خبير بحري غير معترف بخبرته
كاظم فنجان الحمامي
حتى الراقصات في الملاهي الليلية يصبحن خبيرات بالرقص الشرقي بعد مضي عام واحد عليهن في مهنة هز الوسط والأرداف, وحتى أرباب السوابق من اللصوص والحرامية صاروا بقليل من المكر والاحتيال من علية القوم ووجهاء المجتمع, وصاروا خبراء في المشاريع الخنفشارية, اما نحن الخبراء البحريون العراقيون فمازلنا نراوح في محلنا (مكانك سر), ونتكدس خارج تصنيفات الخبرة, بعد أن صارت المزاجية والانتقائية هي المعايير التي تتحكم بمصيرنا, وهي المعاول التي أودت بمستقبلنا, فصادرت حقوقنا, واستخفت بنا, وتجاهلتنا كليا, واستغنت عنا, وأقصتنا في وديان الإهمال والنسيان.
أنا شخصيا لم تكن التشكيلة السابقة لوزارة النقل تعترف بخبرتي البحرية الطويلة, بل أنها عبرت في اكثر من مناسبة عن تذمرها واستيائها من لقبي كخبير بحري, وهذا هو استحقاقي المهني الذي أكتسبته من خلال تجاربي الميدانية الطويلة, فلم يرق لها هذا اللقب الذي استكثرته عليّ, فأنا في نطرها مجرد موظف بسيط تطاول على الأعراف والتقاليد, فمنح نفسه أكثر من استحقاقاته الوظيفية, وتصرف خارج الضوابط والتعليمات, وبناء عليه لا استحق في نظرها أن احمل مثل هذا اللقب, وليس عندي ما يؤهلني لنيل هذه الدرجة وذلك في ضوء تقييمها المتأرجح بين الانتقائية والمزاجية والمنبعثة من أساليب وأد الكفاءات.
من كان يتصور ان الوزارة التي يفترض ان تحتفظ بملفاتنا الشخصية, هي التي تسعى لإلغاء خبراتنا, وتتعمد تجريدنا من مكتسباتنا المهنية والعلمية والوظيفية ؟. وتسعى لنسف مشوارنا المهني الطويل, الذي بدأته عام 1973 مع الدكتور حسن علي موسى والدكتور محمد صابر الموسوي؟.
ترى ما الذي تقوله التشريعات البحرية العربية بهذا الصدد ؟, فالتونسيون (مثلا) عندهم قانون صريح, يسمح لمن هو في عمر تلاميذ تلاميذي أن ينال درجة (خبير بحري), شريطة أن يكون حاصلا على شهادة ضابط بحري ثان, أو مهندس بحري ثالث مع ثلاث سنوات خدمة عملية في عرض البحر, أو أن يكون حاصلا على شهادة جامعية أولية في المجالات المينائية مع ثلاث سنوات خدمة. بينما تمنح (السعودية) درجة (خبير بحري) لمن يحمل شهادة البكالوريوس أو ما يعادلها من جامعة بحرية, على أن تكون متوافقة مع شروط التأهيل البحري المعترف بها دوليا, وأن يكون ملما باللغة الانجليزية تحدثا وكتابة. بيد أن الأمر مختلف عندنا تماما.
ولكي أضع النقاط على الحروف, اسمحوا لي أن استعرض هنا ملخصا لمشواري البحري الطويل, وأترك لكم الحكم والتقدير والتقييم:
أنا من أبناء الموانئ, وكان ترتيبي الأول على الدفعة الأولى للمدرسة المهنية البحري عام 1972, والأول على دورات المرشدين البحريين عام 1975, وحاصل على شهادة البكالوريوس في العلوم بدرجة جيد جدا, والدبلوم في الرياضيات, واتسعت خبراتي الملاحية الميدانية, ومهاراتي الفنية في المناورات البحرية في المياه الضحلة والقنوات الضيقة, ناهيك عن المهارات الأخرى التي اكتسبتها خلال خدمتي الممتدة لأكثر من 35 عاما.
