فنون التعامل مع المشكلة الزوجية

فنون التعامل مع المشكلة الزوجية

جمال سعد حسن ماضي

[email protected]

العيب الذى هو الخطأ المتكرر ، حينما يكون مع سبق الإصرار والترصد ، من أحد الزوجين فكراً أو تخطيطاً أو إبداعاً أوتنفيذاً ، هو ما نطلق عليه :

( مشكلة زوجية ) ، وبدءًا لا توجد مشكلة وإلا لها حل ، والحل هنا يحتاج منا إلى جهد مضاعف , كنا فى غنى عنه ، حيث يستهلك وقتاً وانفعالاً وتكلفة أكبر .

مشكلة أم تحدى ؟

إنني أتفق تماماً , مع الرأى الذى يطلق على ( المشكلة ) كلمة : ( التحدى ) ، فالمشكلة فيها انكسار وهزيمة ومصيبة وأزمة وكارثة ، وغالباً ما تصاحبها أحاسيس واهنة , ومشاعر حائرة ، وعواطف فاترة ، أما ( التحدى ) ، فالظاهر حتى من نطق حروفه أنه يحوى المواجهة والمدافعة و القوة والعزيمة والإرادة والثقة الكاملة فى الانتصار .

 فهل يتفق معى الزوجان على أن نطلق كلمة ( التحديات ) ؟

خاصة على مشاكلنا الزوجية ؟

التى هى من صنع أيدينا ، وكسب أنفسنا , ولذلك بيدنا حلها أو إزالتها ، أو حلها بنسبة أو التعايش معها , وهذا ما سنحاول معاً التعرف عليه , من أول خطواته , وبداية تحدياته , فهل لمواجهة هذه التحديات فنون ؟ .

من فنون التحدى

فن المواجهة

أى تجاهل أو إهمال أو لامبالاة أو تعامل سلبى مع المشكلة ، يجعلها تتفاقم ويصعب حلها ، وتلحق بغيرها من المشكلات ، مما يكوّن ( ران البيوت ) ، فالأصل فى الران الذى يتكون على القلوب , لتراكم الذنوب والخطايا وتفاقم المعاصى ، وهذا الران هو كثافة سوداء تسيطر على القلب فترد نور الله أن يصل إليه ، ونور الله لا يتوقف ولكن تخطئه القلوب السوداء .

كذلك البيوت : ( ران البيوت )  ، كثافة سوداء ترد أى سعادة ، وتعكس أى بهجة ، وتضعف أى مودة ، وتقلل أى رحمة ، فيخبو الحب ، وتنهار اللحظات الجميلة .

فالزوجة التى تعانى من تجاهل زوجها ، ولا مبالاته عند المشكلة ، بحيث لا يصالحها أو يكلمها ، فتبادر هى بالمصالحة ، ولعله يرد عليها حين تصالحه رداً أليماً , مع أنه قد يكون مخطئاً !!

والزوج الذى يعانى بأنه هو الذى يعود ويصالح ، بحيث لا يجد من زوجته الإ الإهمال والتمادى فى عدم التقدير ، على أمل منها أنه يعود في كل مرة ، مع أنها هى المخطئة !!

هذا المشهدان متكرران كثيراً ، وسبب ذلك يكمن فى أن الزوجين لم يتدربا على ( فن المواجهة ) ، وهو الأمر الذى يجعل الحل ممكناً والتحدى ناجحاً ، فالمبادرة بالصلح من الزوجين , مع احتمال الخطأ من الآخر ، هو أول خطوة فى المواجهة ، حفاظاً على الحياة الزوجية ، واستمراراً لأيام جميلة قد نحرم أنفسنا منها أزماناً .

وما صور الإهمال واللامبالاة والتجاهل , إلا هروب من مواجهة المشكلة أو مواجهة الطرف الآخر ، من وهم ما يلاقيه إما من معاناة العودة ، فيؤثر الابتعاد لخوفه من ردة الفعل عن خطئه ، أو يؤثر الصمت لضعف فى شخصيته أو تكبراً وغروراً فى شخصيته !! .

