مفاهيم تربوية 19
التاسع عشر: الولاء والبراء بين الفكرة والتطبيق
د. موسى الإبراهيم
[email protected]
قال
الله تعالى: {لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حادّ الله ورسوله
ولو كانوا آباءهم
أو
أبناءهم أو إخوانهم
أو
عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخله جنات تجري من تحتها
الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم
المفلحون}([1]).
وعن
البراء بن عازب رضي الله عنه قال: كنا جلوساً عند النبي % فقال: >أي عرى الإسلام
أوسط؟ قالوا: الصلاة قال: حسنة وما هي بها. قالوا: الزكاة قال: حسنة وما هي بها.
قالوا: صيام رمضان. قال: حسن وما هو به. قالوا: الحج قال: حسن وما هو به. قالوا:
الجهاد. قال: حسن وما هو به. قال: أوسط عرى الإيمان أن
تحب
في الله وتبغض
في الله<([2]).
إن
مفهوم الولاء والبراء والحب في الله والبغض في الله من البدهيات الإسلامية عند عامة
المسلمين فضلاً عن الدعاة وحملة الراية الإسلامية.
غير
أننا في هذه الأيام
التي بردت فيها عواطف المسلمين ومشاعرهم واسترخت فيها الهمم إلى ترف الحياة وترهلها
في هذه الأيام اضطربت الموازين عند الكثيرين من الناس حتى بعض الدعاة إلى الله
وخصوصاً فيما يتعلق في الولاء والبراء والحب في الله والبغض في الله.
وأخشى أن تجنح بنا الاجتهادات العائمة فنبتعد عن هدى الله عز وجل وهدي رسوله % في
هذا المجال.
لقد
كنا نقرأ عن أخلاق الصحابة رضي الله عنهم أنهم قطعوا حبال الجاهلية ووصلوا حبال
الإسلام، ولربما قتل احدهم أخاه أو
أباه
في ساحات القتال عندما تفرق بينهم العقيدة والأخلاق
الإسلامية.
وكما علمنا مشايخنا وإخواننا جزاهم الله خيراً أنه لا يجتمع في قلب واحد حبان حب
لله ولرسوله وحب
لأعداء
الله ورسوله، وأن الصف المسلم يجب أن يكون متميزاً مستقلاً عن الصف الجاهلي في
تصوره ومشاعره وسلوكه، وأن الرابطة بين المسلمين هي رابطة العقيدة والأخلاق لا
رابطة الدم والأعراق،
وأن جنسية المسلم عقيدته لا قرابته ووطنيته.
إنها قطوف من معاني الولاء والبراء لها صفاؤها ونقاؤها ووضوحها.
أما
واقعنا اليوم وقد خيم عليه كثير من الضبابية في الرؤية حتى كادت تنعدم رؤياه
الصافية لطبيعة العلاقة بين الإسلام والجاهلية بين أهل الحق وأهل الباطل حيث حل بدل
القيم الأخلاقية والمبادئ
العقدية أواصر وروابط مبناها على المصالح الشخصية والمنافع المادية وهذا منعطف خطير
يجب على المسلمين عموماً والدعاة الربانيين خصوصاً أن يعيدوا الأمر فيه إلى نصابه
انطلاقاً من ثوابت الإسلام وقيم المجتمع الإسلامي المستقاة من كتاب الله تعالى ومن
سنة رسوله % ومن المسيرة الإسلامية المباركة قبل أن يعكرها الغزو الفكري الوافد من
هنا وهناك.
وإن
نظرة متأملة
في واقع الناس اليوم تدل على مجموعة من المعاني الشائعة حول عقيدة الولاء والبراء
ومفهوم الناس لها ومما
يجب إعادة النظر فيها وتصويبها قبل أن يصل الأمر إلى انحراف يصعب تصحيحه بعد ذلك،
ومن أهم هذه المفاهيم المستجدة في الأمة:
1-
أن المصالح الشخصية والنفعية المادية
هي أقوى وشائج القربى وعلى أساسها تبنى العلاقات أو تهدم، وتقوى الصِلات بين الناس
أو تضعف وتنهار.
