كلاب سبعة نجوم في اليابان
م. محمد حسن فقيه
يربى أكثر من ثلاثة وعشرين مليون حيوان أليف في اليابان ، تمثل الكلاب الأليفة بكافة أنواعها وأشكالها الغالبية الساحقة من هذه الحيوانات ، وتعيش الغالبية العظمى من هذه الكلاب حياة مرفهة وتحظى بدلال وعناية لا يحلم بمثلها غير أبناء الأغنباء والموثرين من الأسر الأرستقراطية ، فلكل كلب غرفته الخاصة به مع سرير مريح وفراش وثير وملابس راقية تليق بعائلته المحترمة ومكانتها الرفيعة ، وطعام خاص يجلب له من أرقى المراكز التجارية ، وموصى به من ناحية صحية بعد دراسات وبحوث مطولة من جهات طبية مختصة .
وظاهرة اقتناء الكلاب في اليابان والاهتمام بالكلاب ، يقف وراءها اهتمام اليابانيين بتعزيز العلاقات العائلية وتقوية الأواصرالأسرية ، وإدخال البهجة والسرور على النفوس وإسعاد الأطفال وكبار السن لتعاملهم مع هذه الحيوانات الأليفة التي تنضم إلى الأسرة لتشاركهم حياتهم الإجتماعية بأفراحها وأتراحها ويصبحون جزءا ومكونا أساسيا من أفراد العائلة .
تكلف تربية هذه الكلاب في اليابان عشرات مليارات الدولارات سنويا ، وذلك بحجم ميزانية عدة دول من دول العالم الثالث مجتمعة معا ، ولو صدر قرار امبراطوري ياباني بتحرير هذه الكلاب وإطلاقها إلى البرية والغابات لتنعم بالحرية وتتحرر من الأقفاص والقيود والحياة الرتيبة المجبرة عليها ، ولتعيش حياتها كما يحلو لها ، ثم وزعت تكاليفها ومصاريفها على القارة السمراء لأنقذتها من الفقر والجوع والتخلف .
وقد اخترع اليابانيون غسالات خاصة بالقطط والكلاب حرصا على نظافتها ورغبة في رفاهيتها ، حيث تتولى هذه الغسالات تنظيف الحيوانات " بالشامبو" وتنشيفها تحت المجفف " السيشوار " في فترة لا تزيد عن نصف ساعة ، وقد لاقت هذه الغسالة رواجا ونالت حظوة وإقبالا شديدين نحو هذا الإختراع الجديد من أرباب القطط والكلاب .
كما تم انشاء منتجع جديد في مدينة ناغويا اليابانية للعناية بالكلاب من مساج وتدليك وجلسات للتجميل ، ويتضمن هذا المنتجع مسبحا وصالة للعناية بالشعر والتدليك بالزيوت العطرة ، ويتولى هذا المركز يوميا العناية بعشرين كلبا فقط يوضعون تحت خدمة الموظفين المختصين لإذابة الشحوم بالتدليك وحمامات البخار
، كما يهتم المركز بتنمية وتقوية عضلات الكلاب بالتدليك والعلاجات الفيزيائية والتدريبات الرياضية ، وهذا فضلا عن عمل دورات تدريبية خاصة في السباحة
للكلاب ، ويعمل النادي ليلا نهارا بدوام متواصل لمدة أربع وعشرين ساعة يوميا ، والمواعيد محجوزة لمدة ثلاثة أشهر قادمة على الأقل ! .
كما افتتحت مراكز شبيهة بذاك المنتجع ، فقد تم افتتاح في محافظة أبيتشي عيادة لتجميل الكلاب والعناية بهم وتدليكهم بالزيوت العطرة والشامبو المانع للحساسية ، أو الذي يضفي على وبرها رونقا وجمالا وملمسا ناعما ، فضلا عن تغذية الجذور ومنع تساقط الشعر والوبر الجميل ، وتكلف الزيارة الواحدة للكلب لهذا المركز الصجي أربعين دولارا على أقل تقدير ويعتمد ذلك حسب الوقت ودرجة العناية وأنواع الزيوت العطرة والشامبو المستخدم للعناية بهذه الكلاب المدللة .
ويبلغ متوسط عمر الكلاب الأهلية الأليفة التي تعيش في اليابان خمسة عشر عاما .
إن المصاريف على هذه الكلاب لا تنتهي ولا تتوقف حتى بعد موتها وإنما يستمر الصرف عليها بعد ذلك ، فتحتاج قبل دفنها لحرقها في أفران خاصة من مدة ساعة إلى ساعتين وذلك بحسب عادات اليبابانيين ومعتقدالتهم ، ويكلف ذلك بحدود ثلاثمائة دولار للكلب الواحد ، ثم تجمع عظامها وتطحن أو تبقى على وضعها لتدفن وتوارى الثرى في الحديقة أو مقابر العائلة أو مقابر المؤسسة أو الشركة ..... أو بمقابر خاصة للكلاب .
يكلف بناء وتشييد القبر للكلب الواحد من ثلاثمائة دولار إلى خمسة عشر الف دولار، أي بما يعادل قيمة منزل معتبر لعائلة كبيرة في أفريقيا أو جنوب شرق آسيا ، ويعتمد دلك على مستوى وارستقراطية العائلة المالكة لهذا الكلب المحظوظ ، فقد يشيد من الحجر أو الرخام النفيس مع صور ورسوم للكلب ، أو تنحت تماثيل للكلب تحاكي وصفه وشكله تماما فوق قبره ، كما يكتب اسمه على القبر وينسب للعائلة مالكة الكلب المرحوم ، كما يكتب تاريخ ولادته ووفاته ويتم تقديس مراسيم الدفن لهذا الحيوان الأليف ، والقاء التحية والنظرة الأخبرة على جثمانه أو رماده في الشركة أو المؤسسة أو بيت المالك ، كما يقدم لها مجالس للعزاء حزنا على ذلك الحيوان الأليف والوفي الذي فارقهم بعد رحلة طويلة وصحبة وطيدة .
وبالطبع فإن المصاريف على الكلاب لا تتوقف بعد موت الكلب أو الانتهاء من مجالس العزاء والترحم على ذاك الكلب الأليف ، وتذكر الليالي السعيدة ولحظات الأنس التي عاشوها معا في سالف الأيام ، بل تستمر ما دام أحد أفراد العائلة وضريح سيادة الكلب المعظم موجودا ، لأنه يحتاج إلى مفاقدة وصيانة سنوية لا تقل بالمعدل عن مائة دولار، حفاظا على كرامة الكلب واسم العائلة المحترمة التي كان - وما زال - يحمل اسمها الرفيع ! .