التطرف .. يدمر مستقبل الإسلام 4

خمس رؤى إسلامية

الرؤية الرابعة

التطرف .. يدمر مستقبل الإسلام

سورية الشامي

[email protected]

فإذا ما سلم المسلم من مخططات العدو وكيده في مراحله المتعاقبة، فسلم أولاً من مخطط حرفه عن دينه منذ الطفولة بمناهج التغريب والإبعاد عن الدين وعن الثقافة الحضارية الحقيقية، ثم سلم من مخطط مسخ فكره (بالتشيع) وتبنيه لثقافة كراهية الإسلام والمسلمين، ثم سلم من مخطط الظلم والإجرام الذي تتبناه (الحكومات الظالمة) بإزاحته شخصياً من ساحة الحياة بالسجن أو القتل، فسلم بدينه وحياته، يبرز هنا سؤال مهم .. ثم إلى أين؟

هما طريقان لا ثالث لهما، على المسلم المفكر الواعي أن يختار أحدهما، فإما أن يستكين للطغاة المجرمين (الحكومات الظالمة) فيقبع في مكانه خائفاً خانعاً، مكتفياً بأداء الحد الأدنى من شعائر دينه (التي لا تثير حوله الشبهات!) منتظراً فرج الله على يد غيره، وإما أن يختار لنفسه ساحة من ساحات العمل الإسلامي، مقتحماً الصعوبات وغير عابيء بالأخطار المحدقة به، آملاً أن يوفقه الله للوقوف على ثغرة من ثغر الدين، فيكون مع المرابطين العاملين لخدمة الإسلام وأهله.

ومع اختلاف مشارب وثقافات المنتسبين لحقول العمل الإسلامي المختلفة، تختلف الاجتهادات، وتتنوع أساليب العمل، كما يفتح باب الخطأ والصواب، وهذه سنة الله الكونية في جهود العاملين، ولست هنا بصدد تقويم الحركات الإسلامية خطأً وصواباً، واستقامة وانحرافاً، لأنني لست أهلاً لذلك أولاً، ولأن المقام ليس مقام ذلك ثانياً.

إلا أنه من باب النظرة الشاملة للموضوع، ومن باب استقراء الأحداث ومسبباتها وما آلت إليه، يمكن تصنيف ساحات العمل الإسلامي إلى صنفين:

 الصنف الأول هو صنف رأى في معطيات الحياة المتجددة أبواباً مشرعة للعمل السلمي، فنشأت عنه تلك الحركات التي اتبعت إما سبيل الدعوة بالحسنى، أو سبيل العمل السياسي السلمي، أو سبيل العمل الخيري أو الاجتماعي أو الاقتصادي.

أصحاب هذا المنهج يعلمون أن طرقهم لن تكون مفروشة بالورود، رغم راياتهم وأفكارهم المعلنة حول العمل السلمي، إلا أنهم اقتنعوا من تجارب غيرهم أن (الحكومات الظالمة) التي لا يردعها رادع عن تدمير كل من يقف في وجهها حاملاً راية المجابهة، لكنها قد تسكت على مضض أمام العمل السلمي، متبعة أسلوب المكر والخداع والمضايقات، وهم من خلال هذا يحاولون جاهدين الوصول إلى فرجة هنا وفرصة هناك، يحققون من خلالها هدفاً أو يحرزون تقدماً.

والصنف الثاني هو صنف انشق عن الصنف الأول بعد أن رأى أن إجرام (الحكومات الظالمة) لم يقف عند حد المضايقات والتصرفات المعادية المحلية المحدودة هنا وهناك عن طريق التوقيف والاعتقال و .. و ..، بل توسع ليصبح مخططاً عالمياً هدفه القضاء على الإسلام وأهله عن طريق الحروب المدمرة وغزو المسلمين في عقر دورهم، واحتلالها وقتل أهلها ونهب ثرواتها ونشر كل أنواع الفوضى فيها وتسليم أمرها للمرتزقة والفجرة واللصوص، مخطط في غاية اللؤم رسمته ونفذته رؤوس الكفر ودهاقنته، وساعدت على تنفيذه كل دول الدنيا راغبة أو راغمة، بما فيها حكومات المسلمين.

هذا الصنف، اقتنع أنه لا فائدة ترجى من العمل السلمي، وأن (الحكومات الظالمة) يمكن أن تدمر في شهر واحد كل ما بناه العمل السلمي في سنوات، وأن المخطط تجاوز حالة إعاقة العمل الإسلامي إلى تدمير الإسلام، فقرر اتباع الطريق الأخر، طريق العمل العسكري المواجه، وليس في مكان أو دولة واحدة فقط، بل أن تكون حربهم شاملة على كل (الحكومات الظالمة) رداً بالمثل.

