مفتتح شيخ شعراء الصعيد

محمد أمين الشيخ

أ.د. محمد أبو الفضل بدران

عميد كلية الآداب بقنا

جامعة جنوب الوادي

 " هل يوجد الإنسان إلا في ذاكرته " فماذا تحمل ذاكرتي حول هذا الشيخ الذي علّمنا الشعر .. وكان قدوة لنا في خلقه وتواضعه فهو العالم من غير ادعاء ، والمتواضع دون كبرياء ، والتقى دون رياء ، كان وجوده في الأمسية ، في جلساتنا يضفى جوا من الألفة والمحبة ، لقد جاء ليكون أبا للجميع ، وليكون حَكَما يرتضيه المجتمع ، إنه دور الشاعر القديم الذي يؤلف بين أبناء قبيلته ، لكن قبيلة الشاعر محمد امين الشيخ كانت الوطن ، كان يحس بأبناء العروبة كأبنائه ، شغلته قضايا وطنه أكثر ما كانت تشغله قضايا بيته وقبيلته ، لقد غدا صوت أمته ، ولكنه في الوقت ذاته – الشاعر المرهف ، العاشق ، الذي يصف لواعج النفس وآلام الهوى في تعفف بيّن ، وجمال تورية ، وبلاغة خطاب .

في كل أمسية قصيدة ، وحسنا ما فعله أبناؤه الصالحون عندما جمعوا هذا التراث الشعري في ديوان أحرى بالصعيد أن يكون ديوانه المعبر عنه ، عن آماله وآلامه ؛ وفي مناسبات وطنه وبيئته كان الشاعر محمد أمين الشيخ يتخذ من المناسبات وسيلة للتحدث عن الوطن ،كان الوطن عشقه الأزلي ، وهواه المصون .

 عندما ألّمْت بي حادثة سير جاء إلى قريتي " العويضات " محييا بقصيدته التى غدت درة فخر للقرية :

 قلت للعويضات

قـلت للعويضات : مساء الخير
أنـت مـاغـبـتِ عن iiقوص
مـا تواري الحدودُ صلة iiالأهل
فـأنـا أدرك الـحـياة iiوجدانا
قلت  للعويضات : يعجز iiالشعر
ربـما كنتِ فوق طاقات iiروحي
هـاهـنا  تنبت المروج اقتداراً
وهـنـا تُـزهـر الربوع iiنقاءً
وهنا " أبو الفضل " مبدع الشعر
حـسـبـنـا مـنه رقةٌ iiوسمو
أحـمـد الله أن أراك iiسـلـيماً
حـينما  كنت في الفراش iiبعيداً
فامض في الكون ... مثلما iiكنت
وســلام مـن الله iiيـرعـاك













يـا قـريـة الـصـفاء iiالنقية
وإن  كـنـت في الرؤى قفطية
ولا تـقـتـل الـمعاني iiالسنية
تـحـوطـه مـشاعرٌ iiوحدوية
أن يـوافـيـك بـالثنا والتحية
فـاقـبـلـيـها  قوافيا iiوردية
ورجـالا ذوي نـفـوس أبـية
وارتـقـاءً وعـزةً iiوحـمـية
والـقـول  وفـارس الـعربية
حـسـبـنـا منه دفقة iiشاعرية
بـاسم  الثغر ناصعاً في iiالطوية
سـكـب  الهم في القلوب iiأسية
ذوقـا ... ورفـعـة iiفـوقـيه
أنّـى رحـلت يا شاعر iiالحرية

وعندما بلغني نبأ وفاته جاءت هذه القصيدة .

