مختبر الأولويات
مختبر" الأولويات"
من سلسلة: "إشراقة غدي"
هنادي الشيخ نجيب
دخل الأستاذ إلى الصف وهو يحمل وعاء وعدة أكياس في يد، وفنجان قهوة في اليد الأخرى.. تفاجأ الطلاب، فما أحضره الأستاذ ليس من وسائل الإيضاح التي يستعملها عادة في مادة التخطيط والإدارة!
استهل المُحاضر كلامه قائلاً: سنبحث اليوم في مسألة مهمة وخطيرة، وأهميتها تكمن في انعكاساتها على كلِّ مراحل الحياة، وخطورتها في أنَّ لها صورٌ من التطبيق الفوضوي والمعكوس - خاصة عند الشباب. فتح المعلِّم الأكياس التي بحوزته وبدأ يُخرج عدداً من الطابات ويضعها داخل الوعاء الفارغ حتى طفّ... ثمّ توجَّه إلى تلاميذه وسألهم: هل بقي في الوعاء مكان لشيء آخر؟، أجابوا جميعاً وببديهية: لا، فتناول كيساً من الحصى وشرع بتعبئة الوعاء منه حتى امتلأ، ثم سأل طلَّابه المندهشين ثانية: والآن، هل ترون أنّّ الوعاء يتحمّل المزيد؟ سكتوا مترقبين بينما انهمك الأستاذ بإفراغ حفنات من التراب داخل الإناء... هذه المرّة لن يسأل الأستاذ إذا كان باستطاعتنا أن ندخل عنصراً رابعاً، هكذا ظنّ الطلاب، لكنهم فوجئوا به يطرح السؤال نفسه، فاعتقدوا أنه يمزح! لكنه أمسك بفنجان القهوة وصبّ محتواه داخل الوعاء الذي استقبل السائل دون انزعاج أو ضيق!
إنها قضية الأولويات... أفصح الأستاذ عن هدف تلك التجربة العجيبة. أن تتعلموا –أيها الشباب- كيف تملؤون حياتكم بالأولويات بعد ترتيبها بشكل منطقي وسليم، وهذا ما سيضمن لكم السعادة والنجاح...
فحياتنا تشبه الوعاء، وأوّل ما يجب أن تمتلئ به، وأن نهتم بتوفير أوسع المساحات له: الدين والعقيدة والأخلاق والقيم والمبادئ، وذلك مثل الطابات التي احتلت أكبر مساحة في وعاء الحياة. ثم يأتي دور الدراسة والتخصص والعمل والزواج والأسرة، وغيرها من عوامل تطوير الإنسان وتحسين أوضاعه، وهو ما رمزت إليه حبات الحصى. وبعد ذلك يحين وقت العلاقات الاجتماعية وزيارة الأقارب والاستمتاع بصحبة الأصدقاء، وقد دلّت عليه حفنات التراب التي وجدت لها مكاناً بين كبرى القضايا... ثم ختم الأستاذ مبتسماً: وبالرغم من كل تلك الاهتمامات والمشاغل، يبقى هناك وقت لاحتساء فنجان من القهوة لإضفاء نكهة مميزة على حياتنا!
شبابنا الأعزّاء... ماذا لو بدأ المعلّم بملئ الوعاء بحبات الرمل _ وهي كناية عن إمضاء الوقت مع الأصدقاء في الترفيه والنزهات والرحلات فحسب_ فهل ستترك مجالاً للقضايا الأهم في حيازة المرتبة الأولى ضمن لائحة الأولويات؟!
سؤال برسم الإجابة... رجاء أن تستقيم حياتنا بالتركيز على أولوياتنا...