الأزمة التربوية
أحمد منير يوسف
الجزء الأول
مفهوم التربيـة :
لا شك أن الباحثين التربويين لم يستطيعوا تحديد معنا واضحا لمفهوم التربيــة شأنهم في ذلك شأن جميع الباحثين في جميع مجالات العلوم الاجتماعية الاخرى ، ذلك لأن العلوم الاجتماعية تعتمد في دراستها بشكل أساسي على الانسان ،
هذا الكائن المتغير الذي يصعُب التنبؤ بتصرفاته ، مما يجعل أي محاولة لايجاد قوانين ثابته تحكم سلوكه تبوء بالفشل ،
لذلك نرى أن العلوم الاجتماعية لا تستند الى قوانين ثابته و إنما الى نظريات فقط ، فهناك نظريات تربوية و أخرى اقتصادية و أخرى ادارية ، و لكن لا يمكن أن يوجد قوانين تربوية أو إقتصادية ... الخ ،
تستخدم العلوم الاجتماعية اسلوب التحليل التجريدي ، و ليس اسلوب القياس و التجارب كما في العلوم التطبيقية كالفيزياء و الكيمياء ،
كل هذا أدى الى نشوء معانٍ كثيرة لمفهوم التربية تعتمد في مجملها على وجهة نظر الباحثين التربويين و انتمائاتهم الفكرية و الفلسفية ، و اختلاف البيئة و الثقافة ، سواءا تلك التي خرج منها أؤلئك الباحثين أو التي كانت موضوع دراستهم ،
ان الترابط الوثيق بين التربية و الثقافة أدى الى ظهور العديد من الانماط التربوية ( إن جاز لنا التعبير ) ، فهناك التربية المادية و التربية الاشتراكية و التربية الاسلامية و غيرها من الانماط الاخرى ،
لكن أفضل مفهوم للتربية هو ما قدمه لنا المنهج الاسلامي حيث اعتبر أن التربية هي الجانب السلوكي لما نتلقاه من الثقافة ، و عليه ، فقد خالف هذا المنظور جميع الآراء التي ذهبت الى أن التربية أعم من الثقافة و أن الثقافة هي الجزء النظري من التربية ، أو حتى تلك الآراء التي ساوت بين الثقافة و التربية ، فجعلت الثقافة و التربية وجهان لعملة واحدة .
الازمة التربوية في العالم الاسلامي :
كما ذكرت سابقا ، فإن الاسلام اعتبر أن التربية هي الجانب السلوكي لما نتلقاه من الثقافة ، و عليه فإن فساد الثقافة سيتبعه بالضرورة فسادا تربويا ، و لا يخفى على أحد حجم الضياع الثقافي الذي تعيشه الامة العربية و الاسلامية هذه الايام نتيجة لابتعادها عن المنهج الاسلامي ، و الذي تمثل بظهورالعديد من الازمات المتمثلة بأزمة الهوية و أزمة التاريخ و غيرها من أزمات نتج عنها انحراف واضح في السلوك التربوي للافراد ،
ليس صحيحا ما يحاول أن يطرحه بعض التربويين العرب ( المتغربين ) من أن التربية هي عبارة عن مجموعة من القواعد الغير مرتبطة بثقافة معينة ، و أنها مجموعة قواعد شاملة و موحدة لجميع بني البشر ، فإذا تم تطبيقها فإنها ستنجح بالتأكيد !
لا ننكر أن هناك الكثير من المبادئ التربوية المشتركة بحكم وحدة الجنس البشري ، و لكن هناك الكثير أيضا من نقاط الاختلاف و التمايز و الخصوصية التي تتمتع بها كل أمة ،
و لو عدنا الى ماهية تلك القواعد التي يدعون اليها لوجدنا أنها تلك القواعد المستمدة من الفكر الغربي المادي ،
و بمعنى آخر ، هي دعوة الى الغاء و طمس الثقافات جميعها و تقديم الفكر و السلوك الغربي على انه المنهج الصحيح ، و محاولة نشره في اصقاع المعمورة ، فكانت التربية أحد الابواب التي طرقها دعاة التغريب ، بل حاولوا التسلل بقوة عبرها لنشر هذا الفكر .