فن الزواج 4
فن الزواج
الحلقة الرابعة
وقفات مع مرحلة الاختيار
هند مناصرة
الوقفة الأولى:
بعضاً من الآباء يريدون لأبنائهم أن يكونوا صورة طبق الأصل عنهم، يفكرون لهم، يخططون، يزوجون، يطلقون، يتغافلون بذلك عن رغبة الأبناء وسعادتهم، وعن ضرورة القناعة التامة من الطرفين في مسألة الزواج.
لهذا لا ينبغي لهم أن يرغموهم على الزواج ممن لا يرغبون، وألا يزجوا بهم في زيجات فاشلة سلفاً، لأنها تفتقر إلى أبسط مقومات النجاح، وهو الرضا والقناعة التامة بشريك الحياة.
أما عن دور الأبناء في مثل هذه الزيجات، أو المواقف فإنه لا بد وأن يمر بعدة مراحل وهي:
1. مرحلة بذل كل جهد مستطاع من أجل إقناع الأهل، بعدولهم عن هذا الاختيار، والذي لا يجد فيه ابنهم أو ابنتهم إمكانية الدوام والاستمرارية، وإذا ما استمر ستكون حياتهم معه لا ترى للسعادة لوناً، ولا تعرف للمتعة طعم.
2. إذا لم يجدي الحوار والإقناع، عليهم الاستعانة بالثقات من أصدقاء الأسرة المقربين أو أهل الخير، من الأقارب الذين يؤثرون في الأهل، وقد يتمكنوا ويفلحوا في إقناعهم.
3. الخطوة الاخيرة إذا لم يفلح الإقناع، ولا جهود الوساطة، فلا بد من قول كلمتهم الفاصلة أمام القاضي، أو من يقوم بإجراءات عقد الزواج، بأنهم مرغمون على هذا الزواج وغير راضيين عنه.
فالرفض مهما تكن تبعاته، ونتائجه في هذه المرحلة (قبل الزواج) يبقى أفضل بكثير من الدخول في حياة زوجية فاشله سلفا,او بائسة غالبا ما تنتهي بالطلاق.
الوقفة الثانية:
حق المرأة في اختيار الزوج من الأمور التي منحها الإسلام للمرأة في حديث النبي e "لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن قالوا يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال أن تسكت"[1].
ومع ذلك "على الفتاة أن تحسن استخدام هذا الحق، فلا تستسلم للعواطف الهوجاء، ولا تغتر بجمال الزوج، فالجمال عارية مستردة... وعليها أن تختار الزوج الصالح المتحلي بالأخلاق الطيبة، والمعاملة الحسنة وحب الجد والعمل، فهي مزايا ثابتة مع الدهر تنشئ الحب وتولده مع الأيام"[2].
وقد بتنا هذه الأيام، نرى بعض النماذج لفتيات ملتزمات دينياً، يرتبطن بشباب غير ملتزم على أمل التأثير فيهم مستقبلاً، لكن هذا الموقف لا يخلو من مجازفة، فكم من الفتيات اللواتي كن مثالاً للأدب والاحتشام، تزوجن بمثل هؤلاء فانقلبت الصورة وربما تركن الحجاب، نزولاً عند رغباته، وبدل أن تؤثر فيه تأثرت هي ولم يتغير فيه شيء.
الوقفة الثالثة:
هناك قضية الاستشارة في الزواج، وهي من المسائل الهامة، فإذا قام الخاطب أو المخطوبة أو ذويهم، بسؤال البعض عن رأيه في المتقدم للزواج، أو المرشحة للخطبة، فعليه أن يصدقه القول، وينصح بما يراه مناسباً دون مبالغة.
يرى الإمام النووي رحمه الله أنه إذا قال للمشاورلا أنصحك بذلك وقنع من استشارة فلا يزيد على ذلك، أي لا يدخل في تفاصيل إضافية.
الوقفة الرابعة:
بعض حالات الاختيار في الزواج تتم عن طريق الصورة الفوتوغرافية، والحديث عبر الهاتف أو ما شابه ذلك،أرى أن مثل هذا السلوك بعيد عن الصواب، وعلى كل شاب أو فتاة أن يسأل نفسه، ماذا عرفت من مشاهدتي للصورة؟
إنه الشكل الخارجي فقط، ولكن ماذا بعد، وهل ابني موافقتي وقراري في قضية هامة وخطيرة، مثل الزواج على صورة جسد غاب عنه العقل والروح؟
وكيف أيقنت أنه يناسبني؟ أو أن هذا ما أبحث عنه؟ فكم من الصور تغري بمظهرها البراق، حتى إذا استحالت واقعاً رأيتها انقلبت رأساً على عقب، فماذا سينفع الندم عندئذ؟
الوقفة الخامسة:
زواج الانترنت
قرار الزواج قرار هام وخطير، ويحتاج الكثير من التروي والحذر في الاختيار. وقد بتنا نجد وسيله جديدة في التعارف والاختيار، وهي وما يتبادله الشباب والفتيات عبر البريد الالكتروني وعن طريق شبكات الانترنت.
ولا شك أن هذه المعرفة هشة لا يمكن أن تنبني عليها حياة زوجية صحيحة. لأن الخطوات التي تتم فيها هذه المعرفة، لا تخلوا من الدخول في مخالفات شرعية من الحديث، وتبادل رسائل الحب، والصور بين الطرفين مما يدخلهم ذلك، في خلوه محرمة ودون علم الأهل. وما قام من بدايته على معصية الله سبحانه وتعالى لا يمكن أن يكون أساس سليم لبناء علاقة زوجية ناجحة هادئة طبيعية.
أما عن الحكم الشرعي في مثل هذا الزواج، فقد أفتت لجنة الفتوى بالأزهر برئاسة الشيخ عبد الحميد الأطرش، أفتت بعدم صحة الزواج عن طريق الانترنت وأنه لا توجد وسيلة تحل محل وثيقة الزواج الشرعية.
"وأضاف رئيس لجنه الفتوى أن اعتبار النت يقوم بدور الوكيل مع ضرورة توفير شاهدين في كل حاله زواج، على غرار الزواج الشرعي المعتاد باطل. لأن شروط الزواج الصحيح الكفاءة والولي لقوله e " لا زواج إلا بولي وأيما امرأة نكحت بغير ولي فنكاحها باطل" ويرى علماء آخرون أن الزواج فاسد.
ومن الممكن أن يوكل العريس شخصاً يعقد له إذا كان بعيداً عن بلد العروس، ولكن أن يكون العريس في مكان والعروسة في مكان أخر، ويتم الزواج عن طريق النت فهذا غير جائز. لأننا لو قلنا عن هذا الزواج أنه جائز فسنفتح باب التدليس، لأنه من الممكن أن يكون الولي غير الولي، والشهود لا يعرفون الشخص الذي سيتزوجه الطرف الآخر، وعدم معرفة الشخص تؤدي إلى الخداع والكذب"[3]
أسئلة هامة للمخطوبين؟؟؟؟
قبل أن تتم الموافقة من قبل أهل الفتاة، لا بد من بحث كثير من الأمور الخاصة بالطرفين، والحديث معاً بحضور الأهل حتى تتضح الآراء أكثر، ويبني الطرفان موافقتهما بناء على قناعات جيدة، معتمدة على ما يدور من حوار، ونقاش بين الطرفين، وحتى يتعرف كل من الخاطبين على تفاصيل شخصية الآخر، هناك العديد من الأسئلة التي يقترحها بعض المهتمين في هذا المجال، حتى يسألها كل طرف للآخر أثناء الجلسة الأولى بينهم، وليس شرطاً أن تتم الإجابة على جميع الأسئلة أثناء الجلسة الأولى، وبطريقة التحقيق كما هو الحال في "مخافر الشرطة".
بل ينبغي التركيز على الأسئلة المهمة، وبعضها الآخر قد تعرفها منها الأم أو الأخت أو.... وبأسلوب مريح ونقاش طبيعي.
من أهم الأسئلة التي يقترحها الاستاذ جاسم المطوع:
1. ما هو طموحك المستقلبي، وما هدفك في الحياة؟
لأن الهدف في الحياة, والهدف من الزواج نفسه تنبني عليه الرؤية المستقبلية للطرفين.
2. ما هو تصورك لمفهوم الزواج؟
تقول إحدى الزوجات فوجئت عندما عرفت أن مفهوم الزواج عند زوجي هو مجرد تحقيق رغباته الجنسية فقط. ويقول آخر: كم استغربت عندما علمت أن الزواج عند زوجتي من أجل الأبناء فقط، وأنا معها في مشاكل دائمة، وحتى الآن لم نرزق الأولاد.
3. هل أنت اجتماعي، ومن هم أصدقاؤك؟
4. كيف تقضي وقت فراغك، وما هي هواياتك؟
5. هل ترى من الضروري إنجاب الطفل في أول سنة من الزواج؟
من الضروري تحديد الموقف من جميع المسائل المصيرية، مثل إنجاب الأطفال وعمل المرأة، ومدى مساهمتها في تحمل الأعباء المالية للأسرة، حدود العلاقة مع الأهل........