فهل من خطوات عملية فى ممارسة فنون المواجهة ؟

الخطوة الأولى : اختيار الوقت المناسب

الذى يكون فيه أحد الزوجين سعيداً  حتى لا تكون ردة فعله سلبية ، و هذا التوهم تبدده الأوقات المناسبة والسعيدة ، فهو يعطى قوة نفسية للمبادر من الزوجين نحو المصالحة وفقط ، وأما أنه وهم , لأنه فى علم الغيب ، فما يدرينى بأن ردة الفعل ستكون سيئة ؟

حتى وإن كان الأمر يتكرر ، فأقدار الله لا يعلمها إلا هو .

حتى ولو كان رد الفعل سيئاً ، فلماذا لا تكون العين على الهدف ؟

فالتركيز على الهدف , الذي هو المصالحة ، يتطلب من كل من الزوجين أن ينتظر ويتحين الفرص ويتدرج فى الوصول إلى الهدف ، وهذا ما يطلق عليه ( سير العقلاء ) .

الخطوة الثانية : استثمار نقاط الضعف

فى كل منا نقطة ضعف ، على الطرف الآخر اكتشافها ، ومعرفتها ، واستثمارها نحو حل المشكلة ، وليس لتعقيد المشكلة وصناعة النكد ، والذين امتلكوا هذه المهارة يقولون : [ ( استثمر) ( استثمرى ) نقطة الضعف حتى (تجعلها ) ( تجعليه ) , ( يبادرك ) ( تبادرك ) بالصلح ] ,  فقد يكون الضعف أمام الكلام العاطفى ، أو الأمور الجنسية ، أو النواحى المالية ، فالمهم هو دراسة هذه النقاط وهى تختلف فى البشر رجالاً ونساءً ، ويمكن العودة إلى كتابنا ( الزوج رجل والزوجة أمراة ) ، ففيه تفصيل عن هذا الجانب ، والأهم هو كيف يحول أحد الزوجين نقطة ضعف الآخر لصالح التصالح وحل المشكلة .

الخطوة الثالثة : التفاؤل فى تقديم المبتكر من الوسائل

التفاؤل وليس عدم اليأس ، فالوسائل لا تنفذ وفى كل يوم جديد من إبداعات الوسائل ، وابتكارات الرسائل بين الزوجين ، وهى فى مجملها أمور محسوسة , تدغدغ المشاعر والوجدان , مثل : رسالة مكتوبة , أو باقة ورد , أو همسة حالمة ، أو لعبة زوجية ، أو بمعنى آخر أن يقدم كل من الزوجين بين يدي المواجهة دليلاً محسوساً ، بدلاً من الاكتفاء بالكلام ، فبعض الأزواج تزيدهم المواجهة عناداً وليس قبولاً , وبعض الزوجات تزيدهم المواجهة تمرداً وليس موافقة ، وبهذا الأسلوب نضمن عملياً كسب القلب وليس كسب الموقف أو الجولة .

الخطوة الرابعة : الاستعانة والمساعدة

- الاستعانة بمعنى طلب العون : وأول الاستعانة أن تكون بالله تعالى , من قلب صافٍ ونفس شفافة ، في دعاء صادق وابتهال رطيب وذكر رقراق ، بأن يصلح الله بين الزوجين ، وهذه خطوة مجربة ، ولكنها لا تحقق نتائجها إلا بعد استيفاء الخطوات الثلاثة السابقة ، فهذه هى سنة الله فى كونه .

- ثم الاستعانة بالأبناء العقلاء : فى توفيق العلاقة وتحسين المصالحة ، بطرق غير مباشرة ، كالحديث عن المحاسن والأخلاق الكريمة أو الحيل الزوجية الرامية لتحقيق التصالح , في إنهاء المشكلة وحلها , أو حتى التعايش معها .

