الحريات العامة في الإسلام
عدنان سعد الدين رحمه الله
المراقب العام السابق للإخوان المسلمين في سورية
الحريات العامة ذات فضاءات رحيبة وآفاق وسيعة، تشمل العمل السياسي، وحرية الرأي، وحق المعارضة، وحرمة المراسلات، وإجارة المنفيين أو المطاردين من بلدانهم.
وبكلمة موجزة، فإن الإسلام لم يترك صغيرة ولا كبيرة، ولم يدع شاردة أو واردة من مبادئ الحريات واصطلاحاتها المعروفة في العصر الحديث أو علم السياسة أو حقوق الإنسان إلا ذكرها وسبق إليها، والمواطن يمارس هذه الحريات دون حواجز أو عوائق تتحكم في مفاصل الحياة العامة وفي المجتمعات الأخرى.
لقد أشاع الإسلام المساواة بين الناس، وألغى وحرم التفرقة العنصرية أو التمييز العرقي أو التمايز الوراثي، وحذر من الأخذ به أو التفريق بين الناس على أساسه، "وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين".
قال النبي صلى الله عليه وسلم لآل بيته: (لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم)، وقال: (يا فاطمة بنت محمد: لا أغني عنك من الله شيئاً).
كما حرم الإسلام التمييز الطبقي وصراعاته التي شاعت في المجتمعات القديمة، وأكد عليها أفلاطون في جمهوريته، ونصت عليها دساتير وقوانين البلدان الاشتراكية والشيوعية، وعرفتها المجتمعات الرأسمالية كأمر واقع دون نصوص، فكانت المعاناة منها قاسية ومنهكة لأعداد كبيرة من الشعوب، إن لم تكن لشعوب بأكملها.
ثمة أنظمة قعّدت هذه التفرقة القبيحة وقننتها، فقسمت الشعب إلى مواطنين من الدرجة الأولى وآخرين من الدرجة الثانية طبقاً للنظريات والأيديولوجيات الخاطئة.
من حق المواطن في ظل النظام الإسلامي أن يصل إلى جميع المناصب والمواقع في الدولة والمجتمع، كنتيجة لإلغاء الفوارق العرقية واللونية والإرثية والطبقية، فجاء تكافؤ الفرص تحصيل حاصل، وثمرة دانية القطوف للجميع دونما استثناء، وأتاح في المجتمعات الإسلامية الراقية التي التزمت بهذه التعاليم وطبقتها بدقة تامة تحرير الرقيق، وبلوغ أعداد كثيرة منهم درجات عالية في الفقه والفكر والعلم والقضاء، وكثيراً ما مثل الخليفة أو الوالي أو قائد الجيش أمام القاضي الذي خلع عنه الإسلام ربقة العبودية، ليصدر حكمه النافذ على هؤلاء، فيذعنون له راضين غير كارهين.
وترسيخاً لمبدأ تكافؤ الفرص وتأكيداً عليه، جاءت التعاليم النبوية واضحة صارمة، يقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: (من استعمل رجلاً على عصابة، وفيهم من هو أرضى لله منه، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين)، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)، وروي عنه أنه قال: (من ولي من أمور الناس شيئاً، فولى عليهم أحداً محاباة أو لقرابة، وهو يعلم أن فيهم من هو أصلح منه، فليتبوأ مقعده من النار). وتدخل في إطار الحريات العامة.