس حزب آخر باسم "الوطن" ثم ظهرت أحزاب أخرى تنتمي بشكل أو بآخر للتيار السلفي، منها "الفضيلة" و"الأصالة" و"الشعب" ثم آخرها حزب "الراية" للشيخ حازم أبو إسماعيل.
إذن لم يعد "النور" وحيدا بلا منافس في الحلبة السياسية، لكسب أصوات التيارات السلفية في الانتخابات المقبلة، بل هناك منافسون أقوياء من نفس التيار، كما لم يعد يملك هذه "البراءة" السياسية، التي صوت بناء عليها العديد من أنصاره ومحبيه في الانتخابات السابقة، إضافة إلى وقوعه في عدد من الأخطاء السياسية، منها مثلا تبني أجندة جبهة الإنقاذ ضد السلطة الشرعية المنتخبة، أملا في اكتساب جماهيرية في الانتخابات القادمة، رغم حساسية جمهور التيار السلفي من أي تعاون أو تنسيق مع التيارات العلمانية، ناهيك عن إمكانية تبني مواقفهم!.