أسـتـغـفرُ  اللهَ ذنباً لستُ iiأحصيهِ
قـد  أقـبـلَ الليل، والأحزان iiقاتلةٌ
تـفـطّـرت  مهجٌ من فَقْدِ iiشاعرها
وقـد تـمـنـيتُ أني كنتُ في حُلُمٍ
مـا  جـئـت راثيه بل جئت iiأبكيه
مـا كُـنتُ أحسبني آتي إلى iiقوص
والـكـل  فـي مأتم والناسُ iiواجمة
وراحَ كـلٌّ يـعـزّي فـيه iiصاحبَه
كـلٌّ يُـكـفـكفُ دمعاً في iiمحاجرهِ
قـد  صـار للكلّ رمزا في iiأصالته
وكـلـنـا بـقـضـاءِ اللهِ مـلتزمٌ
فالموت  كالجسمفي طولٍ وفي iiقِصَرٍ
والـنخلُ  جاءَ بثوبِ الحزنِ iiمتشحا
قوص بكت شيخها ، والشعر منتحب
يـبـكـي  عليهِ بعينٍ فاضَ مَدمَعُها
قـدكـانَ؛آهٍ  ولـيْت الْ"كان"لم iiتكنِ
قـد  كـانَ كالبحر؛تلك الكافُ iiزائدةٌ
مـا  جـئـتُ راثيَه بل جئتُ iiأبكيهِ
مـا كـنـتُ أحسبني آتي إلى iiزمنٍ
أبـكـي الـمبادئَ أم أرثي تواضعَه
قـد كـنـتَ فينا حكيمًا ناصحا وأبا
كـلُّ الـمـكارمِ في قولٍ وفي iiعملٍ
ومـا أتـيـتُ بشعري كي iiأُواسيَكم
وقـد  أتـيـتُ بـشعرٍ لفظُه iiوجعٌ
وربـمـا أَنَّ شـعـرٌ مـن iiتوجّعهِ
قـد كـنتُ أرقبُ كيف الموتُ iiغيّبَهُ
فـي  كـلِّ أرضٍ بكاه الناسُ iiقاطبةً
هـا  قـد رحلتَ قريبا في جوارحنا
يـا  أيـهـا الـموت رفقا إننا بشر
كـأنـما  الأرضُ ودّتْ منه iiعنبرَها
لـوانَّ زائـرَه قـد جـاءَ مـن iiبلدٍ
فـقـد تـحـوّل روضًا عند iiزائره
يـا ربّ جـاءك عـبـدٌ؛ فَقْدُهُ جللٌ
أنْـزلْـه  مـولايَ دارَ الخُلد iiتَكَْرِمَةً
مـحـمـدٌ  ، يا أمين الشيخ iiمعذرة
قـد  جئتَ في زمن ما أنت iiصاحبه
يـا أمـةَ الـشعرهذي دمعتي كُتبتْ




































يـا  غـافـرَ الذنبِ مَنْ للعبدِ iiيأتيهِ
فـلـذتُ بالله فـي صـمتٍ iiأناجيهِ
والـشّـعـر من حزنهِ أقْوتْ قوافيه
ولـم  يـجـئ ذلـك الناعي فيعنيه
كـل  الـصـعـيد فداء ، لو iiيفدّيه
والـشـاعـرُ  الشيخ قد خلا iiمحبيه
وحـزنُ  شعبي-دهورًا - لا iiيوافيه
كـلٌّ يـلـوذُ بـصـبـرٍ لا يواتيهِ
كـأنـمـا  الـدمـعُ نبتٌ في مآقيهِ
وكـلّـنـا  صار حولَ الشيخ iiأَهْلِيهِ
لـكـنـما  الصبرُ هَوْلُ الفقدِ iiيُرْديهِ
والـمـوتُ  لفظٌ وكلُّ الناسِ iiترويه
فـالـشـيـخُ زارعُهُ، والكلّ iiيجنيهِ
يـبـكـي عليه ، وقد فاضت iiمآقيه
والـشـعـرُ يبكي حبيبًا ،ساكنٌ iiفيهِ
مـا تـلكُمُ الْ كانَ إلا محض iiتمويهِ
"فـهـذه الـكاف ليستْ كافَ iiتشبيهِ
كـلّ الـقـلـوبِ فـداءٌ لـوْ تُفدّيهِ
والـمـاجـدُ  الشيخُ قد خلَّى iiمُحبّيهِ
إنْ  قـصّـر الشعرُ فالأخلاقُ iiتكفيهِ
وحـكمةُ  الشعرِ قد جاءتْ على iiفِيهِِ
إنّ  الإنـاء نـضـوحٌ بـالذي iiفِيهِ
أنـا حـزيـنٌ ، كـفردٍ من iiمريديه
فـالـفـقـدُ  قاتلُه ، والحزنُ iiيمليهِ
وربـمـا  نـاحَ لـفـظٌ من iiتلظّيهِ
لـكـنْ  مـناقبُه في الأرضِ iiتحييهِ
ولـوْ يـغـيـبُ فـإن الحبَّ iiيُدْنيهِ
كـأنَّـك الـلـفـظُ مسكونٌ iiمعانيهِ
مـن الـتراب ، فكيف القبر iiيطويهِ
فـراحت  الأرضُ بالأحضان iiتؤويهِ
لا  يـسْـألنَّ ، فطيبُ التُّربِ iiيهديهِ
نِـعـم  الـجوار ونِعم الشيخ iiثاويهِ
لـكـنّ قُـرْبَـكَ يـا مولاي iiيكفيهِ
فـجودُك  الجودُ عدلٌ سوف يرضيهِ
إن  جـاء شعري دما فالحزن iiيدميه
هـذا  الـزمان زمان الزيف iiوالتيه
وإنّ لـلـشـعـرِ ربًّا سوفَ iiيحميهِ

شكري العميق للأستاذ الدكتور هاشم أبو الحسن على الذي جاء ليعيد لنا زمن الوفاء في زمن عزّ فيه الوفاء ويعيد لشيخ شعراء الصعيد حقه ويعيد لقوص مجدها الأدبي العتيق .

 وتحياتي للصديق الأستاذ أسامة محمد أمين الشيخ الذي يثبت وإخوته وأخواته إن عطاء الشيخ ونفحاته لا تنقطع ، فما مات من أنجب أمثال هؤلاء .