أنهيت خدمتي الإلزامية على السفن الحربية, ثم أصبحت مدرسا لمادة (السلامة البحرية) في مركز التدريب المهني التابع للأكاديمية عام 1982, وكان المنهاج الدراسي من تأليفي, ثم صرت أمينا لمكتبة المراجع البحرية في جناح العلوم العسكرية, حتى أصبحت مدرسا لدورات القادة الأحداث في مدرسة قتال القوة البحرية, ومثلت الأكاديمية في المؤتمر البحري الهندسي الأول للنقل المائي (بغداد/ نقابة المهندسين/ 1986) بدراستي الموسومة (عودة لتقنيات الماضي), واشتركت أيضا بالمؤتمرين الأول والثاني عن الطبيعة البحرية لخور الزبير (مركز علوم البحار), وصدرت لي من مطابع مديرية التدريب, ثلاثة كتب, هي: (السلامة البحرية), و(شط العرب: ملامحه الرئيسية ونظامه النهري), و(شط البصرة بين التصريف والملاحة), ثم أصبحت مديرا لشعبة (المتابعة العلمية) في الموانئ العراقية, من دون أن انقطع عن العمل في إرشاد السفن التجارية الوافدة إلى موانئنا, وما زلت احتفظ في مكتبتي بنسخة من مجلة (ألف باء) التي وصفتني بالربان الذي يقود السفن العملاقة على سكة حديد, وكانت إدارات الموانئ تختارني لمهمات الإرشاد الصعبة والمعقدة, ولم تسجل ضدي أي حادثة بحرية, وكنت أول من فكر باستحداث قسم التفتيش البحري, وأول من فكر بإلغاء قانون (بيان سير السفن في المياه الداخلية لسنة 1919), وأول من كتب مسودة قانون الموانئ العراقية رقم 21 لسنة 1995, وأول من كتب مسودة (تعليمات الموانئ العراقية), وأول من كتب مسودة (السلطة البحرية العراقية), وأول من كتب الدليل التنظيمي لميناء خور الزبير, وأول من صمم الخوارزميات المينائية, ورسم المخططات الانسيابية التي اعتمدتها الموانئ في تدقيق مواردها المالية, وكنت فيما مضى مديرا للتفتيش البحري, ومديرا لميناء خور الزبير, ومعاونا لمدير عام الموانئ العراقية, وربما كنت من أنشط الكتاب العرب, وأغزرهم إنتاجا وتعمقا في كتابة الدراسات والمقالات البحرية, وأصبحت عضوا في اتحاد الكتاب الصحفيين, وعضوا في اتحاد الكتاب العرب, وعضوا في رابطة أدباء الشام, وعضوا في النادي البحري العراقي, ولدي كتب منشور على الشبكة الدولية, اذكر منها كتاب بعنوان (نحو تطوير الموانئ العراقية والارتقاء بها), وكتاب آخر مرشح للطبع بعنوان (على ضفاف شط العرب), وان مجرد كتابة اسمي باللغة العربية على محرك البحث في الشبكة الدولية يقطع الشك باليقين, ويفتح أمام الباحث كنوزا زاخرة بالأفكار التطويرية, والدراسات والمقترحات البحرية. ومازلت أمارس الملاحة كمرشد بحري في المياه الإقليمية العراقية. ثم حصلت على درجة (خبير بحري) من رئاسة محكمة استئناف البصرة الاتحادية, وتتعامل معي غرفة تجارة البصرة, واتحاد رجال الأعمال فيها, واتحاد سفن الصيد كخبير بحري, وتتعامل معي بعض المكاتب الدولية المتخصصة بفحص السفن ومعاينتها كخبير بحري, وقد حالفني الحظ في انجاز معظم تقارير الكشف والمعاينة لمعظم السفن التجارية الراسية على موانئنا خلال الأعوام الماضية.
لا أسعى هنا لنيل أي منصب أو مركز وظيفي, لكنني استحلفكم بالله ألا استحق أن أكون خبير الخبراء البحريين ؟, وهل من العدل والإنصاف أن يتعامل معي أهلي بهذه الأساليب الإقصائية التعسفية الجافة ؟, ثم ما الذي ارتكبته من جرم حتى ينكرونني ويتجاهلونني, سامحهم الله ؟, هذه الأسئلة اطرحها على أنظار السادة أعضاء مجلس محافظة البصرة, وارفعها إلى مجالس أدارت الجامعات والمعاهد البحرية العربية, لعلها تنصفني وتمنحني ما استحقه من تقدير علمي ومهني؟ . .