ألوان الحرية

ألوان الحرية

الجزء السادس من يوميات بلا أسرار في المخيمات

نسيبة بحرو

صمتت الكلمات فنطق القلم ، ليروي الحكاية بقفزاته الرشيقة على الورق والجدران ، وتكتمل تفاصيل روايته بالألوان .. إنه قلم المبدعين من اللاجئيين السوريين في المخيمات التركية ، الذي رسم الحقيقة وجسد الواقع حين استمد حبره من قلب الحدث ، من دموع المقل ودماء القلوب المهجرة عن الوطن ..

فكل ما مر بهم من أحداث ، بدايةً من انطلاق الثورة السورية المباركة وانتهاء بلحظة التقاء الأنامل بالقلم ، نجده في كتاباتهم ورسوماتهم على اختلاف أنواعها ومسمياتها .. فمنها المضرجة بالدماء أو الساخرة من النظام السوري الآثم ورموزه الفاسدة ، ومنها المستجدية للعون أو الحالمة بمستقبل مشرق بالكرامة والحرية بكل لون ..

هذا اللقاء الصادق بين الأنامل والقلم ترك أثره في كل مكان ، ولم تخلو خيمة من صورة أو لوحة رسمت بيد حر أو حرة أو طفل صغير .. فها هو محمد الشاب المتقن لفن الخط والرسم ، يمضي ليله ونهاره يخط تعداد الأيام ويرسم عقارب الساعات التي أبعدته عن وطنه .. ويشكي الألم بلوحة رسمها على الجدار، استنكر بها بطء مجلس الأمن في اتخاذ خطوة ايجابية خلال سبعة شهور مضت ، وشبه قرارات هذا المجلس بالسلحفاة

وهاهي سهام التي فقدت حلمها حين حكم عليها بترك صفوف الدراسة بينما كانت على عتبة التخرج ، تكسرعزلتها الصامتة بلوحة تدين بها تواطؤ المتواطئين وتعاونهم في قتل حلمها الجامعي وهدر دماء الشعب السوري ، وتدين بها تخاذل المتخاذلين وصمتهم القاتل رغم جهر النظام الآثم في الاعتداء ، واستخدامه الأسلحة المحرمة على مرأى من أعينهم ..

 وفي لوحة أخرى مشرقة بالأمل المنتظر ، ترسم حلمها الجديد وقد تغير عنوانه واختلفت صفاته .. فبشار يجني جزاء آثامه ويقود نفسه إلى حبل المشنقة .. إلى جهنم وبئس المصير ، وسورية أحلى ..

أما رغد صاحبة الحس المرهف لم تكتفي برسمة أو اثنتين ، وإنما ملأت صفحات دفترها آمالاً وآلاماً .. أزهاراً وأشواكاً وأشواقاً للوطن الحبيب .. وجسدت برسمتها الناطقة حواراً دار بين عصفور طليق وطفلة سجينة ، يسألها العصفور : أنا حر فلماذا أنتم لستم أحرار ؟ ثم يبكي حزناً على سوريا الحزينة وأوضاعها الأليمة .. وتتمم رغد رسمتها بتعليق تستنكر به أن يمتلك العصفور حساً يفوق حس البشر ..

والملفت المؤلم هو التغير الجذري في رسومات الأطفال ومدلولاتها .. فالحديقة أصبحت مقبرة ، والزهرة دبابة ، وقطرة الندى قذيفة ، والنسمة سحابة دخان ، وماء النهر انقلب الى شلال دماء .. وهذه الرسومات هي أصدق انعكاس لحقيقة ما مر به الشعب السوري المكلوم دون زيادة أو تزييف .. لأن الطفل إن رسم ، رسم ما يؤمن به ويعيشه واقعاً يومياً لا يفارق مخيلته ..

ونجد من بين الرسومات المتفرقة سلسلة متتابعة رُسمت بيد شاهد على الحدث ، يروي من خلالها ما حدث..

 رجال الأمن يقومون بمهماتهم اللاأمنية ، فيهجمون على منزل ويعتقلون الأب ومن خلفه تبكي الأم والأطفال فزعاً ، ويدوسون بأقدامهم النجسة على جسد مواطن طاهر .. وفوق سطح المنزل قناص مجرم يطلق رصاصة الغدر على متظاهر أعزل ، ثم عائلات تغادر الوطن ، ومخيمات تكتظ  باللاجئيين الفارين من أصناف المحن ..

وتنتهي السلسلة بطفل مهجر، يمضي أيامه في المخيمات وقد حرم رفقة الأصدقاء وساحات متنوعة الألعاب ليلعب وحيداً في لعبة وحيدة ..

ولكن القصة لم تنتهي هنا ، وهذه السلسلة لم تكتمل بعد إذ ينقصها مسك الختام .. حيث سينقشع الضباب وتصفو السماء وقد تزينت بألوان قوس قزح الخلابة ، ألوان الحرية التي سيرسم بها المواطن السوري المغترب لوحة العودة بعز وأمان الى الوطن ، قريباً باذن الله ..