طاعة الذين كفروا عاقبتها الخسارة المؤكدة 16
النداء السادس عشر
طاعة الذين كفروا عاقبتها الخسارة المؤكدة
رضوان سلمان حمدان
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ (149) بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150) }آل عمران149
كَفَرُواْ(1): كفر الرجل - كفرا، وكفرانا: لم يؤمن بالوحدانية، أو النبوة، أو الشريعة.أو بثلاثتها.(2)
أَعْقَابِكُمْ: ما كنتم عليه قبل الإسلام من ضلال وكفران أو يردوكم إلى الحالة التى كنتم عليها قبل مشروعية الجهاد وهى حالة الضعف والهوان التى رفعها الله عنكم بأن أذن لكم فى مقاتلة أعدائكم الذين أخرجوكم من دياركم بغير حق.(3)
خَاسِرِينَ: فاقدين لكل خير في الدنيا، ولأنفسكم وأهليكم يوم القيامة.(4)
مَوْلَاكُمْ: ناصركم وحافظكم على دينكم.(5)
في ظلال الآيات
لقد انتهز الكفار والمنافقون واليهود في المدينة ما أصاب المسلمين من الهزيمة والقتل والقرح ليثبطوا عزائمهم ويخوفوهم عاقبة السير مع محمد ويصوروا لهم مخاوف القتال وعواقب الاشتباك مع مشركي قريش وحلفائهم . . وجو الهزيمة هو أصلح الأجواء لبلبلة القلوب وخلخلة الصفوف وإشاعة عدم الثقة في القيادة; والتشكيك في جدوى الإصرار على المعركة مع الأقوياء; وتزيين الانسحاب منها ومسالمة المنتصرين فيها! مع إثارة المواجع الشخصية والألام الفردية; وتحويلها كلها لهدم كيان الجماعة ثم لهدم كيان العقيدة ثم للاستسلام للأقوياء الغالبين!
ومن ثم يحذر الله الذين آمنوا أن يطيعوا الذين كفروا . فطاعة الذين كفروا عاقبتها الخسارة المؤكدة وليس فيها ربح ولا منفعة . فيها الانقلاب على الأعقاب إلى الكفر . فالمؤمن إما أن يمضي في طريقه يجاهد الكفر والكفار ويكافح الباطل والمبطلين وإما أن يرتد على عقبيه كافراً - والعياذ بالله - ومحال أن يقف سلبياً بين بين محافظاً على موقفه ومحتفظاً بدينه . . إنه قد يخيل إليه هذا . . يخيل إليه في أعقاب الهزيمة وتحت وطأة الجرح والقرح أنه مستطيع أن ينسحب من المعركة مع الأقوياء الغالبين وأن يسالمهم ويطيعهم وهو مع هذا محتفظ بدينه وعقيدته وإيمانه وكيانه! وهو وهم كبير . فالذي لا يتحرك إلى الأمام في هذا المجال لا بد أن يرتد إلى الوراء والذي لا يكافح الكفر والشر والضلال والباطل والطغيان لا بد أن يتخاذل ويتقهقر ويرتد على عقبيه إلى الكفر والشر والضلال والباطل والطغيان! والذي لا تعصمه عقيدته ولا يعصمه إيمانه من طاعة الكافرين والاستماع إليهم والثقة بهم يتنازل - في الحقيقة - عن عقيدته وإيمانه منذ اللحظة الأولى . . إنها الهزيمة الروحية أن يركن صاحب العقيدة إلى أعداء عقيدته وأن يستمع إلى وسوستهم وأن يطيع توجيهاتهم . . الهزيمة بادىء ذي بدء . فلا عاصم له من الهزيمة في النهاية والارتداد على عقبيه إلى الكفر ولو لم يحس في خطواته الأولى أنه في طريقه إلى هذا المصير البائس . . إن المؤمن يجد في عقيدته وفي قيادته غناء عن مشورة أعداء دينه وأعداء قيادته .
فإذا استمع إلى هؤلاء مرة فقد سار في طريق الارتداد على الأعقاب . . حقيقة فطرية وحقيقة واقعية ينبه الله المؤمنين لها ويحذرهم إياها وهو يناديهم باسم الإيمان :
{ يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين } . .
وأية خسارة بعد خسارة الارتداد على الأعقاب من الإيمان إلى الكفر؟ وأي ربح يتحقق بعد خسارة الإيمان؟
وإذا كان مبعث الميل إلى طاعة الذين كفروا هو رجاء الحماية والنصرة عندهم فهو وهم يضرب السياق صفحا عنه ليذكرهم بحقيقة النصرة والحماية : { بل الله مولاكم وهو خير الناصرين } .
