اتجاهات الشباب العربي ومشكلاته 3

اتجاهات الشباب العربي ومشكلاته

سورية أنموذجاً

(3)

شباب الولاءات السياسية

زهير سالم*

[email protected]

وثانيا – الولاءات السياسية...

وشريحة ثانية تستدعي التأمل وتثير القلق معا، وتضعنا أمام معضلة: إذا كنت ببعض الولاء السياسي يمكن أن تحصل على كل ما تتطلع إليه فلم الجِد إذن؟!! قلنا معضلة هل هي معضلة حقا أو هي مفتاح لتفسير كل ما تنسبه إلينا المنظمات الإنمائية الدولية في تقاريرها عن التنمية البشرية من جهل وتخلف وهوان؟!!

 الشريحة التي نواجه شريحة كبيرة وتتنامى، ويُعجب تناميها بعض الناس، يقولون إن ثلث شباب سورية البالغين انتظموا في ركابها، أي انضموا إلى فريق المحمولين الذين يجب على المكدودين من بقية أبناء المجتمع أن يحملوهم على أعناقهم وأرزاقهم..

 يقال أن بعض السلاطين كان لهم فرق من التنابل يستهلكون ولا ينتجون!! وكان العامة عندنا يضربون المثل بتنابل السلطان والفرق بين أولئك وهؤلاء أن أولئك التنابل كانوا يقنعون عادة بالنذر اليسير، وهؤلاء تصرخ طموحاتهم دائما: هل من مزيد.

أبناؤنا هؤلاء بحاجة إلى يد المربي الرشيد..

 وخطوة أخرى على طريق رصد اتجاهات الشباب العربي، من خلال الشباب السوري، لتستقبلنا شريحة من الشباب المتعجل، الذي يريد أن يخطف السلم بخطوة ، الفهلوي الذي شكل عقيدته من مخلفات ماض كان فيه بعض الزلل، في تحديد الموقف من الأم والعم، أو في الغناء للشر عن بعد، أو ( إذا مت ظمآن فلا نزل القطر ). وواقع معكوس يغلق على الشباب سبيل التقدم القويم ليمتلك يقينه أن عليه أن يكون ذئبا لئلا تأكله الذئاب

 في أيامنا شبيبتنا كان الناس يتحدثون عن ( الالتماس )، ثم تحدثوا عن الفيتامين ( واو )، ثم بدأ بعض تلامذتنا الأبرار!! يهمسون في آذاننا( أستاذ أرادوا بالأمس أن يرفعوا فيك تقريرا، ولكنني رفضت، ووقفت في وجوههم بقوة، أستاذ أنا اعرفهم كلهم ... ويذكر ما يشاء من النعوت والألفاظ، ثم يعتذر لنفسه ماذا نفعل بدنا ندبر راسنا..)

ليس من الضروري أن ينطلي عليك الكلام، وستضع احتمالا كبيرا أن التلميذ (الرفيق) يحاول أن( يدبر رأسه) عندك في آخر العام، وهذا ليس تحقيقا في واقعة وإنما هو تمثيل لنفسية. ولأنه قد سبق لرفيق كبير، أصبح فيما بعد نائبا لرئيس الجمهورية،  أن صرح على الملأ في مدينة حلب، وقد طولب بإعادة النظر في الرواتب المتآكلة ( مشان كم دب ما بيعرفو يدبرو راسهم بدنا نكلف ميزانية الدولة...) وهكذا غدت سياسة (تدبير الراس) شعارا ونهجا، وكان على الشباب أن يرفعوا الشعار وأن ينهجوا السبيل.

  في المدرسة وفي الجامعة وفي المنظمة الشبابية وفي فريق كرة،  وفي التنافس على المقعد الجامعي، وعلى البعثة العلمية، وعلى المهمة العامة، وعلى الوظيفة المدنية، والفرصة الوطنية، في سلك الاقتصاد أو السياسة أو الاجتماع. دائما ُتقدم هذه الشريحة وتُفرض أولويتها ليوسد إليها الأمر بدون استحقاق ولا قدرة ولا خبرة. يكفي فقط أن يمتلك الفرد منها بطاقة انتماء وولاء إلى الحزب الحاكم ليقصي غيره ويحجبه ويتفرد ويتأبد.. 

