كل إناء بالذي فيه ينضح ..
كل إناء بالذي فيه ينضح ..
لبنى شرف / الأردن
العقل نعمة عظيمة من نعم الله على الإنسان ، و هو مناط التكليف ، و الحفاظ عليه من مقاصد الشريعة الخمسة ، فينبغي إذن أن نحافظ عليه و نرتقي به ، لا أن نمتهنه بالسخافات ، و لا أن نهمله فنعيش كالبهائم ، همنا الأكل و الشرب و اللهو و اللعب ، فنصبح كما قال أحدهم :
إنما الدنيا طعام و شراب و منام
فإذا فاتك هذا فعلى الدنيا السلام
فهذا مما لا يليق بذلك المخلوق الذي كرمه الله بالعقل ، و جعله خليفة في الأرض .
و من المؤسف حقا أننا نرى بعض الشباب ممن يدرسون في الجامعات لا يزالون يشاهدون الرسوم المتحركة !! ، و لو تحدثت مع أحدهم أو ناقشته في موضوع ما ، وجدت ضحالة في التفكير مما لا يتناسب و لا ينسجم مع مرحلته الدراسية ، و لست أدري شباب كهذا كيف سينهض بأمته ؟!! .
لابأس بالقوم من طول و من قصر جسم البغال و أحلام العصافير
فلابد إذن من أن نرتقي بعقولنا ، و أن نسمو بأفكارنا ، و لكن ... كيف يكون ذلك ، و ما هو السبيل ؟.
في الحقيقة إنها سبل و ليست سبيل واحدة ، و أولها طلب العلم ، و أشرفه العلم الشرعي ، فبدونه لا يستطيع المسلم أن يقيم أمور دينه. يقول الإمام الشافعي : ليس بعد الفرائض أفضل من طلب العلم ، فهو نور يهتدي به الحائر . و يقول الإمام ابن حنبل : الناس إلى العلم أحوج منهم إلى الطعام و الشراب ، لأن الرجل يحتاج إلى الطعام و الشراب في اليوم مرة أو مرتين ، و حاجته إلى العلم بعدد أنفاسه .
تعلم فإن العلم زين لأهله و فضل و عنوان لكل المحامد
وكن مستفيدا كل يوم زيادة من العلم واسبح في بحار الفوائد
ثم يأتي بعد ذلك طلب العلوم النافعة التي تعيننا على أمر دنيانا ، كالطب و الهندسة و الأحياء و الكيمياء .. و غيرها مما لابد منه ، و لا تستقيم الحياة إلا به ، فالعلم نور ، و الجهل ظلمات و باب لكثير من المفاسد .
العلم ينهض بالخسيس إلى العلا و الجهل يقعد بالفتى المنسوب
و من السبل التي تؤدي إلى استنارة العقل و اتساع الأفق ، القراءة الجادة ، و المطالعة في الكتب النافعة ، فأنت بالقراءة تضيف عقولا إلى عقلك ، و تختصر تجارب و خبرات الأمم و الأشخاص في وريقات ، هذا عدا عن الأنس و المتعة التي تجدها في القراءة .
يسلي الكتاب هموم قارئه و يبين عنه إذا قرأ نصبه
نعم الجليس إذا خلوت به لا مكره يخشى و لا شغبه
قيل لابن المبارك مرة : مالك لا تجالسنا ؟ فقال : أنا أذهب فأجالس الصحابة و التابعين ، و أشار بذلك إلى أنه ينظر في كتبه . و يقول ابن الجوزي : و إني أخبر عن حالي ، ما أشبع من مطالعة الكتب ، و إذا رأيت كتابا لم أره فكأني وقعت على كنز ، فلو قلت أني قد طالعت عشرين ألف مجلد كان أكثر ، و أنا بعد في طلب الكتب ، فاستفدت بالنظر فيها ملاحظة سير القوم ، و قدر هممهم ، و حفظهم ، و عاداتهم ، و غرائب علوم لا يعرفها من لم يطالع .
لـنـا جـلساء ما نمل يفيدوننا من علمهم علم ما مضى بلا فتنة تخشى و لا سوء عشرة فإن قلت : أموات فلا أنت كاذب | حديثهم ألـبـاء مأمونون غيبا و و عـقـلا و تأديبا و رأيا مسددا و لا يـتـقى منهم لسانا و لا يدا و إن قـلت : أحياء فلست مفندا | مشهدا
احرص على كل علم تبلغ الكملا فـالـنـحل ناحق من كل فاكهة الـشمع فيه ضياء في ضياءته | لا تـقـف عند علم واحد كسلا إياك بالحق هذا الشمع و العسلا و الـشهد فيه شفاء يشفي العللا |
و هذا اللسان بريد الفؤاد يدل الرجال على عقله
يقول أحمد بن عطاء : مجالسة الأضداد ذوبان الروح ، و مجالسة الأشكال تلقيح العقول .
ذو النقص يصحب مثله والشكل يألف شكله
فاصحب أخا الفضل لكي تقفو بفعلك فعله
و أخيرا أقول ، أن مخرجات المرء تأتي تبعا للمدخلات ، فالكتب و المجلات التي تقرأها ، و البرامج و الندوات التي تحضرها أو تسمعها ، و الأشخاص الذين تحتك بهم و تجالسهم ، كل ذلك يؤثر و يسهم في تشكيل و صياغة عقلك و فكرك ، فكل إناء بالذي فيه ينضح .