6. ما هي الصفات التي تحب أن تراها في شريك الحياة؟
فقد يتوقع كل منهما الشيء الكثير من شريكه، حتى إذا ما تم الزواج اكتشف كل منهما أنه كان واهماً. "ولابد لكل طرف من تحديد أولوياته وما هي الصفات التي لايمكن أن أتنازل عنها، وترتيب قائمة بتلك الصفات " فإذا الشكل والجمال مثلاً في أول القائمة فعليك أن تضع في اعتبارك أن ذلك قد يكون على حساب المستوى التعليمي مثلاً وهكذا "[4].
7. كيف هي علاقتك بوالديك وإخوانك وأرحامك؟ فإذا كانت علاقته بهم حسنة فإن ذلك يطمئنها على حياتها معه، لأنه يعرف لكل ذي حق حقه، ولا تنظر للزوج وكأنه سيعيش منفرداً بها عن كل من حوله.
8. هل لك نشاط خيري أو تطوعي؟
هذا الأمر يلفت النظر، إلى مدى علاقته بالمحيط والبيئة من حوله، وكيف هو تفاعله معهم، وإلى أي مدى يشعر بالمسؤولية ويهتم بالأمور العامة.
9. ما رأيك لو تدخلت والدتي أو والدتك في حياتنا الشخصية؟ "انتهت أسئلة جاسم المطوع"
من خلال الإجابة على هذا السؤال يعرف كل طرف حدود علاقته بأهله، وما يسمح به وما لا يسمح بتدخلهم فيه، وكيف يكون اعتماده على نفسه في حل الإشكاليات التي تعترضه وزوجته.
· يمكن كذلك أثناء الجلسة والنقاش، أن يسأل أحد الأطراف الآخر عن أخبار الساعة، وأهم الأحداث على مستوى العالم، حسب الزمان والمكان، لمعرفة مدى اطلاعه على ما يحيط به من أحداث وأمور هامة.
· لا بد من بحث وسؤال الفتاة عن بيت المستقبل الذي يوفر للزوجين شيئا من الاستقلاليه والحريه ، فهو حق للزوجة حيث يقول تعالى في كتابه العزيز "أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم"1 (سورة الطلاق الايه6 )."...وقد نص الفقهاء على شروط بيت الزوجيه ومن أهمها أن يكون خاصا بالزوجه،لا يشاركها فيه أحد بدون رضاها...فان المسكن الخاص بالزوجين فيه بعد عن الحرمات،كالاختلاط بين الزوجه وأخو زوجها ،وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم الرجال من الدخول على النساء ،وخاصه أخو الزوج.فقد صح في الحديث عن عقبه بن عامر رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"اياكم والدخول على النساء ،فقال رجل من الانصار:يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال الحمو الموت""رواه البخاري ومسلم.
· والحمو هم أخو الزوج أو ما أشبهه من أقارب الزوج كابن العم وغيره .وهذا الحق ثابت للزوجه ولو لم تشترطه في العقد ،ويحرم على الزوج ان يسكن أحدا من أقاربه مع زوجته بدون رضاها،وتشتد الحرمة فيما لوأسكن معها أخاه البالغ""موقع يسألونك شبكة الانترنت
وإذا ما اضطرتهما الظروف المادية للزوج، أو الظروف الأسرية لأحدهما إلى السكن مع أهل الزوج، أو أهل الزوجة فيجب أن يستعدا نفسياً لهذه المشاركة الاضطرارية.وان لا يكون هناك تساهل يدخلهم في فوضى عارمه ،تطال كل تفاصيل حياتهم
ü ومن مواصفات البيت الشرعي:
1. أن يكون صالحاً للزوجية
2. أن يكون واسعاً حسب قدرة الزوج.
3. أن يكون سكناً في مكان غير موحش.
4. أن يكون سكناً بين جيران صالحين.
5. أن يكون ذا تهوية جيدة...[5]
هنا لا بد من الإشارة إلى أن بعض الأسر، تعتبر أن اللقاء الأول بين الخاطبين لمناقشة هذه المسائل، تعتبره بمثابة الموافقة الضمنية، لا يجوز بعدها لأحد الخاطبين العدول عن الخطبة.
مع العلم أن من حقهم أن يتم لقاء أو اثنين بعد الطلب، وقبل الموافقة النهائية ويرى كل منهم صاحبه، ويناقشوا مثل هذه الأمور. فإذا لم يجد أحدهم غرضه، أو طلبه في هذا الاتجاه، فإنهما يفترقان بهدوء، فذلك أقل ضرراً من التسرع في الرفض أو الاستمرار في علاقة هشةغير واضحة المعالم.
[1] موطأ مالك، كناب النكاح حديث رقم (967).
[2] - تحفة العروس، محمود مهدي، ص 60.
[3] موقع إسلام أن لاين- بتصرف.
[5] - بالمعروف سلسة بيوتنا، وإدارة الذات، د. أكرم رضا.