حين نعطي فلسطين كلمة السر سنعود لأرضها الخضراء
حين نعطي فلسطين كلمة السر
سنعود لأرضها الخضراء
الشيخ خالد مهنا
يروى أن صوفيا خرج إلى الصحراء متعبدا فرأى في طريقه طائرا أعمى كسير الجناح،فوقف يتأمل الطائر،ويفكر كيف يجد رزقه في هذا المكان المنقطع،فلم يمض وقت طويل حتى جاء طائر آخر،فاطعم الطائر كسير الجناح،كما يطعم الحمام أفراخ
ه ،وقال في نفسه فيم أسعى واتعب ثم أوى الرجل إلى غار ؟....فعلتما فعل الطائر السليم الذي أتى بالطعام ،فتسعى لكسب الرزق لنفس
ك ولغيرك؟! ....فراىالصوفي صدق هذه النصيحة ،وترك غاره، وغدا يسعى كما تسعى الطير التي تغدو خماصا وتعود بطانا....وإن الكون بما كل جزء فيه وكل قارة، وكل دولة ومدينة، مسخر للإنسان يخدم الإنسان مجاناً بلا عوض إذا فهم الإنسان بعينه الخلقية كيف يوجه أوامره إلى هذا الكون – فإذا دعاه بغير الأسلوب والأنظم
ة المطلوبة فإن هذا الكون يظل معرضاً صامتاً أمام الإنسان،وكما يستعصى القفل أن يفتح بغير مفتاحه،فكذلك الكون لا يستجيب إلا بعد سماعة كلمة السر..نعم إن طالت بنا الحيا
ة فسوف تفتح لنا فلسطين، ويتحرر أهلها، وينعموا بالطمأنينة والأمان،ولكن دعونا نعترف أننا مقصرين بحقها..ودعونا في ذات السياق من إلقاء التقصير على غيرنا،أو إلقاء أسباب تفاقم أزمتنا في سلة وملعب الآخرين،وإنه لمن المخزي أننا نفرض كل شيء للدفاع عن تقصيرنا وعجز إرادتنا وعن أخطائنا ونبحث دائماً عن كبش الفداء في كل مكان دون أن ينبض فينا عرق،أو تختلج فينا عضلة......وكفانا تبصرة بأخطاء غيرنا، وزحلقة أبصارنا عن خطئنا،ولنعي أن إرادتنا هي مرتكز قوتنا وهي من التنظير والتنجيم والتخريف.(فالسيف(الإرادة) أصدق أبناء عن الكتب(أقوال المنجمين الذين يجلسون في بروج عاجية)،وفي التاريخ عون عظيم على التصور الصحيح،ولنتواعد معاً على شيء ما.. خطوة ما نثق بها ونقوم بعمل شيء ذي قيمة. فليس هناك صعب مطلق،وإنما هناك سنن أن سلكت أنتجت، فإن لم يكن في أعمارنا بقية لتحقق بإرادتنا الصلبة ما عجزت عنه الأجيال السابقة فلنورثها للأجيال المقبلة كما نورث عاداتنا الاجتماعية لأطفالنا لعل وعسى أن يقوموا بما عجزنا نحن عن القيام به،أليس عيباً أن نورث أجيالنا الرفاهية،وزيادة الدخل،والمحافظة على الحياة الحيوانية فقط،بينما نغفل أن نورثهم الإرادة الكبيرة التي تبدو معها الإرادة الصغيرة جرم صغير؟.ة... أراد الجميع لفلسطين أن تموت وأراد الله لها أن
تحيا.. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمونتضخمت فلسطين وكبرت في وعي الأحرار حتى استعصت على الصَغار..تضخمت حتى لكأن فلسطين كل الأمة...ولقد يتساءل البعض -وأنا منهم- ما الذي يدفع أحرار العالم للدفاع عن فلسطين وقسم كبير منهم لا يعرفون الله ولا يرجون اليوم الآخر!!