فهذه هي الجهة التي يطلب المؤمنون عندها الولاية ويطلبون عندها النصرة . ومن كان الله مولاه فما حاجته بولاية أحد من خلقه؟ ومن كان الله ناصره فما حاجته بنصرة أحد من العبيد؟(6)
من هداية الآية
1. المراد من طاعة الكافرين قبول قولهم والأخذ باراشادتهم.(4)
2. طاعة الذين كفروا عاقبتها الخسارة المؤكدة وليس فيها ربح ولا منفعة. فيها الانقلاب على الأعقاب إلى الكفر.(6)
3. تحرم طاعة الكافرين في حال الاختيار(7).
4. بيان السر في تحريم طاعة الكافرين، وهو أنه يترتب عليها الردة. والعياذ بالله.(4)
5. بيان قاعدة من طلب النصر من غير الله أذله الله. (4)
6. الآية عامة في مطاوعة الكفرة والنزول على حكمهم؛ فإنه يجر إلى موافقتهم على دينهم. وهذا هو السبب في ارتداد من بقي من المسلمين بالأندلس حتى رجعوا نصارى، هم وأولادهم، والعياذ بالله من سوء القضاء.(8)
7. ما زال الكفار مثابرين على رجوع المؤمنين عن دينهم، {ودّوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء} . {وودُّوا لو تكفرون} {وَدَّ كَثِيرٌ مّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا} {وَدَّت طَّائِفَةٌ مّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ}.
8. عَنِ ابْنِ جَرِيحٍ: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ" قَالَ: فَلا تَنْتَصِحُوا لْيَهُودَ وَالنَّصَارَى عَلَى دِينِكُمْ، وَلا تُصَدِّقُوهُمْ بِشَيْءٍ مِنْ دِينِكُمْ".(9)
9. قال أبو بكر الرّازي: فيها دلالة على النهي عن طاعة الكفار مطلقاً، لكن أجمع المسلمون على أنه لا يندرج تحته من وثقنا بنصحه منهم، كالجاسوس والخرّيت الذي يهدي إلى الطريق، وصاحب الرأي ذي المصلحة الظاهرة، والزوجة تشير بصواب.(10)
10. التشبيه في: يردّوكم على أعقابكم، شبه الرجوع عن الدين بالراجع القهقري، والذي حبط عمله بالكفر بالخاسر الذي ضاع ربحه ورأس ماله وبالمنقلب الذي يروح في طريق ويغدو في أخرى.(10)
المراجع:
1. قال بعض أهل العلم الكفر على أربعة أوجه: كفر إنكار وكفر جحود وكفر معانده وكفر نفاق وهذه الوجوه الأربعة من لقي الله بواحد منها لم يغفر له.. فاما كفر الانكار فهو أن ينكر بقلبه ولسانه ولا يعرف ما يذكر له من التوحيد كما قال الله عز و جل {ان الذين كفروا سواء عليهم أنذرتهم ام لم تنذرهم لا يؤمنون} أي كفروا بتوحيد الله وانكروا معرفته .. وأما كفر الجحود فانه يعرف بقلبه ولا يقر بلسانه فهذا كفر جاحد ككفر ابليس.. وكفر المعانده هو أن يعرف بقلبه ويقر بلسانه ويأبى أن يقبل الإيمان ككفر أبي طالب فإنه قيل فيه آمن شعره وكفر قلبه أي كفر هو مثل قوله ... (ولقد علمت بأن دين محمد ... من خير أديان البريه دينا) .. واما كفر النفاق فان يقر بلسانه ويكفر بقلبه ككفر المنافقين. [ الزاهر - الأزهري ]
2. القاموس الفقهي لغة واصطلاحا.
3. التفسير الوسيط.
4. أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير.
5. الكشف والبيان.
6. في ظلال القرآن – سبد قطب.
7. أما في حال الإكراه فإن من لم يطق العذاب يرخص له في إعطائهم ما طلبوا منه على شرط أن يكون كارهاً بقلبه ساخطاً في نفسه غير راضٍ عنهم ولا عن صنيعهم وذلك للآية: {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالأِيمَانِ}. ]أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير[.
8. البحر المديد..
9. تفسير ابن أبي حاتم.
10. تفسير البحر المحيط.