تاريخ الطابع السوري 1

شمس الدين العجلاني

حكايا الطوابع

تاريخ الطابع السوري

" 1 "

شمس الدين العجلاني*

[email protected]

·       ظهر أول طابع في العالم يوم السادس من أيار عام 1840م

·       توثيق الطابع السوري مر بعقبات متعددة

·       عرفت سورية الطوابع البريدية بعد عام 1863 م

الطابع هو وثيقة مصوّرة ، فهو حامل لذاكرة جماعية سياسية ، و ثقافية ، و اجتماعية  .. فلكل طابع هدف و قصة و حكاية..  طوابع تكرم شخصيات، تدون قصص، تحتفل بذكريات، وتخلد مناسبات ... فالطابع هو وثيقة مصوّرة تحمل صوره معينة و مجموعة رموز، لابد من قراءتها و دراستها على هذا الأساس ؟                                

الطابع هو قطعة ورق صغيره " وريقه " ذات وجهين الأول يحمل صوره أو رسماً أو زخارف رمزية ورقما يدل على ثمنه  و الخلفي عليه ماده لاصقه . يلصق الطابع على المراسلات البريدية دلالة على أنها "مدفوعة الأجرة "وجميع الطوابع الآن حوافها مسننة ، بعد أن كانت في أول عهدها مستقيمة الحواف ،  و في البداية كان ورق الطوابع يصنع من القطن أو الكتان، ومن ثم صنع من لباب الشجر، أما الآن فتصنع الطوابع من أفخر أنواع الورق .

يحتوي كل طابع على اسم البلد الذي أصدره " ،  وعلى قيمته ، عدا انكلترا  التي ترى نفسها غنية عن التعريف لأنها هي صاحبه اختراع الطابع فهي الدولة الوحيدة في العالم التي لا تدون اسمها على طوابعها، بل تكتفي فقط بوضع صورة لرأس الحاكم الحالي للبلاد في أحد زوايا الطابع. يوضع الطابع على الطرود البريدية ، إشعارا بأن أجرة البريد مدفوعة مسبقًا. و يمكن أن يلصق الطابع على وثيقة ما تبين بان الرسوم قد دفعت وان الوثيقة أصولية ومعتمدة. ، كما أن هنالك طوابع تشعر بأن الرسوم أو الضرائب و المخالفات قد سددت ، و بالتالي هنالك العديد من أنواع الطوابع منها المالية ، و القنصلية ، و البريدية .. منها ما يصدر لغاية تذكاريه ، أو لمناسبة معينه وطنيه أو قوميه ، سياحية أو ثقافية ... لم يتخل الإنسان عن الطابع منذ ظهوره أول مره عام  1840 م إلى وقتنا الحالي . إنما تطورت مع الأيام مهمة الطابع و تقنية طباعته ، وأصبح الطابع لوحة فنية رفيعة المستوى ،و سفيرا لكل بلد يجوب الآفاق ...كما أن هنالك العديد من الطوابع التي تروي السيرة الذاتية لعظماء الوطن ، أو تخلد حدثا مهما ..وهذا مما دعا الآلاف من الأشخاص  على مختلف مشاربهم للاهتمام بجمع الطوابع .

أول طابع في العالم:

تروي صفحات التاريخ أن ظهور أول طابع في العالم كان يوم السادس من أيار عام 1840م في لندن و يحمل صورة بروفيل لوجه الملكة فيكتوريا ملكة بريطانيا ، و هو أول  طابع بريدي لاصق رسمي طرح في المملكة المتحدة البريطانية العظمى وايرلندا ، و صدر بعدة ألوان احدهما اسود و قيمته بنس واحد  والآخر ازرق اللون وقيمته بنسان... و عرف هذا الطابع باسم " طابع فكتوريا " او  " بيني بلاك "  و كانت فكره اختراع الطابع تعود إلى أحد المواطنين البريطانيين واسمه " رونالد هيل " حين أرسل اقتراحه إلى مدير البريد البريطاني " اللورد ليشفرد " الذي تلقى هذه الفكرة بالسخف و الاستهزاء .؟و لكن " رونالد هيل " بقي وراء فكرته إلى أن حققها . وكانت الرسائل البريدية قبل ذلك تطوى و تختم بختم من الشمع الأحمر و يقدر قيمة إرسالها على أساس بعد و قرب المسافة وعدد أوراقها ، و كان مستقبل الرسالة هو من يدفع قيمة الإرسال ، مما دعا مستقبلي الرسائل للتهرب من الدفع إلا بعد جهد كبير ، وكذلك أعضاء مجلس اللوردات البريطاني كان  لهم أختام خاصة مجانية كانوا يستخدمونها للرسائل الشخصية ورسائل أصدقائهم ..

قوبل إصدار أول طابع  بعاصفة من الاحتجاج من جانب رجال البريد البريطاني ، وراحوا يهاجمون هذه البدعة  بشتى الطرق ، كما اخذوا يخوفون الناس من استعمالها على أساس أنها تنقل الطاعون .؟ لان الصمغ من خلف الطابع سوف ينقل هذا الوباء و يقضي على سكان انكلترا .؟ . و لكن في اليوم الأول لظهور الطابع في مكاتب بريد انجلترا بيع منه حوالي 60 ألف طابع ، و العديد من هذه الطوابع لم تستعمل إنما احتفظ بها مشتريها كذكرى .

البحث عن إبرة في كومة قش:

من الصعوبة بمكان توثيق الحديث عن تاريخ الطابع السوري ، برغم وجود العديد من المقالات و الدراسات و الكتب حول ذلك ، و يعود السبب الرئيسي لذلك أننا كنا و مازلنا نهمل التوثيق و الأرشفة ،و كل الجهود في هذا المجال هي اجتهاد فردي كان و لم يزل لهواه الطوابع و النادي السوري الدور الأول في الحفاظ على تاريخ الطابع السوري و بالتالي الحفاظ على جانب مهم من تاريخنا .

إن تداعي أحداث سياسية كثيرة و سريعة على سورية منذ بداية العشرينات من القرن الماضي جعلت توثيق الطابع السوري يمر بعقبات متعددة ، و الحديث عن ذاكره الطابع السوري يعني " النبش " في متاهات متعددة مظلمة تعود لعقود طويلة  و متشعبة . فطوابع عثمانيه تضعها قوات الحلفاء و الحكومة الفيصليه في التداول ، و طوابع بريطانيه و فرنسية يتم تداولها في البريد السوري و طوابع المملكة السورية يتداولها الانتداب الفرنسي .؟ فالحديث عن تاريخ الطابع السوري ، قد يشبه البحث عن إبرة في كومة قش .؟ .

الطابع السوري :

عندما حاولت أن ابحث عن تاريخ الطابع السوري رأيت أنني خالفت آراء العديد من الزملاء في تاريخ الطابع السوري .؟ اعتمدت في بحثي عما يحويه أرشيفي الخاص من طوابع و رسائل تخص سورية و سوريه بحدودها الطبيعية ، حاولت أن أضع صور الطوابع التي تدعم وجهه نظري . فهل استطعت ان ارسم صوره مبسطه عن ذاكره الطابع السوري .؟ 

عرفت سورية على اغلب الظن الطوابع البريدية بعد عام 1863 م بقليل ، و ذلك زمن السلطنة العثمانية ، و لكن هذه الطوابع لم تحمل اسم سورية إنما كانت طوابع عثمانية  تم تداولها في سورية كون سورية آنذاك إحدى ولايات السلطنة . و في مطلع شهر تشرين الأول عام 1918 مع دخول قوات الحلفاء " دخلت دمشق قوات بريطانيا و استراليا " بقيادة الجنرال اللنبي و قوات الثورة العربية الكبرى بقيادة الأمير فيصل إلى دمشق وبقية المدن السورية " ، تم إلغاء الحكم العثماني ، وألغيت الطوابع العثمانية من التداول في بادئ الأمر ، و استخدمت عوضا عنها و لفترة قصيرة  طوابع بريطانيه  جاءت بها القيادة البريطانية من الطوابع البريطانية المتداولة في مصر الخاضعة للنفوذ البريطاني آنذاك ، و وشحت هذه الطوابع بعبارة خالص الأجرة ، " التوشيح هو إضافات – دمغ - مطبوعة على الطابع " و من ثم قامت دوائر البريد في سورية بجمع الطوابع العثمانية  الموجود في البلد ووُشِّحتها بختم خاص كتب عليه في بادئ الأمر «الحكومة العربية» و ثم كتب علية «الحكومة السورية العربية" ...