- ونعنى بالمساعدة : مساعدة أحد الزوجين للآخر ، فى التصالح ، سواء بالتمهيد له , أو أداء الحقوق ، أو حسن الحوار ، أو التشجيع والدافعية , للخروج من مأزق الصمت , أو الخوف أو الانغلاق , أو الهروب من المواجهة ، ومن فنون ما توصل إليه الباحثون فى ذلك :

ـ عدم محاولة إقناع أحد الزوجين لنفسه بعدم وجود مشكلة ، وبذلك يكون أكثر قابلية للمواجهة فى شجاعة وإقدام .

ـ عدم المبالغة فى استعصاء أى حل للمشكلة حيث يقال : لا أمل ، أو عدم إعطاء المشكلة حق قدرها من الاهتمام حيث الاقتناع بعدم وجود مشكلة .

ـ الوضوح التام مع النفس ، والتعامل معها بكل صراحة , ففقدان الوضوح يؤدى إلى تصاعد المشكلات ، وتدمير العلاقات ، وإنهاء الصلات .

ـ الشعور بخطر المشكلة يتبعه تصرف إيجابى ، والخطر قد يكون خطراً داهماً وقريباً ، أو خطراً ينمو بشكل تدريجى ، أو خطراً مستقبلاً بعيداً ، المهم أولاً الشعور بالخطر ، وثانياً تحديد الخطر ، لإحسان التعامل معه بحجمه وواقعه الطبيعي .

ـ الابتعاد عن اختلاق الأعذار ، فالرجال يختلقونها لإثبات عدم تغيرهم ، والنساء يستخدمنها محافظة على الاستقرار والأمان ، ولكن سُرعان ما تنكشف الحقائق وتنهار الأعذار الكاذبة .

ـ الابتعاد عن حل المشكلة داخلياً ، بمعنى تخيل أنها فى نفس كل طرف من الزوجين ، وبيده حلها ، فيميلان إلى الصمت والانعزالية ، مما تهدد حياتهما بانفجار المشكلات جملة واحدة , وبشكل مفاجئ لم يكن في حسبان أي منهما .

ـ التحرر من ( همسات الخوف ) ، بمعنى أن يقنع أحد الزوجين نفسه بأنه مخطئ ، أو أن عليه الطاعة ، أو الشعور بالتقصير ، دون أن يحقق ذلك عملياً ، بل إنه يتصور أن سلوكه قد تغير لهذه الهمسات , فإذا به يُفاجئ بأن المشكلة التى توهم أنها اختفت , ازدادت من حيث لا يشعر .

ـ لن تكون المساعدة موفقه للآخر ، الإ إذا امتلكه الشعور بجلال وعظمة الآخر ، وأنه يستحق الحب والخدمة والتقدير ، بلا صلف أو علو أو غرور ، ومن ثم واجب كل من الزوجين , أن يطرد أى لحظة مزعجة , ويتذوق أى لحظة جميلة ، ويوسع مجال مساعداته للبيت أو الأبناء أو الإسراع في فعل كل ما يسعد مشاعر الآخر .

فن الأربعين يوماً

بعد المواجهة يأتى التنفيذ ، وبعد فن المواجهة تأتى فنون التعامل مع المشكلة , وهى تحديات غالباً ما ينجح فيها الأزواج والزوجات , الصادقون والصادقات والمحبون والمحبات ، ونقترح أن تكون أربعين يوماً ، ولذلك أطلقنا عليها ( فن الأربعين يوماً ) ، اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول : [من صلى لله أربعين يومًا في جماعة يدرك التكبيرة الأولى
كتبت له براءتان براءة من النار وبراءة من النفاق ] الترمذي وحسنه الألباني , فإذا كان الالتزام لمدة أربعين يوماً ، كفيلاً بإنهاء النفاق فى القلوب ، أليس يكون جديراً بحل المشكلة فى حياتنا الزوجية ؟! , فهل أنت على استعداد لحل مشكلتك الزوجية في أربعين يوماً ؟ .

هذا ما سنلتقي معه في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى .