من المستفيد من مبادرة ستيفان دي ميستورا؟

م. عبد الله زيزان

[email protected]

يأس الإبراهيمي وطموح مستورا

خلال أقل من عامين من عمل المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي في المسألة السورية وصل الأخير إلى قناعة راسخة بأن هذه القضية أكبر من أن يحلها مبعوث أممي، وأكبر من أن تحلها وساطات ديبلوماسي مخضرم بين أطراف الصراع في تلك المنطقة، ذلك أنّ تلك الأطراف لا تملك قرارها بيدها، بل إن تلك الأطراف ما هي إلا دمىً تلعب بها قوى إقليمية ودولية، ولا تملك من أمرها شيء، مما صعب مهمة هذا المبعوث، فهو لا يفاوض طرفين مباشرين وإنما يفاوض دولاً ومنظمات من خلف تلك الأطراف، فإذا ما أضفنا إلى ذلك عدم الجدية أو ربما عدم الشهية للدول الغربية لتغيير الأوضاع في سورية، فإن مهمة ذلك المبعوث باتت أقرب إلى العبثية منها إلى عملية حقيقية لإرساء الاستقرار والنظام، ما دفعه في آخر المطاف إلى الاستقالة منتصف أيار الماضي...

وبعد أقل من شهرين استطاع بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة إقناع الديبلوماسي الإيطالي ستيفان دي ميستورا بتولي منصب المبعوث الأممي لسورية في تموز الماضي، لتشهد الساحة السورية منذ ذلك التاريخ مبادرات جديدة، تتصف بالضبابية والغموض لترتسم خارطة طريق جديدة للمنطقة، لكنه طريق يُعرف أوله، ولا يمكن تخمين منتهاه، ما أدخل الثوار والمعارضة بتجاذبات واختلافات، وكذلك النظام ومن خلفه...

تحريك الماء الراكد

حاول دي ميستورا منذ أن استلم منصبه الجديد أن يستفيد من تجربة سلفه في القضية السورية، فمبادراته أقرب للغموض منها إلى مبادرات متكاملة، وخطواته جاءت تحريكاً للماء الراكد على الصعيد السياسي والعسكري، لتكون كالمخدر الموضعي في المناطق الملتهبة على الأرض السورية كحمص وحلب، محاولاً إحداث خرق لحالة الثبات على الأرض، فالنظام السوري يقر بعجزه عن استعادة السيطرة على ما خسره من أراضٍ، وكذلك حال الجيش الحر الذي يحقق تقدماً بطيئاً على أغلب جبهات سورية...

والواضح أن مبادرة دي ميستورا التي أعلنها في 31 تشرين الأول الماضي تستغل الوضع الإنساني الحرج الذي تعيشه أغلب الأراضي السورية، مما يجعل فكرة تجميد القتال في جبهات محددة تدغدغ مشاعر السوريين الواقعين تحت نيران القصف والبراميل المتفجرة، وهو ربما ما أراده تماماً المبعوث الأممي، الذي استخدم مصطلح إيقاف "فرامة اللحم"، متوقعاً أن يلقى اقتراحه ذلك القبول الفوري من قبل الثوار على الأرض ومن قبل الشعب الذي لا زال صامداً على أرضه، في ظل دخول فصل الشتاء وما يضيفه هذا الفصل من معاناة على كاهل المواطن هناك...

المبادرة في صالح النظام

رغم أنّ ظاهر المبادرة هو مصلحة المواطن البسيط، وأنها مقدمة لتخفيف آلامه الحالية، من إيقاف للقصف والبراميل وتسهيل لدخول المساعدات الإنسانية الأساسية، إلا أن باطن المبادرة يصب في مصلحة النظام، لتشكل طوق نجاة له في المرحلة الحالية على الأقل، فالنظام يحاول بكل طاقته شراء الوقت، وهو تماماً ما يقدمه دي ميستورا على طبق من ذهب من خلال مبادرته الأخيرة...

صحيح أن عامل الوقت ضاغط على أطراف الصراع كلها إلا أنه يشكل مكسباً آنياً للنظام، فرغم ما يعانيه النظام الآن من تفكك لقاعدته الشعبية بدأت علاماته تطفو للإعلام، من خلال بعض التسريبات والمواقف من طائفته خصوصاً ومؤيديه من أصحاب المصالح عموماً، إلا أنّ خيارات النظام محدودة، وكسب الوقت لا زال الخيار الوحيد لديه، فالوقت يعني المزيد من البراميل والمزيد من التدمير والمزيد من القتل والتهجير...

مخاطر المبادرة

إن تجميد القتال على كافة الساحة السورية كما في بعض التسريبات لا يعطي النظام الوقت فحسب بل أيضاً يمهد لمرحلة خطيرة ستمر على الدولة السورية ككل، ومنبع الخطر في قضيتين أساسيتين، أولاها تشكيل أمر واقع على الأرض وما يشكله ذلك من تقسيم البلاد إلى مناطق نفوذ متناحرة، وهو ما سمي تجميلاً بـ "الدولة اللامركزية"، وثانيها، شغل الجيش الحر بقتال داعش التي لا يعنيها أي مبادرة، ما يعني أنها ستمضي في طريقها في القتال لكسب مزيد من الأراضي المحررة، مما يشكل استنزافاً للشباب والذخيرة، في الوقت الذي سينشغل فيه النظام بترتيب أوراقه، وربما استجلاب مزيد من المرتزقة وإعداد المزيد من البراميل والأسلحة...

فإذا ما أضفنا إلى ذلك كله عدم وجود قيادة موحدة للجيش الحر وكذلك عدم وحدة الصف لدى المعارضة السياسية ممثلة بالائتلاف والحكومة المزمع تشكيلها، وتناحر بعض مكوناتها بناء على خلفيات داعميهم الإقليميين والدوليين، فإن أي تجميد للوضع الحالي وأي ارتخاء للمقاتلين سيعود بالضرر على منجزات الثوار على الأرض وسيخدم أعداء الشعب الإقليميين والدوليين...

موقف الائتلاف

أصدر الائتلاف السوري المعارض بياناً في 22 من الشهر الجاري يوضح فيه رأيه في المبادرة، ويضع شروطاً لقبولها، أهمها أن تستند المبادرة لمقررات جنيف 1 وجنيف 2 بالإضافة لقرارات مجلس الأمن، واشترط إقامة ثلاث مناطق عازلة في الشمال والجنوب والغرب مع حظر للطيران وتسهيل إدخال المساعدات لكافة المناطق المحاصرة...

شروط الائتلاف سالفة الذكر سيعطي المبادرة شيئاً من روح، إذا ما تم تنفيذها، وهو غير متوقع، فما أثبتته الثورة في سنواتها الماضية أن معظم من يدعي صداقة الشعب السوري، لا يعرف من صداقته إلا مصالحه الخاصة، بعيداً عن كل دعايات حقوق الإنسان التي يتغنى بها دعاتها الغربيون...