شهداء الكلمة: متى ينزلون إلى الشارع
ماجد زاهد الشيباني
1)
· في الحديث النبويّ : سيّد الشهداء حمزة .. ورجل قام إلى إمام جائر ، فأمرَه ونهاه.. فقتله !
· وفي الحديث النبويّ ، أيضاً : إن مِن أعظم الجهاد ، كلمةَ حقّ ، عند سلطان جائر!
2)
* الكلام ، هنا ، في الحديثين ، مقتصر على (الكلمة ) وحدَها .. وفي مواجة (السلطان الجائر، أو الإمام الجائر) الذي يحكم الشعب على أنه من أبنائه ، لا على أنه محتلّ للبلاد ، غريب عن الشعب !
* أمّا الكلام عن مقاومة المحتلّ الأجنبي ، فله سياقات أخرى !
* وأمّا إذا ربَط السلطان الجائر إرادتَه ، بإراة العدوّ الأجنبي ، وصار يمارس على أبناء شعبه ، مايمارسه العدوّ المحتلّ ، من قتل وإجرام ، ونهب وتخريب .. مدعوماً في ذلك كله ، من العدوّ الأجنبي .. فللكلام ، أيضاً ، سياقات أخرى !
* المسألة هنا ، في الحالة السورية ، موضوعة ، الآن ، في إطار واحد ، هو الكلمة العزلاء ، في مواجهة سيف السلطان الجائر، المحسوب من أبناء الأمّة !
وبناء عليه ، يكون الأمر كما يلي :
ـ الكلمة العزلاء ، لها مكانتها الخاصّة ، في فقه الجهاد والاستشهاد !
ـ الأمّة التي يحكمها الظالم ، ولو كان من أبنائها ، أمّة مهدورة الإرادة والكرامة ، لأن الجَور لايترك لأحد من الواقعين تحت سيفه ، إرادة ولا كرامة !
ـ المجاهد بالكلمة ، إنسان مميّز نوعياً ، بين البشر ! لأنه يقاوم السيف المجرم ، بالكلمة العزلاء الناصحة ، المحبّة للأمّة.. وهي الكلمة التي تقذف قائلها ، بين براثن موت حقيقي، في سبيل أمّته ! لذا ، صنِّفت بأنها من أعظم الجهاد ، وصنِّف قائلها ، بأنه سيّد الشهداء ، بعد حمزة بن عبدالمطلب ، عمّ النبي ، أسدِ الله ورسوله !
ـ الكلمة العزلاء في مواجهة الظلم ، فرض كفاية على الأمّة .. إذا لم تقلها ، على لسان أحد من أبنائها ، باءت بالخسران كلها ! ففي الحديث : ( إذا هابت أمّتي أن تقول للظالم: ياظالم .. فقد تـُودِّع منها !).
ـ واقع الأمم ، اليوم ، شعوباً وحكوماتٍ ، يتيح للظلَمة ، أن يمارسوا أنواعاً شتّى من الظلم ، بأساليب مختلفة ، مزيّنة مزركشة ، مموّهة بأساليب إعلامية قويّة ، شديدة المكر والخداع .. وبأساليب أمنية شديدة القمع والشراسة ! كما يتيح للشعوب ، بما ملكَت من وسائل الاتصالات الحديثة ، وشبكات الإنترنت .. أساليب جديدة ، في المقاومة التي تهزّ كراسي الحكّام ، المتجبّرين الظلمة ! وتبقى مسألة الصراع ، مسألةَ فـنّيات ، وأساليب مبتكرة ، واستعداد للتضحية .. قبل كل شيء ، من قبل الشعوب ، انطلاقاً من الأحاديث النبوية ، التي تعلي من شأن الكلمة وصاحبها ، عند الله !
3)
الشعوب ، اليوم ، مختلطة ، غالباً ، مِللاً ونِحلاً ، وعقائد ومذاهب وأعراقاً ، وتوجّهاتٍ وأراء ..! ولكل فئة منها شعارات ، تختلف عن شعارات الفئات الأخرى ، في كثير من الاحيان ، وتتناقض مع بعضها في بعض الأحيان ! ويَبرز هذا ، كله ، في مواحهة الشعوب لحكّامها الظلمة ..
الشعارات المختلفة ، في مواجهة الظلم ، إن تناقضت في ساحة المواجهة ضدّ الظلم ، نَسف بعضها بعضاً ، وكَسرت إرادة الشعوب في مواجهة جلاّديها ..! وإن أقصى بعضها بعضاً ، شلّ الإقصاء شرائح كثيرة من الشعوب ، وأقعَدها عن مواجهة الطغاة .. وفي كل ذلك ، خسارة حقيقية للشعوب ومعارضاتها ، ومكاسب حقيقية للحكّام الظلمة ! لذا :
· لابد من الاتفاق ، بين القوى المعارِضة ، على مبادئ واضحة ، تستنفَر فيها الشعارات القادرة على استنفار الشعوب وتحريكها .. وكلّ يَرفع شعارَه ، بما لايناقض شعارات الآخرين ! فالإسلاميون لاتحرّكهم الشعارات العلمانية ، والعلمانيون لاتحرّكهم الشعارات الإسلامية ! (برغم وجود شعارات مشتركة بين النخَب ، قد لاتكون كلها مشتركة بين الجماهير..) ! فمَن لايحركه شعار الحرية ، قد يحركه شعار الخبز .. ومن لايحركه شعار الوطنية ، قد يحركه شعار الكرامة التي يهدرها الطغاة ! ومن لايستنهض همّته شعارالعدل ، قد يدفعه إلى الموت شعار: (إنّ مِن أعظم الجهاد كلمة حقّ عند سلطان جائر) ! ولكل فرد في المجتمع ، شهادة من نوع ما ، يَحلم بها ! فالمسلم يحلم بالشهادة التي تدخله الجنّة ، يوم القيامة ! والعلماني يحلم بشهادته الخاصّة ، كما يفهمها هو، ويحلم بها ، حسب مرجعيته الفكرية أو العقدية ! ولاسيّما أن مصطلح الشهادة ، الذي كان إسلامياً صرفاً ، صارعاماً في أذهان الناس ، يطلق على كل مَن قام بعمل جليل ، في نظر مانحيه الشهادة ! ولا تثريب على أحد في ذلك ، مادام كل إنسان قد اختار، بوعيه التامّ، وإرادته الحرّة ، مايراه أصلح له ، من بين الآراء والأفكار والمعتقدات .. المعروضة عليه ! وكلّ يأخذ جزاءَ عمله ، من الجهة التي يعمل لحسابها ، أو لإرضائها !
* ولابدّ من التأكيد ، هنا ، على أن تنوّع المجتمع ، وتوزّع فئاته ، بين مذاهب وطوائف وأعراق .. يشكّل صِمامات أمان قويّة ، ضدّ قدرة أيّة فئة ، من حملَة الشعارات ، على الانفراد بالساحة وحدها ، مهما كانت شعاراتها سامية نبيلة ! فالأكثريات والأقـليات ، في مجتمع كالمجتمع السوري ، لا تحسَب عددياً ، على بطاقة الهوية الأسرية ! بل تحسب على ضوء التوجّهات والآراء ، والأفكار الحزبية والسياسية .. الموجودة في كل تجمّع عرقي ، أو طائفي ، أو قبلي !
ونظنّ بعض الساسة العلمانيين المعارضين ، المحسوبين ـ عدَدياً ـ على أهل السنة ، مثلاً، يدركون معنى هذا الكلام جيداً ، ويعرفون مدى إحساسهم الفعلي ، بالانتماء إلى السنّة وأهل السنّة ! ومن خلال إحساسهم بالانتماء ، يستطيعون معرفة إحساسات الآخرين المماثلين لهم ، في صفوف أهل السنّة ! فمصطلح (السنّة) هو مصطلح ديني أولاً وأخيراً .. وليس مصطلحاً قبَـليا ، أو سياسياً ، أو وطنياً ، أو عرقياً !
* خوف بعض القوى المعارضة ، من شعارات بعضِها الآخر، يضعفها جميعاً ، لحساب الطغيان ، الذي يستبدّ بها جميعاً !
· لابدّ من التفاهم الأوليّ ، الحازم والواضح .. على أن هدف المعارضات جميعاً ، هو إسقاط الطغيان .. ثم لكلّ واحدة منها ، بعدئذ ، أهدافها الخاصّة ، التي تسعى إلى تحقيقها ، في مناخ ديموقراطي حرّ !
· ينبغي تعزيز مفهوم الشهادة ، لدى الشعب السوري ، بسائر فئاته ! ليمكن استنهاضه ضدّ الطغيان ، لتحرير نفسه وبلاده ، ومستقبل أجياله.. من عبث آل أسد وفسادهم ! وكل مايحول دون تحقيق هذا الهدف ، من حسابات ضيّقة ، هو عبث صغير، يرسّخ العبث الأسدي الكبير ، بالشعب والوطن !
· ويبقى سؤال : هل الصراحة الواردة في هذه السطور ، ضرورية للتعامل الواضح الجادّ البنّاء ، بين أطراف المعارضة السورية .. أم لا !؟
نحن نعنقد أن الجواب هو: (نعم) ! ومن يعتقد غيرذلك ، فليعرض وجهة نظره ، لعلّه يقنعنا بها .. وله منّا الشكر الجزيل !