إسرائيل 2013: من أزمة سياسة إلى أزمة أخلاق
إسرائيل 2013: من أزمة سياسة إلى أزمة أخلاق
رسائل من منظمة فاشية
تهدد بإعدام شخصيات سياسية واعلامية عربية
نبيل عودة
كاتب , ناقد وصحفي فلسطيني – الناصرة
وزعت جمعية يهودية فاشية تحمل اسم "همتسيلا" ( أي المنقذة) رسائل تهديد بالقتل (او حكما بالاعدام حسب لسان الرسالة) شملت رسائلهم الأولى عضوا الكنيست من التجمع د. جمال زحالقة ود. باسل غطاس واذاعة الشمس ومديرها سهيل كرام.
لا نستهتر بالفاشيين في اسرائيل الذين هم نتاج سياسة عنصرية، لم تتستر في الكنيست الأخيرة التي انتهت ولايتها حتى بورقة التين، فكنا امام كنيست وحكومة اعطوا ضوءا أخضر لليمين الفاشي للتشريع ، ليس ضد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في المناطق المحتلة فقط ، انما أيضا ضد الجماهير العربية المواطنين والمفترض انهم متساوي الحقوق حسب القانون الذي يدوسه الفاشيون . طرحت عشرات القوانين العنصرية المعادية للجماهير العربية وحقوقها، من اكثرها بدعا قانون النكبة الذي يمنع الشعب المنكوب من البكاء على تاريخه ومصادرة وطنه وتشريد أكثرية شعبه.
لا اكتب دفاعا عن مواقف د.جمال زحالقة او د.باسل غطاس او مدير اذاعة الشمس سهيل كرام وطاقم الإذاعة ، انما اكتب من منطلق رؤيتي ان ما حذر منه عقلاء اليهود من سلبيات أخلاقية بدا يتجسم بقوة غير مسبوقة في تطرفها.
اولا لا بد من ان انوه ان توجيه تهديدات بالإعدام لمؤسسة صحفية رسمية تخضع للرقابة الرسمية، مثل اذاعة الشمس ومديرها سهيل كرام هو امر مستهجن وغريب، يشير الى ان وسائل الاعلام الاخرى في اسرائيل بما فيها العبرية ومؤسسات حقوق الانسان اليهودية المختلفة، التي تنتقد الاحتلال والاستيطان وتصرفات المستوطنين وتكشف الانفلات العنصري، ستكون مهددة هي ايضا و"محكومة بالإعدام" من أصحاب رسالة التهديد ولا أظن ان رسالة التهديد هي تصرفات افراد فقط!!
الأدباء والفنانون ومحاضرو الجامعات اليهود وشخصيات اجتماعية وسياسية مختلفة، رأوا منذ وقت مبكر مخاطر الاحتلال وسياسة قمع الشعب الفلسطيني والتنكر لحقوقه على اخلاق المجتمع اليهودي، دعوا الى تحرير اسرائيل وشعبها من الاحتلال المدمر للمجتمع اليهودي نفسه، تماما كما هو تحرير للشعب الفلسطيني من الاحتلال الاسرائيلي الكولنيالي.
استطيع استعراض اسماء الكثير من الجمعيات والمنظمات اليهودية النشطة من اجل حقوق الانسان من رؤية ان قمع ابناء الشعب اليهودي لأبناء الشعب الفلسطيني سيعود بالويلات على المجتمع الإسرائيلي نفسه.
منظمة "بتسيلم" فضحت جرائم الحرب التي ترتكب، منظمة "أطباء من اجل حقوق الانسان" قامت بدور هام ضد حرمان ابناء الشعب الفلسطيني من العلاج والدواء ، منظمة "جنود يكسرون الصمت"، فضحت التصرفات المشينة التي تمارس ضد الشعب الفلسطيني من الجيش "الأكثر أخلاقية" ، منظمة "يش دين" تلاحقت الاحتلال ومخالفاته القانونية ضد الشعب الفلسطيني.
كلها مؤسسات يهودية.. وهناك غيرها من المنظمات، حاول اليمين العنصري في الكنيست السابقة ان يحرمها من التمويل ليشل عملها حتى يتصرف حسب اهواء سوائب المستوطنين.
لا يمكن نسيان الموقف المشرف والضميري لل 53 فنانا يهوديا من ابرز الأسماء الفنية في اسرائيل ، الذين رفضوا تقديم عروضا مسرحية في نادي ثقافي بني في مستوطنة على أراض فلسطينية احتلت بالقوة العسكرية معتبرين الاحتلال وبناء المستوطنات مناقضاً للقانون الدولي ومنافيا لحقوق مئات الآلاف من ابناء الشعب الفلسطيني. العديد من الأدباء اليهود البارزين والمحاضرين الأكاديميين وقفوا مدافعين عن الفنانين ، قال احد المحاضرين من الجامعة العبرية:" ان الفنون والعلوم هي رموز انسانية عالمية تتطور فقط في ثقافة مبنية على الحرية والنقد ولا يمكن ان تندمج مع نظام قمع واحتلال".
الرصاصة الأولى التي فتحت اعين العقلانيين في اسرائيل اطلقت ضد رئيس حكومة ( اسحق رابين) الذي حاول الوصول الى حل سلمي مع الشعب الفلسطيني. كذلك جرت محاولة اعدام شخصية اكاديمية يهودية مرموقة بسبب نشاطه من اجل حقوق الانسان وتحرير الشعب الفلسطيني من احتلال اسرائيل وتحرير شعب اسرائيل من احتلال الشعب الفلسطيني.
