دعوة الإخوان المسلمين في المنزلة دقهلية 5

دعوة الإخوان المسلمين في المنزلة دقهلية

(5)

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

وقالت مشاعري..

إنها الذكرى التي لا تنسى، وكانت ـ وما زالت  ـ مغروسة في القلب، دافقة في الدم: ذكرى أول مرة.. وآخر مرة... رأيت فيها الإمام العظيم حسن البنا . وكان من بداياتي الشعرية ـ أو المتشاعرة ـ ما عكسته هذه الذكرى من كلمات سجلتها بعد استشهاده بعامين، وأنا طالب في المرحلة الثانوية، بعد أن استمعت في مدينة المنصورة إلى أحد تلاميذه يخطب، وفي نبراته وطريقته بعض من سمات الإمام الشهيد.. وأنقل ـ دون تعديل ـ هذه الكلمات التي سجلتها في أوراقي سنة 1951م:

رأيتُهُ..

أمامَهُ من القلوبِ ألفُ ألفٍ تَسمعُ

رأيتهُ كأنما يلحن الضياءَ والشفقْ

ويرسلُ النشيدَ من نياطِ قلبه الكبيرْ

ترتيلةً من الذهبْ

قل يا إمامً قل

وحينما سمعته يقولْ

ـ"الله غاية الغايات يا صحاب"

رأيتُ فجر النور في الأفقْ

والفَ ألفِ محرابٍ يُـسَـبِّـحُ

وكلُّ عين في الضياء تَـسْـبَـحُ

والأرضُ ـ يا لَلأرضِ ـ أصبحت سماءْ

والليلُ فجرًا مائجًا بأقدسِ الأسماءْ       

وبحرُ سر الله .. لا يُـحَدْ

الحيُّ ، والقيومُ , والجبارُ

والسميعُ , والعليمُ , والغفورُ, والأحدْ

**********

قل يا إمامَنا حسنْ

فكل ما تقوله حسنْ

ـ"زعيمنا محمدٌ.. له الولاءْ

وغيرُه في عصرنا ادعاءْ

وحبُّـه فريضة مؤكدةْ

صلى عليه الله والملائكةْ".

وعندها .. رأيتُـُه .. محمدًا

ورايةُ "العُـقابِ" تَـمْـخُرُ

وتحتها جنودُه ـ إذ يزحفونَ

نحو بدرْ

وكلهم يفديه بالعيون والقلوب والولدْ

وكلهم أسدْ

يقينه بالله لايحده أمدْ

رأيتُهم في زحفِـهم وكـرِّهم

والكافرين في انكسارِهم وفَـرِّهم

وعندها رأيتُها " العُقابَ "

في ازدهائها العظيمِ تبتسمْ

"قد جاء نصرُ الله فاسجدوا

وهللوا .. وكبروه.. واحمدوا..".

**********

قل يا إمامَنا حسن

فكل ما تقوله حسنْ

وإنك البـنَّاءُ في السراء والمحنْ

ـ"الموت في سبيل اللهِ

أسمى الأمنياتِ والمننْ

قد خاب قوم طلقوا الجهادَ والجِلادَ

واستجابوا للوَهَـنْ".

**********

ونلتَ يا إمامَنا العظيمَ ما اشتهيتْ

إلى السماءِ سيدي قد ارتقيتْ

إلى جوارِ اللهِ سيدي... علوتْ

سائح يطلب الحقيقة.

إنها كلمات قد يعوزها ـ في ميزان النظرة الحاضرة والتقييم الآني:

غير قليل من الفن، ولكن يكفيني أنني أطلقتها بعفوية ومصداقية، ووفاء وحب وتقدير لرجل قال عنه ـ أحد ألد أعدائه ـ إنه لوعاش لتغير وجه المنطقة، وربما وجه التاريخ. فهولم يكن رجلاً ممن تصنعه الأحداث، ولكنه رجلً ممن يصنعون الأحداث، ويربون تلاميذهم على الإيمان، والصبر، والثبات، والقدرةعلى المواجهة والإيثار.

       وعاش الإمام ـ كما صور نفسه بأمانة دون إسراف ـ حين سأله صحفي من أنت؟

"أنا سائح يطلب الحقيقة، وإنسان يبحث عن مدلول الإنسانية بين الناس، ومواطن ينشد لوطنه الكرامة، والحرية، والاستقرار، والحياة الطبيعية في ظل الإسلام الحنيف. أنا متجرد أدرك سر وجوده فنادى "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين".( الأنعام 162 ـ 163 )

وانتصرت "الله أكبر ولله الحمد"

لذلك كان أعداؤه صادقين.. صادقين مع أنفسهم ومع شياطينهم، حين رأوا أن الميدان يجب أن يخلو من هذا الرجل حتى تستمر مسيرة الضلال والصهيونية والصليبية والإباحية.

وسقط الرجل ـ آسف: بل علا ـ شهيدًا في سبيل الله، ولكن مسيرة الحق ـ التي رأيت مثلها في طفولتي ـ صارت مسيرات تظللها راية "إياك نعبد وإياك نستعين" مسيرة.. ومسيرات انطلقت من "هنا" إلى "هناك" لتحقق ـ لا فتحًا واحدًا ـ ولكن فتوحات لا تحصى.. ووضع جنود حسن البنا أقدامهم بثبات وإيمان في كل قارات المعمورة ينشرون"الرسالة العظمى" التي انفتحت لها ملايين القلوب، وانتقلت "الله أكبر ولله الحمد" تهز أقطار أوروبا وأمريكا، وصدق الله وعده فهو القائل: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ).النور 55