ثورة الحظيرة !
ثورة الحظيرة !
أ.د. حلمي محمد القاعود
السادة الأشاوس والنشامى في الحظيرة الثقافية أبوا إلا أن يخلعوا جلدهم القديم وولاءهم للنظام الفاسد السابق ، ويرتدوا جلدا ثوريا جديدا ويعلنوا عن غضبهم الساطع على الرئيس المنتخب والحكومة والنظام ، إنهم لا يكتفون بذلك بل يطالبون بسحب الثقة من رئيس الجمهورية المنتخب عن طريق جمع آلاف وملايين التوقيعات من الشعب المصري المظلوم الذي نصبوا أنفسهم متحدثين باسمه!
لقد أعلن السادة الحظائريون من خلال ما يسمى الجبهة المصرية للثقافة والتغيير ، أنهم أطلقوا مبادرة وقع عليها مائة كاتب وأديب وممثل، لإصدار بيان يدعو كل فئات الشعب المصري، والنقابات، والأحزاب السياسية، والحركات الثورية والطلابية كافة، إلى البدء في إعلان سحب الثقة من الرئيس مرسي، تمهيداً لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة!
كما طالبوا في بيانهم بإقالة حكومة هشام قنديل، وتشكيل حكومة توافق وطني(؟) ، تضم ممثلين لمختلف الاتجاهات الوطنية والسياسية والفكرية، والمستقلين، قبل البدء في الانتخابات القادمة، وذلك في ظل المخاطر الجسيمة التي تحيط بمصر الآن، ويرون أنها خطوة ضرورية ولازمة لحقن دماء المصريين (؟) ، ولإنقاذ الثورة، درءًا لمفاسد دخول مصر إلى نفق مظلم، يغذيه الاحتراب، وترعاه الدماء بحسب البيان، كما طالبوا بمحاسبة المسئولين وقياداتهم السابقة والحالية عن كل الدماء والشهداء الذين سقطوا من أجل ثورة يناير العظيمة التي ما زالت بشبابها وكهولها وشيوخها تحرق المراحل لحاقا بالتاريخ. وتتشكل في الأيام القادمة لجنة نقابية وطنية من اتحادات ونقابات مهنية مختلفة للبحث في الإجراءات.
من حق هؤلاء الحظائريين أن يصدروا بيانات كما يشاءون ، وأن يتخذوا المواقف التي تتفق مع مصالحهم ورؤاهم ، ولكن ليس من حقهم الادعاء بأنهم يعبرون عن الشعب المصري المظلوم ، وأن يعتقدوا أنهم أصحاب القول الفصل في شئون البلاد والعباد .
لم يوجه الحظائريون كلمة واحدة أو همسات عتاب إلى من يستخدمون المولوتوف والخرطوش والحجارة ، ويغلقون الميادين والشوارع ومجمع التحرير ومباني المحافظات ومجالس المدن ويفرضون بقوة الذراع والبلطجية ما يسمونه عصيانا مدنيا ويقطعون الطرقات ويعطلون القطارات ، ويستنجدون بالاتحاد الأوربي وأميركا للتدخل ، ويدعون الجيش المصري للانقلاب على الديمقراطية والثورة .. آثر الحظائريون أن يكونوا غطاء واقيا للعنف والدم والجريمة ، وطالبوا الشرعية أن تنسحب من أداء واجبها إكراما لسواد عيونهم ، وحرصا على مشاعرهم من التعامل مع الأغلبية الإسلامية التي تزعجهم وتسبب لهم حرجا كبيرا ، فقد اعتادوا منذ ستين عاما أن يكونوا وحدهم في الميدان ، وأن يتكلموا وحدهم ويقرروا وحدهم ، ويتحركوا في الساحة دون شريك . ولا تسل عن الديمقراطية والمشاركة وحقوق الإنسان ، فهذه الأمور لا محل لها إذا كان الطرف الثاني إسلاميا ، فالإسلامي خطر على الأمن والدولة والمجتمع في عرفهم وتصورهم ومنهجهم .
تأملت في أسماء الموقعين على البيان ، وجدت أغلبيتهم الساحقة تنتمي إلى خدمة النظام السابق ، ومن الذين نالوا عطاياه وجوائزه ومناصبه ووظائفه . لقد كانوا عماد الحظيرة التي أعلن عنها قبل ربع قرن وزير ثقافة سابق؛ فاخر أنه أدخل المثقفين الحظيرة ، نظير رشاوى مقنعة على هيئة لجان وجوائز وتفرغ ومناصب إدارية ووظائف صورية . لقد كانت خزينة وزارة الثقافة تصرف شيكات الرشاوى على رأي أستاذنا الدكتور الطاهر مكي لتشتري ضمائر المثقفين وتضمن ولاءهم للنظام المستبد الفاشي .
لقد ضمت الحظيرة العناصر اليسارية والعلمانية من شيوعيين وناصريين وليبراليين ومرتزقة ، ولم يسمحوا لعناصر أخرى بمشاركتهم العمل الثقافي ، فقد احتكروا النشر والمؤتمرات والندوات والتفرغ والجوائز والمجلات والصحف التي تصدرها الوزارة والكلام في أجهزة الدعاية التي يملكها الشعب ، وبعد ذلك كانوا من المقربين إلى سيد النظام في لقاءاته ومقابلاته ، والمنفذين لرغباته وتوجيهاته ..
ثم إنهم سكتوا على ما يقترفه النظام المستبد الفاشي ؛ من مظالم وممارسات استبدادية ، وقمع للحريات ومحاكم استثنائية وخاصة ، وطوارئ امتدت عقودا برروها وسوغوها ، وحرب ضروس ضد الإسلام وثقافته وقيمه ورموزه وعلمائه .. هل نذكركم بسلاسل الكتب التي كانت تصدر بحجة مواجهة الإرهاب ، وفي الواقع كانت تشيطن الإسلام وتطعن فيه من جانب مؤلفيها اليساريين والعلمانيين والليبراليين ؟
من خدَمَ السيد المستبد السابق لا يمكن أن يكون سيدا يرشد الناس ويوجههم في عصر الحرية ، ومن انحنى في زمن القهر والعار وأعطى ولاءه للبيادة ، لا يمكن أن يكون مرفوع القامة في عهد الحرية والثورة لأنه تعود على الركوع لغير الله .
المفارقة أن هؤلاء الحظائريين يظنون أن الناس سوف تستمع إليهم وتصغي إلى كلامهم ، ويتجاهلون أن الرئيس منتخب ولا يذهب عن منصبه إلا عبر صندوق الانتخابات بعد انتهاء مدته الدستورية ، والأولى لهؤلاء الحظائريين أن يتواروا عن الأنظار خجلا من سلوكهم المشين طوال عقود مضت ، وموالاتهم للنظام الإرهابي المستبد الذي كمم الأفواه ، وصادر الحريات ، وأهدر كرامة الناس ، وجعل البلاد كنزا استراتيجيا للأعداء ، ثم تركها خاوية على عروشها ومضى !
مشكلة الحظائريين أنهم لا يعترفون أن الدنيا تغيرت وأن التاريخ لا ترجع عجلته إلى الوراء ، وأن استمرار الانفراد بوزارة الثقافة أو غيرها مسالة لم تعد مقبولة بعد ثورة يناير العظيمة . لن يستطيع الحظائريون أن يمارسوا تسلطهم الخسيس ، وإقصاء غيرهم المشين ، ولن يتمكنوا من استئصال الإسلام كما يحلمون ، فقد تحرر الشعب وتحررت الأمة ، ولن تكون هناك حظيرة في المستقبل القريب .