2-
القبلية العشائرية ومنطق الحي والحارة أخذت تأخذ مكانها من جديد في بناء العلاقات
الاجتماعية على حساب القيم والأخلاق
والمبادئ.
3-
شعور بعض المسلمين وحتى بعض حملة الدعوة الإسلامية بالضعف بدأ يأخذ مداه وتولد عنه
شعور آخر يلح بضرورة تحسين العلاقات مع الفسقة والمجرمين رجاء تأمين بعض المصالح
الشخصية أو ادخار لهذه المواقف لعلها تنفع يوماً ما. ولا شك أن هذه الحال تعد نوعاً
من الانهزام الذي لا يليق بالمسلمين عموماًَ فضلاً عن الدعاة منهم.
4-
حسن العلاقة بين النساء –الزوجات خاصة- أصبح هذا الأمر من أهم ما يميز العلاقات بين
الرجال بعيداً عن الأفكار والأخلاق والمبادئ
عند كثير من الناس. والعكس صحيح فعندما تختلف أم فلان مع أم فلان فكثيراً ما يتبع
ذلك التقاطع أو التباغض أو فتور العلاقات على أقل تقدير وبدون تمحيص بل
بعيداً
عن الانتصار للحق وإنما العواطف وحدها تستحق أكثر من ذلك!!
5-
حدة الطبع والانتصار للأمزجة والأهواء، والتفكير الحزبي الجاهلي بعيداً عن الحق
وأدب الخلاف الإسلامي كل ذلك أصبح يقطع أواصر الأخوة
ويجعل الولاء والبراء تبعاً للهوى لا ثمرة للإيمان والأخلاق السامية الفاضلة.
6-
الجهل الفاضح في دين الله وبأخلاق السلف الصالح لهذه الأمة
أحدث تشويهاً في أفهام بعض الدعاة لمعنى الولاء والبراء حتى صار بعضهم يتبرأ من
إخوانه لمجرد اختلافه معهم في الرأي وفي قضايا تخضع للاجتهاد وتحتمل أراء متعددة،
وقد يختلف الصواب فيها من حين لآخر، ولكن قصر النظر وضيق التفكير يجعل من مثل هذه
القضايا الجزئية الخلافية محلاً مناسباً للمفاصلة والبراءة من عباد الله ومن أخوة
الدرب الشاق الطويل..
7-
الجهل بمعنى المفاصلة للمجتمع الجاهلي أدى
كذلك إلى آثار سلبية في طبيعة العلاقات الاجتماعية
بين الناس وبين الدعاة الإسلاميين، وكثيراً ما يُحمّل
فكر
سيد
قطب رحمه الله ما لا يحتمله ولا يعنيه في هذا المجال. فقد كان سيد قطب رحمه الله
يقول في هذا السياق ما مؤداه:
إن
علاقتنا ولقاءنا مع المجتمع الجاهلي تتم في ثلاث دوائر هي:
أ
- اللقاء من أجل بر من يستحق البر شرعاً.
ب-
اللقاء أثناء التعامل المادي
في
شؤون الحياة العامة.
ج-
اللقاء مع المجتمع من أجل الدعوة الإسلامية وتبليغ دين الله.
بقي
إذن اللقاء المرفوض وهو لقاء السمر التافه والصحبة التي ليس لها هدف نبيل يخدم
الدعوة الإسلامية أو يحقق مقصد شرعياً إسلامياً.
ومثل هذا اللقاء لا يتسع له وقت المسلم الجاد الذي لا يضيع وقتاً دون فائدة
في
دينه أو دنياه.
وأخيراً
يجب علينا نحن المسلمين عموماً والدعاة إلى الله خصوصاً أن نحرر ولاءنا وبراءنا وفق
كتاب الله وسنة رسوله % كما علينا أن نصحح موازين علاقاتنا مع أصناف الخلق وليكن
شعارنا في ذلك الحب في الله والبغض في الله أوثق عرى الإيمان.
([1])
سورة المجادلة الآية 22.
([2])
رواه الإمام أحمد في المسند.