مفاهيم تربوية 20

العشرون: العقبات على الطريق داخل مجتمع الدعاة

د. موسى الإبراهيم

[email protected]

العقبات في طريقة الدعوة إلى الله كثيرة ومتنوعة أشدها خطورة ما كان منها في نفوس الدعاة وتربيتهم وسلوكهم . أما العقبات الخارجية فهي على قساوتها وضراوتها تأتي في المرتبة الثانية.

ولله در القائل:

سرى بنا الداء مخفياً على مهل       والداء أقتله في الجسم أخفاه

ولعل من أهم العقبات التي يبتلى بها الدعاة فتعيق مسيرتهم وتبعدهم عن الوصول إلى أهدافهم العقبات التالية:

1- ضعف التربية:

إن شأن المسلم مع إسلامه ليس كغيره من أصحاب المبادئ البشرية الجاهلية، فالمسلم يتعامل أولاً مع الله تعالى. والله طيب لا يقبل إلا طيباً، ولن يمكّن الله المسلمين في الأرض ما لم يتحققوا بالعبودية الصادقة لله تعالى وما لم يكونوا ربانيين في تصورهم وسلوكهم في قلوبهم ومشاعرهم وأحاسيسهم وظاهرهم وباطنهم. قال الله تعالى: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني ولا يشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون}([1]).

إيمان وعمل صالح، وعبودية خالصة، وابتعاد عن الشرك بأشكاله وأنواعه المختلفة، أكبره وأصغره جليّه وخفيه.

وبغير هذا لا تمكين ولا استخلاف ولا أمن، تلك سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلاً.

أما الذين يمكّنون في الأرض بغير العبودية والربانية فإنهم يصلون أو يُوصّلون إلى مواقعهم بغير الإسلام ولا يمثلون دين الله تعالى وإنما يمثلون أهواءهم وأسيادهم من طواغيت البشر. وبالتالي فكل ما يتحقق على أيديهم من ظلم وبطش وفساد في الأرض ومسخ للفطرة، كل ذلك يتم بأسمائهم وتحت رايات جاهليتهم المختلفة. وسرعان ما تدور عليهم الدوائر ويبقى الإسلام طاهراً نظيفاً سامياً في عليائه عن كل ما اقترفته أيدي المجرمين ، ومسيرة التاريخ شاهد صدق على ما نقول.

أما أن يحكم الإسلام وتسعد البشرية به وتحيا في ظلاله الآمنة فهذا لن يكون إلا على أيدي المؤمنين الربانيين الصادقين الذين يقيمون الإسلام أولاً في قلوبهم ونفوسهم ثم في بيوتهم وأهليهم ثم في تعاملهم مع سائر المجتمع من حولهم، وإلا فحاشا لله أن يظهر دينه على أيدي أناس لا يحملونه بصدق. فهل يعي الدعاة ذلك؟ وهل يبشر حالهم بخير؟ إننا بحاجة إلى الحال لا الفلسفة والمقال.

2- تبرأة النفس واتهام الآخرين:

وتلك إحدى نتائج ضعف التربية غير أن هذه العقبة في ميدان العمل الإسلامي لها أكبر الأخطار المدمرة للدعوة وللدعاة.

قال الله تعالى: {أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنا هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير. وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين}([2]).

فالداعية المنصف يتهم نفسه أولاً عند أي تقصير يقع فيه أو فشل ينتج عن عمله ومسيرته قبل أن يشير بالاتهام إلى الآخرين.

أما الضعيف والفاشل فسرعان ما يلقي أسباب فشله على غيره من العوامل الخارجية.. الاستعمار.. الماضي.. المجتمع.. الحكومات وذلك ليسوغ لنفسه ويبرر لها قصورها وعجزها وفشلها ولابد من القول في هذا السياق إنه قد يكون الفشل لأسباب خارجية وكثيراً ما يحدث ذلك ولكن كثيراً ما يكون السبب الأساس في عدم النجاح في العمل راجعاً للدعاة أنفسهم وأسلوبهم ونوعية خطابهم وضعف فقههم في العصر وتياراته وغرورهم بحجمهم وقدراتهم أو استهانتهم بأعدائهم ونحو ذلك.

والمطلوب هنا هو الإنصاف والدقة في تقويم العمل والمسيرة وعدم تبرئة النفس، وألا يتسرع الدعاة باتهام الآخرين بل يجب وضع الأمور في نصابها ومعرفة مواضع الخلل بدءاً بتمحيص الذات والصف وانتهاء باستقراء البيئة المحيطة محلياً ثم عالمياً ومن ثم توضع الحلول لكل خلل بما يناسبه ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها ولا يظلم ربك أحداً.

