قصّتنا... مع الفيل
قصّتنا... مع الفيل*
هنادي الشيخ نجيب
يُروى أنّ ثرياً أرسل مجموعة من رجاله إلى الغابةِ ليصطادوا له فيلاً يجعله في حديقةِ قصره، حتى يستمتع بالنظر إلى ذلك المخلوقِ الضخم ذي القدرات الهائلة...
عادت المجموعة بعد أيام تحمل البشارة لصاحب القصر بأنّ فيلاً عظيماً أُحضرَ إلى فِنائه، وقيّد بسلسلة حديدية قوية، وضعت في آخرِها كرة كبيرة مصنوعة من الفولاذ الصلب، للتأكد بأنّ الفيل لن يفلت من القيد ويفرَّ عائداً إلى موطنه..
اهتاج الفيل عندما وجد نفسه مكبّلاً مأسوراً، محجوز الإرادة، مصادر الحرّية، وراح يضرب برجله الأرض ويشدّ جسده بكل ما أوتي من عزم، محاولاً الابتعاد عن الكرة الحديدية، لكنّ شدة الألم أثنته عن الاستمرار، فوقع منهكاً مستسلماً، آملاً حصولَ مراده بعد أن يأخذ قسطاً من الراحة والنوم...
واستمرّ الحال عدّة أيام حتى استيأس الفيل من جدوى محاولاته، وفقد الرغبة في تخليص نفسه، وضاعت كلّ آماله في استرجاع حريته... وفي مساءِ أحد الأيام، أراد الثريّ أن يُتيح الفرصة للفيل كي يهربَ من سجنه، فأمر حرّاسه أن يستبدلوا بالكرةِ الفولاذية الضخمة كرةً خشبية صغيرة هشّة... وتوقّع أن يتجاوز ذلك المخلوق العظيم أزمته وينتصر على محنته، ويستعيد موقعه في الغابةِ...
لكن المالك تفاجأ، صباح اليوم التالي، بمنظر الفيل القابع في مكانه، إذ لم يَخْطُ ولا حتى خطوةً واحدة، ولم يتحرك حركة واحدة... فبدا راضياً بحالته المزرية... مسلّماً طاقاته إلى النسيان، معتمداً على تجاربه الفاشلة، راضخاً للأمر الواقع...
هل تعلمون – شبابنا – أنّ تلك القصة تختصر قصّتنا... أجل... وإليكم الدليل...
هم قالوا لنا: "لقد جرّبنا وفشلنا"، فصدّقنا واستسلمنا ولم نحاول... هم كرّروا على مسامعنا: "بذلنا كثيراً وسعينا، لكنّ شيئاً لم يتغير"، فقلنا: "ولِمَ نبذل نحن، ونسعى للتغيير؟"...
فتوهمنا من أحداث سابقة ومواقف سالفة (وأغفلنا الفروق) أننا: لا نستطيع... ولا أمل لدينا... وبأننا عاجزون... مكبّلو الأيدي... مقيّدو الأرجل... مكمّمو الأفواه...
قصّتنا أنهم (وَهُمْ أي الآباء والأمهات والمربون والمدرسون والمسؤولون... مع الاعتذار والتقدير لهم جميعاً) أغرقونا بوابل من الرسائل السلبية، حتى "تبرمجنا" على العجز، و"تفرمتنا" (من كلمة Format) على الرضى بالواقع مهما كان مأسَاوياً، و"اكتسحتنا" ﭬيروسات "قلّة الحيلة" و"قوة الظروف" و"ضغط الأحداث"...
ليس ذلك تبريراً لشبابنا أن يقعدوا، وينهزموا في ميدان الحاضر، بل هو تفسير لما نشاهده على الساحةِ الشبابية... والتفسيرُ غيرُ التبرير...
إذاً... نحن بحاجةٍ إلى أن نأخذ قراراً حاسماً لإعادةِ برمجة عقولنا وأفكارنا، وإنزال برنامج الطموحات ليكون جزءً من الرؤية... برمجة تلغي كل الرسائل والمعلومات السلبية التشاؤمية، لتحلّ مكانها إيحاءات إيجابية تفاؤلية...
نحن بحاجةٍ إلى ثورة "ذهنية فكرية مشاعرية"، بجهود شخصية وأسرية واجتماعية وتربوية... متكاملة، وَفْق القاعدة القرآنية:( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا بأنفسهم)
ولنعتبر من قصة الفيل....
*من سلسلة "إشراقة غدي" – مجلة غدي الشبابية - لبنان