يبدو لي -والله أعلم- أن السر هو فيما قاله قطب الفكر سيد قطب –رحمه الله- فاقرءوا ما قال:
"عندما
نعيش لذواتنا
فحسب، تبدو لنا الحياة
قصيرة ضئيلة، تبدأ من حيث بدأنا نعي وتنتهي بانتهاء عمرنا
المحدود...أما عندما نعيش
لغيرنا، أي عندما نعيش لفكرة، فإن الحياة تبدو طويلة
عميقة، تبدأ من حيث بدأت
الإنسانية وتمتد بعد مفارقتنا لوجه هذه
الأرض!!.
إننا نربح أضعاف عمرنا
الفردي في هذه الحالة،
نربحها حقيقة لا وهماً, فتصور الحياة على هذا النحو يضاعف
شعورنا بأيامنا وساعاتنا
ولحظاتنا، فليست الحياة بعدد السنين.. ولكنها بعداد
المشاعر. وما يسميه
"الواقعيون" في هذه الحالة "وهمـاً" هو في الواقع "حقيقة" أصـح
من كل حقائقهـم.. لأن
الحياة ليست شيئاً آخر غير شعور الإنسان بالحياة. جرد أي
إنسان من شعوره بحياته
تجرده من الحياة ذاتها في معناها الحقيقي..فمتى ما أحس
الإنسان شعوراً مضاعفاً
بحياته فقد عاش حياة مضاعفة فعلاً..! يبدو لي أن المسألة من
البداهة بحيث لا تحتاج إلى
جدال.. إننا نعيش لأنفسنا حياة مضاعفة حينما نعيش
للآخرين وبقدر ما نضاعف
إحساسنا بالآخرين، نضاعف إحساسنا بحياتنا ونضاعف هذه الحياة
ذاتها في النهاية".
في العهد الجميل وفي الزمن الاستثنائي زمن الفاروق –رضي الله عنه- تعرض الحطيئة للزبرقان بن بدر بقصيدة هجائية فجاء الزبرقان مشتكياً إلى الفاروق –رضي الله عنه- فأمر عمر بحبس الحطيئة. فكتب الحطيئة من سجنه إلى الفاروق مستعرضاً حالة أفراخه (أطفاله) ومستدراً بها عطفه :
ماذا أقول لأفـراخٍ بـذي مـرخٍ ## زغـب الحواصـل لا مـاءٌ ولا شجـرُ
ألقيت كاسبـهم في قعر مُظلِمةٍ ## فاغـفـر عليـك ســلام الله يا عـمـــرُ
فبكى الفاروق وأمر بإطلاق سراحه واشترى منه أعراض المسلمين بثلاثة آلاف درهم كما جاءت بذلك بعض الروايات.
أما نحن فقد ألقينا فلسطين وأفراخها في قعر مظلم لا ماء ولا شجر ولا كهرباء..
ولكن لسوء الطالع ان فلسطين لا تجيد كتابة الشعر وخصوصا شعر الاستجداء والاسترحام وحتى لو أجادت وجادت علينا بشعرها.. فلن نطلق سراحها لأننا ببساطة لا نملك قلب عمر.
في هذا السجن الكبير المسمى غزة والضفة
الغربية ومخيمات اللاجئين .. تركناهم عالة ولكنهم لا يتكففون الناس هل
تعلمون لماذا..؟
لماذا دائما
تنتظرون مني الإجابة ؟!
لماذا لا تعملون عقولكم..صدقوني الجواب بسيط جداً.. ومؤسف
جدا..ً
ببساطة كرامتهم العالية
الجودة تابى الا ان تظل شامخة.....62 عاما مرت
من قتلنا
لفلسطين
ولازلنا نجوب بجثتها جميع مؤتمرات
العالم والأمم المتحدة والمتفرقة وكامب ديفيد
وأوسلو. 62.ستون عاماً من
التيه.. فبعث الله لنا مدنيين جاءوا من أقاصي الأرض ليرونا كيف نواري سوءة
غزة..
أعجزنا أن نكون مثل أسطول
الحرية وأساطيل أخري فنواري سوءة غزة؟؟
إنهم يرون يوم العزة والتمكين بعيدا،ونحن نبصر الحلم السعيد سيخرج قريبا م
ن تحت النوم إلى اليقظة،ويبرز من الخيال إلى العين،..ملك
ي من طيور الجنة أبدع في نسجه وترصيعه بأشجار سقى الكوثر أغصانها......