3- التردد وانعدام روح المغامرة والجرأة:

لقد تعود الكثيرين من الدعاة في حياتهم الدعوية التردد وعدم الإقدام كما تعودوا إلى جانب ذلك الاعتذار وتسويغ مواقف الضعف وتبريرها وقد يبذل بعضهم جهوداً لتبرير واقعه وضعفه لو بذلها في ميدان العمل والبناء لأثمرت وأنتجت الخير الكثير.

يقول الداعية الملهم الأستاذ الدكتور محمد أمين المصري رحمه الله: >إن العامل الأساسي في نجاح الداعية ليس كثرة علمه ولا قوة بيانه وسحره إنما هو الإيمان بالدعوة التي يدعو إليها، إن مثل هذا الإنسان يترك في الناس أقوى الآثار ولو كان أبكم.. ثم يتابع الشيخ قائلاً: يجب أن نعد العدة ونقذف أنفسنا في ميدان العمل متوكلين على الله غير مبالين بشيء فإذا كان الاستعداد ناقصاً فيجب بذل الجهد لاستكماله، أما القعود لعدم استكمال العدة فهو حالة مرضية وحيلة شيطانية<([3]).

4- ندرة رجل العقيدة:

إن الدعوات لا تنهض إلا بالمثل والقدوات الفعالة في المجتمع ولم ينتشر الإسلام في بدايته الأولى إلى على أيدي رجال العقيدة الإسلامية الذين تمثلوا الإيمان أخلاقاً وسيرة وسلوكاً ولم يأخذوه أفكاراً وصحفاً للتسلية والمتعة.

يقول الداعية الدكتور محمد أمين المصري رحمه الله: >لابد من رجل العقيدة الذي تصبح الفكرة همه تقيمه وتقعده ويحلُم بها في منامه وينطلق بها في يقظته، فهو يعيش من أجلها ويرضى بكل أذى في سبيلها<([4]).

وأكثر الدعاة اليوم يضعون الدعوة على هامش حياتهم ويتفضلون عليها بفضله أوقاتهم ونفايات أموالهم ويجعلونها آخر اهتماماتهم وتسلية مجالسهم، فكم تعقد مجالس وكم تثار قضايا تتصارع فيها الأفكار ويحتد فيها الجدل ويضحك لها الشيطان؟ ثم تنفض تلك المجالس على غير فائدة عملية، ثم تعاد وتتكرر وهكذا دواليك.

والسر في هذا –والله أعلم- أن مثل هؤلاء ليسوا أصحاب قضية وليسوا أصحاب رسالة، ولم تكتمل فيهم معالم رجل العقيدة بعد. فكيف ننفث الحياة في مجتمع الغفلة من حولنا ونحن الغافلون؟ وقديماً قيل: فاقد الشيء لا يعطيه.

5- ضعف الثقة بالدعوة:

إن ثقة الداعية بدعوته تلهمه العمل والإنتاج وتجعل فيه العزيمة والقوة وتفتح أمامه آمال المستقبل والحياة الواسعة.

وعندما تضعف هذه الثقة أو تهتز أو تفقد لا سمح الله فإن شعوراً من الإحباط والملل والسآمة يخيم على الداعية حتى تتبلد المشاعر وتستبد الحيرة والقلق وتغشى الناس سحابة من التيه والارتباك تشل العمل وتقوض البناء.

ولذلك فعلى قادة الدعوة الإسلامية وعلمائها الربانيين أن يبذلوا كل ما بوسعهم لبناء الثقة بالدعوة ومنهجها وبين جنودها وقادتها، وليكن الولاء للمبادئ لا للرجال، ويوم يتخلى الرجال عن الدعوة ويتساقطون في الطريق تبقى الدعوة  شامخة بمبادئها وقيمها ونفوس أبنائها الصادقين فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.

ولله در الشيخ محمد أمين المصري رحمه الله عندما يعبر عن هذه المعاني بقوله: >ولا يتم معنى الجماعة إلا إذا شعر الفرد بالاعتزاز بانتمائه إليها، والطمأنينة بوجوده فيها، وأنه لبنة أساسية في بنائها، وخلية فيها يمدها ويستمد منها، وإذا انفصلت الخلية عن جسمها عدمت وإذا ظلت متصلة به ظلت تستمد الحياة، والجسم تتكامل وظائفه بشتى خلاياه، ويضيره أن يفقد واحدة منها<([5]).

إننا إذا كنا جادين في مسيرتنا الدعوية فلا بد لنا من النقد الذاتي البنّاء لكل مرحلة نمر بها، ولابد من تشخيص الأخطاء ومعالجتها وتصويبها، وإذا صح العزم وضح السبيل.

       

([1]) سورة النور الآية 55.

([2]) سورة آل عمران الآيتان 165- 166.

([3]) انظر كتاب المسؤولية للدكتور محمد أمين المصري ص31.

([4]) المرجع السابق ص39.

([5]) المسؤولية للدكتور محمد أمين المصري ص56.