قامت حكومة الملك فيصل  بإصدار مجموعة طوابع بريدية  لا يتجاوز عددها أصابع اليدين ، خلال فترة حكمها القصيرة لسورية " تشرين الأول عام 1918 إلى 25 تموز عام 1920 م يوم دخول المستعمر الفرنسي إلى دمشق محتلا  "  و عرفت هذه الطوابع باسم " الطوابع الفيصليه " ، و من أهم هذه الطوابع الفيصليه  على الإطلاق الطابع الموشح بعباره  " تذكار استقلال سورية " . و في عهد الانتداب الفرنسي استعمل في بادئ الأمر ثلاثة أنواع من الطوابع ، و هي : طوابع فرنسيه احضرها الانتداب من فرنسا ، و مجموعه من الطوابع العثمانية المتبقية في البلاد ،  و كذلك بقايا الطوابع الفيصليه ، كانت هذه المجموعات من الطوابع موجودة  في إدارة البريد و البرق  وشحتها قوات المستعمر بأحرف ثلاث هي T.E.O  وهي اختصار ل "  Enemy Territory Occupied

  أي مناطق العدو المحتلة ، ثم ما لبثت أن و شحتها  بأحرف ثلاث أيضا هي  O.M.F " اختصارا ل "French Military Occupation " أي " الاحتلال العسكري الفرنسي " ، إضافة إلى كلمة " Syria" ،و تم تسعير قيمة هذه الطوابع بالعملة المصرية قبل أن تسعر بالقرش السوري ، وتم طباعتها في لبنان في مطبعه جدعون ، و وضعت في التداول في لبنان و سورية ، واستمر استخدام هذه الطوابع المختلفة إلى أن نفذ منها العثماني و الفيصلي  ، و استمر في تداول الطوابع الآتية من فرنسا أو المطبوعة في لبنان  حتى الثلاثينات من القرن الماضي ، حيث وضعت فرنسا في التداول مجموعة طوابع تحمل اسم " الجمهورية السورية " باللغة العربية و الفرنسية دون الإشارة إلى الانتداب الفرنسي ، بدلاله الطابع الذي يحمل رسم رئيس سورية محمد علي العابد و التي كانت رئاسته ما بين عامي " 1932 – 1936 "   علما بأن هذا المستعمر حين قام بتقسيم سوريه إلى مجموعة دويلات ( كدولة دمشق ، و دولة حلب ، ودولة العلويين " اللاذقية "،  و دولة جبل الدروز ، و دوله لبنان الكبير ) قام بإصدار طوابع تحمل اسم هذه الدول المصطنعة أو قام بتوشيح الطوابع الفرنسية – السورية  باسم إحدى هذه الدول المصطنعة ، و نشير هنا انه تم إصدار طوابع تحمل اسم سورية و لبنان الكبير " Syrie Grand Liban " في آن واحد  سنة 1923 و طبعت في مطبعة الكبوشيين في بيروت ، و سبب إصدار هذه الطوابع " سورية و لبنان الكبير " أن الجنرال غورو قام بتقسيم سوريه إلى عدة دول ومنها دولة لبنان الكبير الذي اعلنه  في الأول من أيلول عام 1920 م ، فلم يصدر طوابع باسم لبنان الكبير لحين اعتراف عصبة الأمم بالانتداب الفرنسي عليه و كان الاعتراف سنة 1924 و قبل هذا التاريخ وشح مجموعة طوابع فرنسيه باسم سوريه و لبنان الكبير . كما أن  المفوض السامي الفرنسي ' ويغان ' اصدر القرار رقم 1595 تاريخ 29 أيلول عام 1924 م  المتضمن الموافقة على إصدار مجموعة طوابع سورية بعد إعلان الوحدة بين دولتي دمشق و حلب  تحمل اسم الوحدة السورية ، استمرت هذه الحالة إلى عام 1946 م حين تم إعلان جلاء القوات الفرنسية و الانكليزية عن سوريه  ، فصدرت الطوابع من قبل الحكومات السورية المتتالية باسم " الجمهورية السورية " إلى يوم الثاني والعشرين من شباط من عام 1958 م حين أعلنت الوحدة بين سورية ومصر، وخلال تلك الفترة صدرت الطوابع باسم " الجمهورية العربية المتحدة » ،  و بعد انفصال الوحدة بين سورية ومصر يوم  28 أيلول  عام 1961 م   أصبحت الطوابع تحمل اسم «الجمهورية العربية السورية» و استمر الحال حتى وقتنا الحاضر.

يتبع                 

               

* صحفي وكاتب