في 28-12-2008 زرع متطرف يهودي قنبلة في مدخل بيت البروفسور زئيف شطرنهل، التي انفجرت واصابته بساقه، وهو محاضر مرموق في الأكاديميا للفنون، ونشيط سياسي وكتب مئات المقالات الجريئة ضد الاحتلال ومنتقدا سياسة حكومات اسرائيل ، اثارت مقالاته ردود فعل واسعة جدا، كتب في احد مقالاته: فقط من يصل مستوطنة "عفرا" على ظهر دبابة، يستطع ان يوقف المد الفاشي الذي يهدد الديمقراطية الاسرائيلية" وكان واضحا تحذيره من مخاطر الاحتلال على المجتمع في اسرائيل.
شخصية سياسية أخرى مرموقة، رئيس الكنيست الأسبق ابراهام بورغ كتب قبل فترة قصيرة يقول:"أن الصهيوني الحقيقي هو المستوطن الفاشي" وطالب بالتخلص من تلك الصهيونية غير الانسانية والعودة الى صهيونية شالوم عليخم الانسانية ( في المؤتمر الصهيوني الأول في بازل (1897) انتصر خط هرتسل) شالوم عليخم رفض منذ البداية التوجهات المعادية لمواطني البلاد العرب.
اصدر ابراهام بورغ قبل سنوات عدة كتابا أثار عاصفة سياسية وثقافية وفكرية، اطلق على كتابه اسما رمزيا "لننتصر على هتلر" (ترجم للعربية وطبع من مؤسسة في رام الله) ويعني اؤلئك الفاشيين المنفلتين، أمثال أصحاب الرسالة الأخيرة. كتب بورغ :" اسرائيل الثورية الفتية المليئة بالحياة تحولت الى متحدثة باسم الأموات، دولة تتحدث باسم كل اؤلئك غير الموجودين أكثر مما تتحدث باسم كل اؤلئك الموجودين". كتب أيضا:" الحرب حولتنا بدون ارادتنا من ظاهرة شاذة لنصبح قاعدة الشواذ نفسه . طريقة حياتنا قتالية مع الجميع ، مع الأصدقاء ومع الأعداء ، قتال مع الخارج وقتال مع الداخل ، يمكن القول ليس بتوسع أو بشكل مجازي ، انما بحزن وثقة، ان الاسرائيلي يفهم فقط ... القوة . هذا الوضع بدأ كحالة استعلائية اسرائيلية امام عجز العرب من التغلب علينا في ساحات الحرب واستمر كأثبات للكثير جدا من التصرفات والقناعات السياسية التي لايمكن قبولها في عالم سوي. كل دولة تحتاج الى قوة بدرجة معقولة، الى جانب القوة تحتاج كل دولة ايضا الى سياسة وقدرة نفسية على لجم القوة. لنا توجد قوة ، الكثير من القوة وفقط قوة، لا يوجد لنا أي بديل للقوة ، ولا نملك أي فهم أو ارادة عدا ان نجعل القوة تتكلم (....) ان الدولة التي تعيش على حرابها والتي تسجد لأمواتها ، نهايتها كما يبدو، ان تعيش بحالة طوارئ دائمة". هذا الكلام لم يقله العرب.
لكنه كلام ذهب مع الريح في ظل مؤسسة حكومية ما زالت واهمة ان الشعب الفلسطيني سيركع لإحتلال قمعي ويرفع يديه مستسلما وان العرب المواطنين في وطنهم وارضهم، رغم انف اليمين الفاشي ويناضلون من اجل حقوقهم الوطنية واليومية، حقوق شعبهم بكنس الاحتلال واقامة دولته المستقلة وحقوقهم بالمساواة الكاملة كمواطنين سيركعون مستسلمين في النهاية ، ما يزيدهم عدوانية وانفلاتا ان احلامهم الفاشية تتهاوى.
عرفت مشروع راديو الشمس منذ بدايته قبل عشر سنوات، اقول بدون تردد ان الراديو انجز طريقا اعلامية هامة ، منجزا قفزة اعلامية كبيرة، وضعت راديو الشمس في طليعة الاعلام العربي المحلي وهي الإذاعة الوحيدة في اسرائيل التي تستضيف يهودا وعربا من جميع الأطياف السياسية في المجتمع الاسرائيلي والوسط العربي ويتحدث كل منهم بلغته ويطرح رؤيته ومواقفه بحرية تامة، لهذا السبب استحقت رسالة تهديد تحمل حسب لسان كاتب الرسالة "حكما بالاعدام"، العنوان لمثل هذه الرسائل ليس مجهولا، انهم اؤلئك الفاشيين، نتاج مجتمع مأزوم وسياسة مازومة واخلاق مأزومة. حان الوقت لقلع هذه النباتات الضارة، الآن ينفلتون ويهددون بقتل شخصيات عربية وغدا ينفلتون على اليهود أيضا.. وقد كنا في مثل هذا الفلم منذ مقتل المناضل ضد الحرب ومن اجل السلام اميل غرنتسوغ الذي قتل بقنبلة القيت على مظاهرة ضخمة ضد الحرب في لبنان وضد مجازر صبرا وشاتيلا وفي هذه الأيام حلت الذكرى ال 30 لمقتله !!