الحب بين العقل والقلب!
الحب بين العقل والقلب!
ماجد بن عبد الله الغامدي
لطالما عرفنا أن القلب هو رمز المشاعر الإنسانية نبيلها و قبيحها و طالما اعتبرناه منبعاً لإرادة الإنسان ولإقدامه وعلو همّته ، وجاء العلم ليثبت أنه مجرد عضلة خاصة تضخ الدم في أنحاء الجسم لا أكثر ولم يكن ربطنا للمشاعر بالقلب إلاّ تفسيراً لِما يعتري القلب من اضطراب أو ارتياح ففي دراسة للدكتور أسامه الغنام أستاذ المخ والأعصاب بجامعة الأزهر قال أن هناك بعض الأجزاء في المخ هي التي يقع فيها الجزء الذي يتحكم في الكثير من التصرفات حيث أن الفص الوجدي من المخ هو لإختزان الذكريات جميعها وكذلك الإنفعالات سواء بالحب أو الكُره وترتبط دائماً بالذكريات والمعرفة القديمة ، أمّا الفص الأمامي من المُخ فهو المسئول عن التفكير والتصرفات والعقل والرصانة ويستقبل المخ عن طريق العين التي منها توزع الصور وكل ما نراه إلى فصوص المخ خاصة الفص الوجدي والفص الأمامي بعد أن تمر قبل ذلك على الفص الخلفي المسئول عن إدراك وفهم هذه الصور وعندما ينفعل المخ بما رآه يبعث إشارات مختلفة إلى حميع أجزاء الجسم ولكن بدرجات متفاوته فيرسل إشارات إلى العضلات أو اليد لتحية من يحب وإلى القلب ليزداد نبضه بقوه أو إلى الأوعية الدموية بالوجه ليقول لها أن هذا هو المحبوب وكذلك يرسل إلى القلب فيستجيب فوراً بسرعة نبضه واضطرابه لذا كان الإعتدال والوسطية في الحب والتصرفات هو أسمى معاني الوجود ولذلك يُقال أن المرأة تفكر بقلبها بينما الرجل بعقله (ربما هو نقص العقل الذي أشار إليه الحديث) ، ولكن ابن الفارض يؤكد على أن الحب والهوى نقيضان للعقل:
هو الحُبّ فاسلم بالحشا ما الهَوى سهلُ وعِـشْ خـالـيـاً فالحُبّ راحتُهُ عَناً ولـكـنْ لـديّ الـموتُ فيه صَبابةً نـصـحْتُك عِلماً بالهَوَى والذي أرى فـإن شـئتَ أن تحيا سعيداً فمُتْ بِهِ | فـمـا اخـتارَهُ مُضْنى به وله وأَوّلُــهُ سُــقْـمٌ وآخـرُهُ قَـتْـلُ حـيـاةٌ لـمَن أهوى عليّ بها الفضل مـخـالَـفَـتي فاختر لنفسكَ ما يحلو شـهـيـداً وإلاّ فـالـغـرامُ لهُ أهْل | عقْلُ
وقد ذُكرت كلمة القلب بإشتقاقاتها) ك قلبك وقلبها وقلبين وغيرها( 133 مرّة تناولت القلب من جانبه المعنوي والمادي أيضاً كقوله تعالى عن القلب المعنوي (واعلموا أن الله يحولُ بين المرءِ وقلبِه( وقوله (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) وقوله صلى الله عليه وسلّم (إن قلوب بني آدم بين اصبعين من أصابع الرحمن) ومما أشار إلى القلب العضلي المادي قوله تعالى (ما جعل الله لرجلٍ من قلبين في جوفه) وقوله صلى الله عليه وسلّم (ألا إنَّ في الجسدِ مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله) ويجمع بين القلبين المعنوي والمادي قوله تعالى (فإنها لا تعمى الأبصارُ ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) ، وتبقى الرابطة قويةً بين القلب المعنوي والقلب المادي قكلنا قلوبٌ تخفق فرحاً لرؤية حبيب أو انزعاجاً وأسىً لنبأٍ موجع وقد نشعر وكأن قلوبنا تخرج من بين أضلعنا في مواضع الألم والحسرة أو السعادة الغامرة لذلك يُقال أن الذي يكتمُ حبه في قلبه يموت مختنقاً ويقول أحدهم:
تـمـنّـيتُ أنَّ القلبَ شُقَّ بمُديةٍ تـعيشينَ فيهِ ما حييتُ فإن أمُت تـحـلّـيـنَ فيهِ لا تحلِّينَ غيرَهُ | وأُدخلتِ فيهِ ثمَّ سكنتِ شِغافَ القلبِ في ظُلمِ القبرِ إلى مقتضى يوم القيامةِ والحشرِ | أُطبقَ في صدري
وقد أجاد الشاعر البغدادي حين ربط مواضع الحب وبواعثه بقوله:
يقولُ قلبي لطرفي إذ بكا جزعاً فـقـالـ طرفي لهُ فيما يُعاتبه حـتى إذا ما خلا كلٌّ بصاحبهِ نـادتـهما كَبدي لا تبعدا فلقد | تبكي وأنت الذي حمّلتني الوجعا بل أنت حمّلتني الآمالَ والطمعا كـلاهـما بطويلِ السقمِ قد قنعا قـطّـعـتماني بما لاقيتما قِطعا |
مثلُ ذلك ماذكره ابن القيم في روضة المحبين :
يقولُ قلبي لطرفي هِجتَ لي سَقماً والـجـسمُ يشهدُ أن العينَ كاذبةٌ لـولا العيونَ وما يجنينَ من سَقمٍ فـقـالـت الكبدُ المظلومةُ اتئدا | والـعـينُ تزعمُ أن القلبَ أنكاها وهـي التي هيّجت للقلبِ بلواها ما كنتُ مُطّرحاً من بعضِ قتلاها قـطّـعتماني وما راقبتما اللهَ ! |
ولا أجمل من قول ابن ميّادة :
أُعـلِّـلُ قـلـبي بالأماني مُنىً إن تكن حقاً تكن أحسنَ المُنى | لعلّهاسَـقَـتنا بها ليلى على ظمإٍ وإلاّ فـقـد عِشنا بها زمناً رغدا | بردا