أصحاب هذا الطريق، (تطرفوا) في رد فعلهم إلى أقصى الحدود، ووقعوا في الكثير من الأخطاء، والناظر إلى النتائج وما آلت إليه الأمور يرى أنهم لم يحققوا أي هدف على أرض الواقع بل على العكس، فإن كل النتائج كانت في منتهى السلبية وأثمرت مراً وعلقماً يتجرعه المسلمون كل يوم.

تفجير برجي التجارة .. تفجير السفارات الأمريكية .. تفجيرات مدريد .. تفجيرات المغرب والجزائر، محطات مؤلمة لازال يتجرع المسلمون غصصها، بينما هي في ميزان الحرب العسكرية على دولها (لاشيء)، هذا إن أحسنا الظن وقلنا إنها أعمال من تدبير أصحابها، نافين فكرة الاختراق وتسهيل الطريق على المنفذين، لتحقيق الفكرة القائلة (يضحك كثيراً من يضحك أخيراً).

أما ما يحدث في العراق .. فاسألوا أهل العراق (المسلمين السنة) عن المآسي والويلات التي جرتها عليهم (القاعدة) بفكرها وتصرفاتها.

وللإنصاف، نقول إن ما حصل في أفغانستان إبان الغزو الروسي، لا يمكن أن نشمله ضمن إنجازات أهل هذا الطريق، لأن حرب الأفغان ضد الروس، وإن كان يقودها أهل هذا الطريق، إلا أن القوة الضاربة كانت هي الشعب الأفغاني كله، بجهادة وتجرده وصبره الطويل، وتقديمه التضحيات بلا حد، مقابل عدم تمكين الروس المجرمين من احتلال بلدهم.

هذه الحرب كانت اللبنة الأساس في عمل الجانبين معاً، فأصحاب هذا الفكر وجدوا في أجواء الجهاد، والساحة المفتوحة في أفغانستان، والدعم الدولي غير المحدود (لا لسواد عيون المسلمين بل كرهاً في الروس وحرباً لهم بأيدي المسلمين)، وجدوا الفرصة المواتية لترسيخ دعائم هذا الفكر وبناء أساساته، والجانب الآخر أيضاً، وجدها فرصة مواتية لاختراق هذا الفكر في بؤرته ودراسته عن كثب ورسم الخطة المحكمة للهجوم على الإسلام وأهله (كل الإسلام وكل أهله) من خلال الهجوم على هذه الفئة.

إن محدودية التفكير، وضيق الأفق، والتزمت والتعنت، والتصرف بالنيابة عن الأمة الإسلامية دون استشارتها، واختراق الأعداء للصفوف منذ النشأة، والتكفير، كل ذلك كان من سمات العمل في في هذا المضمار، وكل ذلك أدى إلى نتيجة من أخطر النتائج، ألا وهي إعطاء الناس فكرة سيئة مشوهة مغلوطة عن مفهوم (الجهاد) في ديننا، وكذلك عن مفهوم (الحكم الإسلامي)، الشيئ الذي استثمره أعداؤنا أفضل استثمار، لفتح صفحة جديدة من صفحات الحرب والحقد على الإسلام وأهله، صفحة تستقرق المستقبل كله، بمحاربة حتى (ظلال) الحركات الإسلامية الفاعلة والناشطة، بتهمة (الإرهاب)، وحربها حتى الرمق الأخير.

إن إعطاء الناس فكرة مشوهة عن الإسلام وأهله، هي أخطر ما يهدد مستقبل الإسلام، بتنفير الناس منه، وإعاقة جهود الدعاة إلى الله، وإعطاء الأعداء مبرراً ليبسطوا إلينا أيدهم وألسنتهم بالسوء.

لقد من الله على هذه الأمة بأن جعلها أمة وسطاً، وسطاً في كل شيئ، فالتوسط والاعتدال هو ناموس هذه الأمة وسمتها، وكل حيدة عن هذا التوسط ستؤدي حتماً إلى اقتراب من إحدى جهتي التطرف والتفريط، والنتيجة والمآل في كلتا الحالتين صورة مغلوطة عن الإسلام وأهله، نقدمها مجاناً لعدو يتلهف لسقطاتنا وأخطائنا، فالتطرف بجهة يعطي غيرنا فكرة عن ديننا بأنه فكر سقيم متزمت هدفه القتل والتدمير، والتطرف بالاتجاه الأخر يصور الإسلام على أنه دين تفلت وميوعة لا يردع أصحابه ولا يوجههم ولا يضبط تصرفاتهم.

وبين هذا وذاك، لا يسع المسلم المفكر الواعي، إلا التزام جادة الوسط، مثابراً صابراً محتسباً، مقدماً للناس الصورة الواضحة والنموذج الأمثل عن المسلم الحق كيف يكون، وعن الإسلام الحق الذي ارتضاه لنا ربنا.

"وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس" صدق الله العظيم

وللحديث متابعة ..