 لم يعد التحصيل والجد والجهد ضروريا، فالبطاقة الخاصة لحزب حاكم حيث يوجد حزب حاكم، أو للولاء لنظام مهما كان هذا النظام، تختصر أمام الشباب العربي الطريق إلى المكانة السياسية أو الفنية أو العلمية أو التي يريد..

 يمكنه أن يحظى بالبعثة العلمية دون دراسة وجد، وبطاقة الحزب تكفيه لانتزاع حق العاملين والجادين المتفوقين من زملائه !! وهكذا يمكن أن يكون مديرا لدائرته دون أن يتمرس في السلك الإداري، أو رئيس تحرير لصحيفة، أو موظفا في بعثة دبلوماسية، أو مرشحا على قائمة حزب أو جبهة لمجلس شعب، أو لمجلس إدارة محلية، أو لمجلس قروي، أو لاتحاد طلابي، أو عمالي، أو فلاحي، أو عضوا في مجلس نقابة عمالية أو مهنية أو ثقافية، أو نقيبا للفنانين أو الصحفيين أو الأطباء أو المحامين!! الذي يفزعنا في عملية الرصد هذه، أنه ومع تضخم أعداد الملتحقين بالحافلة الحزبية هذه، فقد أضحت جميع المواقع والكراسي محجوزة مسبقا وفقا لسياسات استرضائية لشباب الحزب، الذين يتقاضون بإلحاح ثمن انتمائهم، حتى اضطر القائمون على الأمر إلى تخصيص بعض المقاعد على سبيل ( الكوتا ) لبقية أبناء المجتمع.

 وشباب الحزب الحاكم هؤلاء هم شباب ولاء وليسوا شباب نضال أو إنجاز، أو هم كما أطلق عليهم الشاعر الأندلسي يحيى الغزال عند الخليفة الناصر( عبيد من أخصب ) مع الاعتذار المسبق لهم، هم شباب تواكل وتكاثر وبؤرة متميزة لانتشار جراثيم الفساد. شريحة من الشباب تستجيب للإغراء، وتختصر الطريق، وتطالب دائما بحقها بثمن ضرب الكف على الكف، والهتاف بالروح والدم...

 والقائمون على هذه الأحزاب في أوطاننا لا يعنيهم أن يتوقفوا عند ظاهرة تضخم أعداد المنتمين إلى الحزب الحاكم. ولا يتأملون معنى البطالة أو العطالة التي تتجسد في شريحة تتضخم فتأكل حقوق المجهدين والمنجزين.

 نذكر للتفسير فقط أن عنوان الحزب الحاكم في مصر وبرامجه قد تغيرت خلال عهدي السادات ومبارك أكثر من مرة، ولكن المنتسبين لم يتغيرو فهل في هذا من بلاغ ا!!

 على دين ملوكهم هكذا رصد الأقدمون هذه الشريحة  وقد سبقت الامتيازات وجود الأحزاب.

 لماذا ينتسب هؤلاء الشباب إلى الأحزاب الحاكمة؟! سؤال مطروح على قيادات هذه الأحزاب للتأمل!! إلى أي حد يؤمن هؤلاء الشباب  بمبادئ الحزب وأهدافه؟ وهل هناك أخلاقيات حزبية حقيقية يتفق عليها هؤلاء!! أي عقبة يشكلها هؤلاء الشباب في طريق مشروع التقدم والنهوض والإصلاح؟!

 يشكل شباب الولاء للنظام السياسي تحت أي عنوان كان هذا الولاء الوسادةَ الناعمةَ التي تتكئ عليها الحالة السائدة في العالم العربي بكل ما فيها من ذلة وقلة وفساد وهوان.

 شباب الولاء السياسي اتجاه ثان يمثل خطرا حقيقيا يحتاج إلى وقفة: تضع الذين يتحدثون عن الإصلاح في الفراغ أمام سؤال: هل يَصلح هؤلاء المحتاجون أصلا إلى إصلاح أن يكونوا حملة مشروع إصلاح؟!

السؤال مطروح على العقلاء المفترضين في جميع الفرقاء

ويتبع الشريحة الثالثة الشباب المعولم

              

(*) مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية